الأربعون... أجمل المراحل

نشر في 26-05-2013 | 00:02
آخر تحديث 26-05-2013 | 00:02
No Image Caption
ما القاسم المشترك بين كارلا بروني، وهالي بيري، ونيكول كيدمان، وصوفي مارسو ومونيكا بيلوتشي؟ بلغن جميعهن عمر الأربعين وهن ما زلن في أوج التألق! حين تنظرين إليهن وتلاحظين نضارتهن وانتعاشهن، يستحيل ألا تصدقي أن بلوغ الأربعين هو أفضل مراحل الحياة وأجملها على الإطلاق.
عكست دراسات جدية نماذج مختلفة تجسد نساء بلغن الأربعين والألق لم يفارقهن، وأخريات شهدن أبشع أزمةٍ قد تمر عليهن. فأي النساء تصدقين؟ يتعلق الأمر، في المقام الأول، بالمجهود الذي تبذله المرأة، فالنساء النشيطات يجدن في سنّ الأربعين ولادةً حقيقية.

تمتاز مرحلة الأربعين العمرية الأساسية، لدى النساء والرجال على حدٍّ سواء، بأزمةٍ نفسية وروحية، ففيها تعرف المرأة نقاط قوتها ونقاط ضعفها وحدودها وتعيد التفكير في بعض المسائل العميقة، وأحياناً تمرّ بأزمة رغبات وعدم رضا ومخاوف لا تنتهي...

قد تجدين نفسك تولدين من جديد في سنّ الأربعين وذلك استناداً إلى الطريقة التي تتقبلين فيها سنّ الشكّ هذه، أو دعينا نقول، سنّ العاصفة. تتطلب الولادة الجديدة منك تقبّل الأمر، عدم التهرّب من الأزمة، إعادة  التفكير بأولوياتك، التحوّل من السطحي إلى الجوهري، اكتشاف  الرغبة التي تدفعك إلى الحياة.

في كتابه «أزمة الأربعين» أورد جاك غوتييه: «تتحول الرمال المتحركة إلى منصة تقفزين من خلالها إلى أرضٍ ثابتة أجمل وأكثر انفتاحاً. يقول من يخرج منها منتصراً: أزمة رائعة تعيد إلى الإنسان الحياة وتعبر بالرجال والنساء إلى مرحلة النضوج والتواضع أيضاً...!»

 

سنوات ازدهار

بلغت الممثلة الأميركية جودي فوستر عامها الأربعين والازدهار رفيقها الدائم، صرّحت بأنها بدأت سناً جديدة تتيح لها فرصة الجمع بين التجربة والشباب، وذكرت ممازحة، أثناء مشاركتها في مؤتمر صحافي في طوكيو لإطلاق أحد أفلامها: «يُشاع أن سنّ الأربعين تشبه إلى حد بعيد الثامنة عشرة. بالنسبة إلى امرأة في الأربعين، تكمن الإثارة في الثقة التي تكتسبينها بعد كلّ تلك السنوات، فتجدين نفسك شابة تتحمسين لمستقبلك من دون أن تقلقي على هويتك، وتتوقفين عن طرح أسئلة كثيرة: هل أنا أم صالحة؟ هل أنا ذكية، قوية؟».

تفيد هدى (40 عاماً، معلمة مدرسة): «الأربعون هي السن الأجمل على الإطلاق في الحياة. تجدين نفسك منفتحة بشكلٍ رائع وتدركين تماماً ما تريدين، تقعين في الحبّ مجدداً كما لو كنت في الخامسة عشرة من عمرك، تعرفين أوراقك الرابحة جميعها وتتقبلين أخيراً عيوبك من دون أن يسبب لك الأمر أي مشكلة. في مطلق الأحوال، أقدّر سنّ الأربعين، إنها أجمل مراحل حياتي. تعلمت الكثير منذ بلغت العشرين من العمر والآن أعرف جيداً كيف استعمل كمّ المعرفة الهائل الذي اكتسبته. أعرف كيف أبتسم للحياة وغالباً ما أنجح في ذلك. أعشق المديح اليومي الذي يُسمعني إياه الرجال لأنني متأكدة من صحته. لحسن الحظ، لا يرغب الرجال جميعهم بشابة يافعة، بل يُعجب البعض بالمرأة التي تقدّر نفسها».  

