المستوطنة الإسرائيلية التي أعاقت حل الدولتين

نشر في 05-01-2013
آخر تحديث 05-01-2013 | 00:01
أدى التهديد الأخير الذي أصدره نتنياهو ببناء مشروع سكني واسع يتألف من 3500 وحدة ويربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس إلى صدور مواقف تعبّر عن مشاعر السخط وانعدام الثقة من بروكسل وواشنطن أيضاً لكن بنبرة أقل حدة!
 فوراين بوليسي  عند التجول على الطريق السريع الذي يربط القدس بمستوطنة معاليه أدوميم في الضفة الغربية، نشعر بأننا نسير في بلد شاسع. بعد المرور بالأحياء اليهودية الجديدة في القدس والقرى العربية القديمة، كل ما نستطيع رؤيته على الجانبين هو التلال في صحراء يهودا. كل ما نراه هو الفراغ وبعض البدو المتخفّين. لكن سرعان ما نشاهد صفاً طويلاً جداً من المنازل والمباني السكنية على قمة تلة شديدة الانحدار تمتد من أحد أطراف مجال الرؤية إلى الطرف الآخر. أهلاً بكم في مستوطنة معاليه أدوميم.

تشمل المستوطنة 40 ألف نسمة (لكن لن أستغرب إذا أخبرني أحد بأنها تضم 400 ألف). إنها منطقة ضخمة وشاسعة: تقود الطرقات الطويلة إلى مداخل المنطقة في أعلى التلة، وتتلاقى الشوارع الواسعة لتشكل أحياءً جميلة ومبنية من أحجار القدس. أنشئت مستوطنة معاليه أدوميم عام 1975 وهي لا تبدو كغيرها من المستوطنات. بل إنها مدينة إسرائيلية بمعنى الكلمة، وتبدو محصنة ضد قرارات الأمم المتحدة.

تُعتبر منطقة معاليه أدوميم عائقاً أمام المحاولات الفلسطينية لإقامة دولة في الضفة الغربية. كما أن وجودها يحث على توسيع عمليات البناء الإسرائيلية. أدى التهديد الأخير الذي أصدره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببناء مشروع سكني واسع يتألف من 3500 وحدة ويربط المستوطنة بالقدس إلى صدور مواقف تعبّر عن مشاعر السخط وانعدام الثقة من بروكسل، ومن واشنطن أيضاً لكن بنبرة أقل حدة. انطلقت المناوشات الدبلوماسية الأخيرة بعد أن حذر وزراء الخارجية الأوروبيون بمصطلحات واضحة من الآثار الكارثية على حل الدولتين نتيجة «خطة المنطقة E-1».

يخشى الدبلوماسيون الغربيون أن تؤدي عمليات البناء في منطقة E1 إلى ضرب قلب الدولة الفلسطينية المرتقبة عبر منع الفلسطينيين من الوصول إلى القدس الشرقية التي تُعتبر عاصمتهم المنشودة. لكن هذه المخاوف تغفل عن المسألة الأساسية: أن وجود مستوطنة معاليه أدوميم يجعل من منطقة E1 أو ما يشبهها واقعاً حتمياً. لا تنوي إسرائيل التخلي عن هذه المدينة وفق أي شكل من اتفاقيات السلام، وهي لن تتركها مجرد معقل يهودي معزول يرتبط بالعاصمة عبر طريق سريع رفيع يقتصر على ثلاثة أميال ولا تحدّه إلا فلسطين من الجانبين. بقي العالم على هامش هذه المشكلة طوال الأعوام السبعة والثلاثين الماضية التي شهدت بناء معاليه أدوميم. لذا فات الأوان بعض الشيء على التذمر من المنطقة E1 الآن.

على صعيد آخر، من قال إن هذه المستوطنة (وهي الثالثة من حيث العدد السكاني في الضفة الغربية) لا تنسف أصلاً جوهر الدولة الفلسطينية المرتقبة حتى من دون وجود منطقة E1؟ صرّح بيني كاشريال، رئيس بلدية المنطقة منذ عام 1992، لمجلة Jerusalem Report في عام 2004: «تأسست معاليه أدوميم في الأصل لكسر التواصل الفلسطيني». إنها حلقة الوصل بين القدس والبحر الميت ووادي الأردن [على الجانب الآخر من الضفة الغربية انطلاقاً من القدس]. لو لم نكن هنا، لتمكن الفلسطينيون من الربط بين بلداتهم وإغلاق الطرقات» (رفض كاشريال إجراء مقابلة لإضافتها إلى هذه المقالة. أعلن المتحدت باسم دار البلدية أن المسؤولين المحليين تحدثوا بما يكفي مع وسائل الإعلام عن منطقة E1).

تنشط هذه المستوطنة القابعة في الضفة الغربية كأي ضاحية أو مدينة متاخمة للعاصمة، وهكذا ينظر إليها السكان (والإسرائيليون عموماً).

