على تركيا أن تقود مبادرة إنشاء ملاجئ آمنة في سورية

نشر في 16-05-2013
آخر تحديث 16-05-2013 | 00:01
نعلم جميعنا أن الولايات المتحدة، إن اتخذت القيادة وتدخلت، فستصبح ملزمة بسورية وبعملية إعادة بنائها، فكما ذكر وزير الخارجية الأميركي السابق، كولين باول، ينطبق على الأزمة السورية الشعار الشهير: «إن كسرتها، فعليك شراءها»، مع العلم أن سورية كُسرت منذ زمن.
 لوس أنجلس تايمز تزايدت الضغوط على إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للتدخل في الأزمة السورية كثيراً خلال الأسبوع الماضي، وذلك لسببين.

أولاً، ثمة شكوك في أن نظام بشار الأسد المحاصر (أو الثوار الذين ربما حصلوا على هذه الأسلحة من مخازن الحكومة) استعمل الأسلحة الكيماوية في الحرب الأهلية السورية وإن على نطاق محدود.

ثانياً، توقف التقدم الذي حققه الثوار لأن النظام نجح في الاحتفاظ بعدد من المواقع الاستراتيجية والدفاع عنها، كذلك تراجعت كثيراً عمليات الانشقاق من جيش النظام السوري وحكومته.

علاوة على ذلك، زادت الغارات الإسرائيلية على مخازن صواريخ سورية محتملة في مطلع هذا الشهر الوضع تعقيداً في المنطقة. نتيجة لذلك، تنامى الضغط على الولايات المتحدة للتدخل. ولا يأتي هذا الضغط من داخل الولايات المتحدة فحسب، بل أيضاً من القوى الإقليمية.

على سبيل المثال، حضّ العاهل الأردني، الملك عبدالله، الذي زار أخيراً البيت الأبيض، والذي ترزح مملكته تحت عبء اللاجئين السوريين الكبير، الولايات المتحدة على تولي زمام القيادة. ولا شك أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سيستغل لقاءه بالرئيس أوباما يوم الخميس المقبل ليشدد على المطلب عينه. وتأتي هذه الزيارة في أعقاب انفجار سيارتَين مفخختين في جنوب تركيا يوم الأحد. وقد رُبط هذا الاعتداء بأزمة سورية، ما يذكّر بالمخاطر التي تواجهها تركيا في الصراع السوري. لكن إدارة أوباما رفضت حتى اليوم التدخل عسكرياً في سورية، مع أن بعض الإشارات تُظهر أنها قد تفكّر أخيراً في تغيير سياستها، فتزوّد الثوار بأسلحة فتاكة وغيرها من المعدات. لكن سورية ليست مشكلة الولايات المتحدة وحدها، بل تُعتبر في المقام الأول مشكلة إقليمية، ولا شك أن المعاناة الإنسانية خلال أكثر من سنتين من الحرب في سورية كانت مريعة ولا تزال. ومن المرجح أن تزداد سوءاً قبل أن تبلغ نهايتها.

تؤثر هذه الأزمة راهناً في دول عدة في المنطقة، خصوصاً بسبب تدفق اللاجئين، فقد ضاعفت أعداد اللاجئين الكبيرة التوتر السنّي-الشيعي، وزعزعت الحدود التقليدية، وأدت إلى ظهور لاعبين جدد، من أبرزهم المجموعات التابعة لتنظيم "القاعدة"، مثل "جبهة النصرة".

كذلك بدأت التوازنات الإقليمية تختل: يبدو أن تركيا وقطر تتعاونان معاً ضد ائتلاف يشمل المملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة، في حين تقف كل هذه الدول معاً، حسبما يُفترض، في وجه إيران والعراق، والجماعة اللبنانية المسلحة "حزب الله".

صحيح أن النقاد الأميركيين المحليين يعبرون عن استهجانهم واستيائهم من تردد الإدارة في التدخل عسكرياً بمفردها في سورية، لكنهم لم يقدموا أي خطة فاعلة عن الطريقة الفضلى للتدخل الأميركي أو عن استراتيجية الخروج التي تستطيع الولايات المتحدة اعتمادها.

