«زيد الحرب والعزف على أوتار الأمة»... منارة شعرية نادرة

نشر في 19-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 19-08-2013 | 00:02
No Image Caption
يتضمن نماذج من قصائده ودراسة وتحليل لنتاجه المتنوع

«زيد الحرب والعزف على أوتار الأمة» كتاب صادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ضمن سلسلة منارات ثقافية كويتية، يتضمن ثلاثة آراء نقدية للدكتورة حصة الرفاعي والدكتور صباح السويفان والشاعرة غنيمة زيد الحرب، حول هذا الشاعر الذي شكلت قصائدة مرآة لمجتمعه وأبرز القضايا في عصره.
يحاكي الشاعر زيد الحرب الواقع في قصائده، متكئاً على ثقافته الواسعة وإطلاعه على التراث العربي والموروث الإسلامي، باحثاً عن العبرة والعظة في الشعر.

يقدم «زيد الحرب والعزف على أوتار الأمة» جانباً من ظروف نشأة الشاعر زيد الحرب واتجاهه إلى العمل في البحر، متوقفاً عند محطات مهمة في رحلة الكفاح لضمان لقمة العيش في زمن قبل اكتشاف البترول، ومستعرضا البناء الشعري والتراكيب في هذه التجربة الثرية.

ترعرعت الحالة الشعرية لزيد الحرب على ظهر سفن الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، وسفن التجارة، وعاصرت انعكاسات أزمة كساد الاقتصاد العالمي (1929) على الاقتصاد المحلي، واهتمت بقضايا العرب وآمالهم بالتحرر والوحدة والنهضة التي كانت محور قصائد عدة.

تنوعت شعرية الحرب، إذ نظم الغزل والرثاء والمناجاة، كذلك نظم قصائد تغنى فيها بحياة البساطة والكفاح الإنساني تارة، وعبر عن الإحباط وخيبة الأمل تارة أخرى، لا سيما في أوقات المحن التي تعرّض لها، ولم يكن للشاعر أن يجمع بين ألوان الإبداع الشعري هذه لولا ثقافته الواسعة في التاريخ والتراث على رغم أميته، ولولا متابعته للأحداث التي عاصرها، ما يعكس سعة اهتماماته في وقت لم تكن وسائل الإعلام المعاصرة قد انتشرت، فجسد بحق مفهوم: «الشاعر لسان حال أمته وثقافتها».

إعادة اكتشاف

تشير كلمة الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إلى أهمية إعادة اكتشاف الشاعر الراحل وقصائده التي يمكن، من خلالها، إعادة قراءة مرحلة تاريخية على لسان شاعر عبّر بصدق وإحساس مرهف عن حالة الكويت وأهلها في عصر ما قبل اكتشاف النفط، وامتداداً حتى الربع الأخير من القرن الماضي، أي في حقبة شهدت تحولات اجتماعية واقتصادية محلياً وعربياً ودولياً.

وظيفة اجتماعية

في بحثها تؤكد الدكتورة حصة الرفاعي أن زيد الحرب شاعر شعبي بالمقاييس المتعارف عليها، ولا تعني بذلك نظم الشاعر قصائده الرائعة باللهجة المحلية، فالعامية ليست معياراً كافياً للحكم على شعبية النص، لأن للأدب الشعبي عموماً والشعر الشعبي تحديداً خصائص تميزه عن سواه من أنماط الإبداع، تقوم على أساس قبول الناس للإبداع وتداوله، إذا وجدوا فيه تعبيراً صادقاً عن نبض حياتهم ورؤاهم المستقبلية في عيش أفضل.

ولا تقلّ الوظيفة الاجتماعية أهمية عن عامل القبول الجمعي، فالشاعر الشعبي لا يختلف عن غيره من الشعراء في تصدّيه لكل ما يعترض مجتمعه من محن وأزمات، بل أمدّه شعره القريب من لغة الخطاب اليومي بقدر أكبر من المفردات يصوغ من خلالها هموم مواطنيه ويكشف عن أملهم في مستقبل أفضل.

وتحدد الرفاعي معاني شعره ودلالاته مشيرة إلى أنه كان لسان حال أمته لانغماسه في الحدث والموقف الإنساني، فهو لم يكن ناقلا لما يرى فحسب، بل تغلغل في عمق الحدث، وانفعل مع تفاصيله الدقيقة، ما يدل على انصهار الشاعر في وجدان قومه.

كذلك تركز الباحثة على المنحى الفلسفي عن طريق التقابل في المعاني والصور من خلال قصيدة «اليوم أنا أمشي على ظاهر القاع» ومنها :» اليوم أنا أمشي على ظاهر القاع/ ولا بد يوم أواسد حدرها... ثم تتوالد الصور الفرعية الناجمة عن هذه الصورة الأساسية على المقارنة بين الحركة والسكون.

عمق المعاني

ترصد الرفاعي بعض الدلالات الأخرى منها تميز قصائد حرب بالغوص في ثنايا الظاهرة أو الحدث، بحثاً عن العبرة والعظة، رافضاً الاكتفاء بالوصف المجرد، وداعياً من خلال شعره إلى منحى سلوكي على المستوى المحلي أو القومي.

في ما يتعلّق ببناء القصيدة لدى الحرب، تشير الرفاعي إلى تنوع البناء، إما يلتزم بشكل القصيدة العمودية ذات القافية الواحدة أو المزدوجة، أو يصوغ شعره على نسق مقطوعات متعددة القوافي، وتخضع قصائده إلى أوزان الشعر العربي.

الرمزية

يلفت الدكتور صباح السويفان إلى الرمزية التي تتضمنها قصائد الحرب المتجنبة المعاني السطحية، كأن الشاعر يكتب بأسلوب حداثي يعي عملية الترميز ويبث الدهشة لدى المتلقي، ويبتعد عن المباشرة والتقريرية. وقد احتوت قصيدته على ثلاث شخصيات هي الفتاة التي ترمز إلى فلسطين والعجوز التي ترمز إلى إسرائيل والشاعر المحب الذي يمثل الإنسان العربي المصرّ على استعادة حقه المغتصب، ومن القصيدة المقطع التالي:

قالت: تعال بدل واعمل معي طيب/ وأصير أنا وياك صدقان وأصحاب/ قلت: أنت عجوز «خيبر» أمنين لك طيب/ وإحنا مع خيبر في جهاد واحراب.

تضمن الإصدار، أيضاً، قراءة متأنية لقصائد زيد الحرب أعدها غنيمة الحرب (ابن الشاعر) مسلطة الضوء على أمور مهمة في هذه التجربة الشعرية الثرية.

 مشوار ممتد

عاش الشاعر زيد عبدالله إبراهيم الحرب (1887-1972) مع والديه وأعمامه في منزل جده، فقبل اكتشاف النفط كان نظام الأسرة الممتدة سائداً في العائلات الكويتية. في بواكير شبابه، امتهن الغوص مع والده وأعمامه في سفينة يملكها عمه

عبد العزيز الحرب.

وكان يسافر صيفاً في رحلة الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، ثم يخرج ثانية في رحلة أخرى للاتجار بالبضائع بين موانئ الهند وأفريقيا، وعقب عمله في البحر اكتسب خبرة مكنته من تقلد مهمة قبطان السفينة.

شارك مع إخوانه الكويتيين في بناء سور الكويت لحماية البلد من الاعتداء الخارجي في معركة الجهراء، وعقب اكتشاف النفط توقفت رحلات الغوص والسفر، وعمل الشاعر في مجال التنقيب عنه، إلا أنه في سنة 1952 أصيب بفقدان النظر.

back to top