توافق سلمى، (42 عاماً، صاحبة متجر)، هدى الرأي وتقول: «أن أكون امرأة في الأربعين من عمري نعمة تتضمن حكمة اكتسبتها على مدى السنوات. ولا مجال هنا للحديث عن بداية النهاية، بل إنها بداية مرحلة عمرية رائعة. يتعارض امتلاك الحكمة بشدة مع الشيخوخة، ذلك أنها تمنحك شباباً لم تشعري به قط. لا شكّ في أنك عرفت أوقاتاً صعبة وأخرى جيدة خلال الأربعين عاماً المنقضية، وتعلمت الكثير من مغامراتك السيئة ومن أخطائك، واليوم، لم يبقَ منها إلا مجرد ذكرى بشعة وقوةً لا تُضاهى. أترين، سنّ الأربعين هي بحقّ أجمل المراحل العمرية».

أزمة الأربعين

الحديث عن سنّ الأربعين يعني الحديث عن تلك الأزمة الصعبة التي قد تمرين بها، أزمة منتصف العمر التي تختبر النساء خلالها انقطاع الطمث،  وهو حدث مخزٍ برأي نساء كثيرات، أو حدث تنكره النساء كما تشير المحللة النفسية كاثرين بيرجيريه – أمسيك  وتقول: «لا يرى المحللون النفسيون في انقطاع الطمث إلا مسألةً طبية»، لذلك تسعى كاثرين إلى إلغاء التحريم الذي يغلّف أبعاد هذه الحقيقة الأساسية، فقدمت أعمالاً اعتمدت فيها أسلوباً قوياً وواضحاً وعرضت تحاليل وقصصاً تروي تفاصيل نساء عبرن مرحلة انقطاع الطمث، بهدف الإجابة عن أسئلة لا سيما في ما يتعلق بالحياة الحميمة والزوجية، وأخرى عن طبيعة هذه الأزمة الوجودية العنيفة أحياناً التي تزعزع استقرار المرأة عند بلوغها عامها الخمسين، وكيفية التوصل إلى اكتساب نضوج جديد واعد، وإمكان اعتبار سنّ الأربعين أجمل المراحل العمرية في حياة المرأة.

عن هذه الأسئلة تجيب كاثرين بيرجيريه – أمسيك، عضو في جمعية المحللين النفسيين الفرويديين وشاركت في أبحاث ودراسات تتناول الولادة وحديثي الولادة، وتدرس منذ سنوات مراحل الحياة الأساسية من خلال الكشف عن أحاسيس المرأة  الحقيقية. تقول:

«في الحقيقة، أجمل المراحل العمرية هي تلك التي نعيشها في اللحظة الراهنة، تتطلب الحياة تقبّل العمر وما يحمل من غنى ومشاكل. بالإضافة إلى ذلك، لا تنسي أن كلّ مرحلة عمرية تتضمن مراحل سابقة، بما معناه أن بلوغ الأربعين، يسمح بالتواصل مع الطفلة والشابة والمرأة التي عشتِها في السابق. بلوغ الأربعين يعني بلوغ «عشرينيتين». إنه عمرٌ تمتلك المرأة فيه جسدها وروحها من دون أن تفقد شبابها.

يبدو كلّ شيء ممكناً: الإنجاب (الطفل الأخير أو الطفل الأول)، تغيير المهنة، متابعة الدراسة، الانفصال عن رجل أو تحقيق حلم. إلا أن بلوغ الخمسين، يوقع بعض النساء في أزمة وجودية تنطلق معها أزمة منتصف العمر. يختبر بعض النساء هذه الأزمة في الخامسة والأربعين في حين تتأخر لدى البعض الآخر حتى الخمسين وقد يعيشها البعض في الأربعين.

أنت لا تولدين امرأة، بل تصبحين امرأة وفق سيمون دو بوفوار. إذا كانت المرأة في الثامنة عشرة أو العشرين برعم ورد، فهي تتفتح في الثلاثين وتتفتح أكثر في الأربعين والخمسين وتعيش ازدهاراً لا مثيل له. وحدها المرأة الأربعينية أو الخمسينية تقدر على قلب حياة الرجل، إذ تملك ما يكفي من الجرأة لتعلن رغباتها.