عوضاً عن ذلك، يكتفي النقاد عادةً بطرح فكرة أن الوقوف على الهامش أكثر خطورة من اتخاذ أي خطوات. ويفترضون (أو يأملون، لنكون أكثر دقة) أن كل الأمور ستسير للخير في النهاية. ولكن قلما يحدث ذلك في حالات التفكك الاجتماعي الخطير والحروب الأهلية، كما في سورية اليوم. كذلك نعلم جميعنا أن الولايات المتحدة، إن اتخذت القيادة وتدخلت، فستصبح ملزمة بسورية وعملية إعادة بنائها. فكما ذكر وزير الخارجية الأميركي السابق، كولين باول، ينطبق على الأزمة السورية الشعار الشهير: "إن كسرتها، فعليك شراءها"، مع العلم أن سورية كُسرت منذ زمن.

يقلل مؤيدو التدخل أيضاً من شأن رفض المواطنين العاديين في المنطقة أي مغامرة عسكرية أميركية جديدة في الشرق الأوسط. والأهم من ذلك أنهم يغالون في تقديرهم الشعور بالامتنان الذي سيعرب عنه الشعب السوري بعد الإطاحة بالأسد، فهم ينسون أن الشعور المناهض للولايات المتحدة ظاهرة متأصلة في المنطقة بأسرها.

إذن، ما الحل؟

عشية الحرب على العراق عام 2003، حاولت قوى إقليمية عدة (منها تركيا، التي بذلت قصارى جهدها لتنظّم مؤتمرات ضمت دولاً توافقها الرأي) إقناع الولايات المتحدة بالعدول عن الغزو، مؤكدةً أن صدام حسين مشكلة إقليمية، وأن على دول المنطقة التعامل معه، لذلك لا داعي لإنزال الجنود الأميركيين على الأرض.

تستطيع الولايات المتحدة اليوم التعلّم مما حدث آنذاك، فيمكنها، مثلاً، التشديد على أنها مستعدة لدعم ومساندة أي خطوة تتخذها الدول الإقليمية ضد نظام الأسد، ولا شك أن تركيا تُعتبر عنصراً أساسياً في أي مشروع من هذا القبيل.

قد تشمل المساندة الأميركية ضربات جوية ضد القواعد ومنشآت الدفاع الجوية السورية، وذلك دعماً لمحاولة تنفذها تركيا وحلفاء الولايات المتحدة لإنشاء ملاجئ آمنة في المناطق الحدودية السورية. ويجب أن ترتكز هذه العمليات على فكرة أن الولايات المتحدة لن تنزل وحداتها العسكرية إلى ساحة القتال، مهما كانت الظروف. فضلاً عن ذلك، يُظهر عنف يوم الأحد أن تركيا ليست بمنأى عن التدخل السوري المحتمل.

لا تُعتبر هذه المقاربة آمنة فحسب بالنسبة إلى إدارة أوباما، بل تبدو منطقية أيضاً، فإن كانت هذه الأزمة تؤثر في القوى الإقليمية، فعليها أن تشارك في حمل عبء حلها.

من المرجح أن تركيا وغيرها من دول المنطقة تخشى فكرة إرسال جنودها إلى سورية، لكنها هي أيضاً تملك رأياً عاماً عليها الاستجابة لمطالبه. وقد نجحت حتى اليوم في إلقاء المسؤولية على عاتق إدارة أوباما.

وإن كانت الولايات المتحدة مستعدة أن تقدّم الدعم لتدخل تركي-عربي بهذه الطريقة، فلا شك أن القوى الإقليمية ستسارع إلى تقييم خياراتها بجدية لتتدخل وتنهي هذه الأزمة.

ولكن إن لم تسرّع القوى الإقليمية ردود فعلها في ظل ظروف مماثلة، فقد تُضطر إلى مواجهة تداعيات هذه الحرب الأهلية على شعوبها، بنيتها التحتية الأمنية، ومواردها، إلا أنها لن تتمكن عندئذٍ من إلقاء اللوم على عاتق الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

* Henri Barkey بروفيسور في العلاقات الدولية في جامعة ليهاي في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأميركية.

back to top