EVE WITH TWO FACES

نشر في 19-04-2013
آخر تحديث 19-04-2013 | 00:01
 بدر سلطان العيسى بعد العدوان الثلاثي سنة 1956 امتلأت المستشفيات المصرية بالجرحى، الأمر الذي دفع المسؤولين لإعطاء طلاب الجامعة إجازة طارئة لفترة شهرين لكي يتم استخدام مباني الجامعة في إيواء من لم يجد له مكاناً في المستشفيات، وقد تعطلت الدراسة بشكل كامل، وتوقفت كل وسائل النقل، وأصبح لا عمل للطلبة إلا التسكع في الشوارع أو الذهاب إلى السينما أو قراءة الكتب الموجودة في مكاتب القاهرة.

واقتصرت التسلية المتوافرة لأي جامعي على الذهاب إلى السينما، في ذلك الوقت عرضت سينما أوديون فيلم EVE WITH   TWO FACES بطولة "جريجوري بيك"، و"كيم نوفاك"، ومن إخراج "ألفريد هيتشكوك" وكنت وقتها معجباً بكيم وجسمها الممتلئ، كما كنت أعتقد أو هكذا هيئ لي أنني أشبه "جريجوري بيك"، وأحاول تقليد حركاته ومشيته، ولم أتردد بقص شعري على طريقته، وقبل الذهاب إلى الفيلم كنت على اعتقاد أنني سوف أرى الوجه الآخر "لكيم نوفاك" وليس وجهها الذي شاهدته في أفلام أخرى، وقلت أذهب لأرى ذلك الوجه الآخر، وبعد مشاهدة الفيلم عرفت أن لها وجهاً واحداً، وأن ما كانت تعانيه "بالفيلم" هو انفصام بالشخصية.

لقد أظهر هيتشكوك هذا التباين بين الشخصيتين بصورة رائعة وشيقة، كما أظهر مقدرة عجيبة في معاناة البطل "جريجوري" بالتغلب على الانفصام الواضح في شخصية كيم، وقد قام "جريجوري بيك" بدور الدكتور النفسي الذي حاول على مدى ساعتين ونصف، وهي فترة عرض الفيلم، حل ألغاز شخصية "كيم" وإظهار شخصيتها الأخرى غير السوية لكي يبعدها عما كان ينتظرها من عقاب، فيما لو تمت محاكمة البطلة على أنها لا تعاني من أي انفصام في الشخصية، ونجح "هيتشكوك" في إبعاد أي حكم عن "كيم" على أساس أن ما صدر عنها كان تصرفا ناتجا عن الشخصية المريضة.

لقد تذكرت هذه الحكاية وأنا أقرأ في جريدة "الجريدة" الصادرة يوم 14/4/2013 الحكم الصادر على كويتي بالسجن سنتين لإصداره شيكين مع تعمد تغيير توقيعه، ورغم إصابته بانفصام الشخصية إلا أن الحكم صدر عليه بالسجن، والسؤال هو على أي شخصية من الشخصيتين صدر الحكم؟ هل صدر الحكم على تصرف المواطن بشخصيته الحقيقية السوية أو الشخصية الأخرى المريضة؟

فإذا كان على أساس الشخصية المريضة فالحكم جائر أو غير واقعي، أما إذا كان الحكم قد صدر على الشخصية السليمة فالأمر يحتاج إلى بحث وتحليل ورأي محلل نفسي لحالة المواطن، ولمعرفة الحالة النفسية وقت توقيع الشيكين، ولو كنت أنا مكان القاضي الذي قام بمحاكمة المواطن لكنت احترت في أي شخصية أحاكمه أو على أي شخصية أصدر الحكم، هل أصدرها على الشخصية السوية أو الأخرى المريضة؟ ولما كانت معرفة الفرق بين الشخصيتين والتأكد من أي شخصية من الاثنتين وقت توقيع الشيك أمراً في غاية الصعوبة فلن أتردد في إصدار حكم براءة الشخص الذي أصدر الشيكين، ورفض القضية وتحميل مسؤوليتها على من دفع ذلك المريض لإصدار شيكين؛ مع أنه يعرف مقدما أنه إنسان يعاني انفصاماً في الشخصية.

 بعد مشاهدتي الفيلم سنة 1956 ونظراً لتوافر الوقت وتعطل الدراسة فقد قمت بقراءة كل كتب علم النفس التي صدرت عن "فرويد" لكي أساعد "جريجوري" في إيجاد مخرج للبطلة.

وخلال شهرين لم يكن لي أي عمل إلا قراءة كل ما يقع تحت يدي من كتب علم النفس التي تعالج هذا المرض الذي دفعني إلى ترصد حركات من كان يسكن معي في شقة الجيزة والحكم عليها إن كانت شخصية حقيقية أو شخصية مريضة.

لم تكتفِ السينما الأميركية بهذا الفيلم إنما أنتجت لنا فيلماً آخر تحت عنوان THE THREE FACE OF EVE ومخرجه كان "نونانلي جونسون" أما البطلة فكانت "جوان وودوارد" وكنت أيضا من المعجبين بها.

لقد تم إصدار حكم ببراءة "إيف" من محاولة قتل ابنتها بعد أن تم التأكد من مدى تأصل انفصام الشخصية ليس إلى شخصيتين بل إلى ثلاث شخصيات هي: "إيف وايت، إيف بلاك، إيف الحقيقية" وتم بعد المحاكمة إلقاء المسؤولية على إيف بلاك وتبرئة إيف الحقيقية، فقد كانت كل من إيف بلاك وإيف وايت شخصيتين مريضتين لا يؤخذ على تصرفاتهما أي مسؤولية.

وبالرغم من إنتاج الفيلم سنة 1957 فإن المنتج لم يعرضه إلا سنة 1975 بعد وفاة إيف الحقيقية لكي لا تتم مطالبة "إيف" بأي تعويض على استخدام حالتها في إنتاج الفيلم.

back to top