تتسلل الشيخوخة إلى نفوس بعض النساء حين يصرحن عن انتمائهن إلى مرحلة الأربعين العمرية. كيف لا وقد أخبرهن الطبيب النسائي أنهن وصلن إلى مرحلة ما قبل انقطاع الطمث وهو أمرٌ صحيح، رغم أن الانقطاع لن يتمّ قبل خمس أو عشر سنوات من حيث المبدأ، فيتوّلد في نفوسهن خوف من الضياع وفقدان الأنوثة. حين كنّ أصغر في السنّ، كانت نظرتهن إلى سنّ الأربعين بعيدة، أما اليوم، فبلغن هذا العمر ولم يعد بإمكانهن تغيير أي شيء. يتعلق الأمر بالأحداث الراهنة التي تطبع حياتهن، فإذا فقدن عزيزاً أو انفصلن عن حبيب أو خسرن عملهن أو عجزن عن إنجاب طفل (لا سيما بعد تدخلات طبية غير ناجحة) أو اختبرن مشاكل مع أطفالهن أو مشاكل صحية، فيرافق الألم هذه المرحلة من حياتهن. أما إذا تكللت هذه الفترة بالنجاح فتمرّ مرور نسمة خفيفة».

سعيدة أم تعيسة؟

 

يشير بعض الدراسات إلى أن المرأة تعيش أقل قدرٍ من السعادة عند بلوغها الأربعين، فتحت ثقل المهنة وتربية المراهقين والهموم المالية وجدول الأعمال المزدحم، يصعب على المرأة الأربعينية أن تجد السعادة، لا سيما أن هذه الهموم ستتأزم مع بلوغها الخمسين.

يوضح الباحثان البلجيكيان مارك إلكاردوس ووندي سميتس: «يشعر الشباب بين 18 و25 عاماً بسعادة تفوق المعدل المتوسط. بعد ذلك، تتراجع السعادة حتى بلوغ 55 عاماً لترتفع مجدداً. المرحلة العمرية الأقل سعادة هي تلك التي تتراوح بين 46 و55 عاماً في حين أن الأسعد هي تلك التي تتراوح بين 60 و75 عاماً». وقد توصل باحثون صينيون أجروا دراسة مماثلة في بكين إلى النتائج عينها.  

سنّ التحديات

من الواضح أن النساء يهوين المغامرة بعد بلوغ سنّ الأربعين أكثر من غيرهن، لا سيما أن حيوية منظمة وحقيقية تحلّ محل السلوك القهري. تدرك المرأة عند بلوغها الخمسين ما تريده وما لا تريده، إذ تستقي الدروس من أخطائها.

أما على الصعيد العاطفي، فتفشل غالبية النساء أو يختبرن انفصالاً مؤلماً، لذلك يُبدعن مهنياً كي لا ترمي بهن مركبة الزمن على قارعة الحياة من دون أن يتحولن إلى مهووسات عمل.

على الصعيد المهني، تبدو الأمور أصعب، إلا أن الأمر يُعزى هنا إلى الظرف الراهن، علماً أن روح المغامرة تدفع نساء أربعينيات إلى تأسيس عملٍ خاص بهن وإلى تطوير مغامرة مهنية جديدة أكثر ازدهاراً. تؤكد غالبية النساء أن ثمرة عشرين عاماً من الخبرة تسمح لهنّ بالعثور على طريق جديد وعلى الولادة من جديد.

شهادتان

تقول نسمة (45 عاماً): «هل شعرت بصعوبة الأربعين؟ هذا ما حصل معي منذ بضعة أشهر. لم نعتد، صديقاتي وأنا، الخروج كلّ نهاية أسبوع مع الفتيات. ولم تكن الأمور تسير على ما يرام مع زوجي وكنا على وشك الانفصال. احتجت إلى ما يعيد إليّ الطمأنينة وتعزيز ثقتي بنفسي كامرأة تثير الإعجاب. استمرت بي الحال كذلك لستة أشهر ولكن الآن تبدو الأمور أفضل».

أما إيزابيل (محامية، 43 عاماً) فلا توافقها الرأي، إذ تقول: «سنّ الأربعين هي التوقيت الأفضل للحسابات. تلقي نظرة جديدة على ما أنجزت من نجاحات وإخفاقات. إنها بداية لحقبة جديدة أكثر هدوءاً وراحةً إذا رضيت عن حساباتك أو حقبة مرارة وندم إن لم ترضي عنها».

back to top