ياعيل بن عيون هي فتاة مولودة هناك وعمرها 16 عاماً وكانت تتسوق في المركز التجاري المكتظ في قلب المدينة. هي تقول عن بلدتها: «إنها أكبر من أن تكون مجرد مستوطنة». تعتبر بن عيون وصديقتها إيتي لازار (16 عاماً أيضاً) أنهما لا تستطيعان تخيّل زوال معاليه أدوميم يوماً كما حصل حين دُمرت مستوطنات غزة عام 2005 أو حين سُحقت المستوطنات الواقعة في سيناء عام 1982. توضح لازار: «ما من مكان آخر يمكن أن يسع الجميع». عملياً، نجد في معاليه أدوميم نحو خمسة أضعاف المستوطنين الإسرائيليين الذين كانوا موجودين في غزة كلها وأكثر بثمانية أضعاف من العدد الموجود في سيناء.

كذلك، لا أحد في إسرائيل يؤيد التخلي عن معاليه أدوميم وفق أي اتفاق سلام. يعتبر جميع اليهود الإسرائيليين (باستثناء معسكر اليسار غير الصهيوني الهامشي) أن هذه المدينة هي «منطقة استيطانية» وهي قريبة من حدود ما قبل عام 1967 التي يجب احترامها في أي اتفاق نهائي مبني على تبادل الأراضي مع الفلسطينيين. نظراً إلى ارتفاع عددها السكاني وقربها من القدس، تحصل هذه المستوطنة على «الإجماع» الوطني المطلوب باعتبارها أرضاً إسرائيلية محصّنة.

يعكس نشوء معاليه أدوميم أيضاً الدعم الذي تحظى به في الأوساط السياسية الإسرائيلية. غداة غزو القدس خلال حرب الستة أيام في عام 1967، بنت إسرائيل حلقة داخلية للأحياء اليهودية في الجزء الشرقي من المدينة «لتقوية وحماية» المدينة المقدسة (وفق المصطلحات الوطنية الشائعة) من «الانقسام» مجدداً. تألفت الحلقة الخارجية من جفعات زئيف شمالاً وإفرات جنوباً ومعاليه أدوميم شرقاً.

يوضح المؤرخ ميرون بنفنستي الذي كان نائب رئيس بلدية القدس خلال السبعينيات: «هكذا كانت خطة مؤيدي السلام في حزب «العمل» في تلك الفترة: الحفاظ على تلك الأرض حول القدس وإعادة إرساء السلام والراحة في الأردن. لم يتحدث أحد عن الفلسطينيين حينها».

لم تبدأ هذه المسألة مع نتنياهو أو حتى حزب «الليكود"، بل بدأ كل شيء مع حزب «العمل» الذي كان يشمل المدافعين عن السلام من أمثال إسحق رابين وشيمون بيريز، وهو الحزب الذي ساهم لاحقاً في التوسط لعقد اتفاقيات أوسلو مع ياسر عرفات. لم تنشأ منطقة E1 مع نتنياهو أيضاً، بل بدأت مع رابين عام 1994 وهو كان «قد منح رئيس البلدية حينها بيني كاشريال الوثائق اللازمة عن منطقة E1».

في الباحة الرخامية لدار بلدية معاليه أدوميم، تعج الجدران بصور وزراء الخارجية الذين استضافهم كاشريال منذ عهد إسحق شامير. في إحدى الصور، يحمل كاشريال قلماً فوق خارطة للمنطقة، وهو يشير إلى حدود الأرض أمام رابين. الرسالة واضحة: إنه إجماع على الأرض الإسرائيلية التي يعيشون فيها على مر العقود.

يبدو أن المشكلة الوحيدة التي يواجهها سكان معاليه أدوميم مع منطقة E1 هي أنها لاتزال في مراحل التخطيط. أخبرني وكيل عقارات كان موجوداً في المركز التجاري: «نتنياهو يخدع الجميع. هو لن يبني مطلقاً منطقة E1 بسبب الضغوط الدولية. كل ما نتمناه هو أن يبنيها فعلاً. هل تدركون ما ستكون انعكاسات بناء 3500 منزل إضافي على اقتصادنا؟».

كان قرار نتنياهو باستئناف الخطط الخاصة بمنطقة E1 بمنزلة عقوبته المباشرة للفلسطينيين و"المجتمع الدولي» بعد تصويت الأمم المتحدة في 29 نوفمبر على قرار منح فلسطين صفة مراقب غير عضو، ثم ألحق ذلك القرار بخطط عالية المستوى لبناء نحو 5 آلاف وحدة سكنية في الأحياء اليهودية من القدس الشرقية ومستوطنات في الضفة الغربية (لكن ليس في معاليه أدوميم، الأمر الذي خيّب آمال السكان المحليين). صدرت ردة فعل متوقعة من مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كاثرين أشتون، فاعتبرت هذه الأخيرة أن خطط التوسع «تُضعف بشدة احتمال التوصل إلى حل يتم التفاوض عليه... وذلك من خلال تهديد احتمال نشوء دولة فلسطينية موحّدة وقابلة للحياة على أن تكون القدس العاصمة المستقبلية للدولتين».

لكن يرد بنفنستي على ذلك التعليق قائلاً: «هذا سخيف. يريد الناس أن يصدقوا أن إقرار حل الدولتين ممكن وهم يظنون أنها اللعبة الوحيدة الواردة أصلاً. لكن انسوا الأمر!».

قطع بنفنستي طريقاً إيديولوجياً طويلاً منذ أن كان نائب رئيس بلدية القدس، فانتقل من مؤيد لحل الدوليتين إلى مدافع عن دولة قومية ثنائية تشمل إسرائيل والضفة الغربية وغزة مع ضمان مساواة سياسية كاملة لليهود والعرب. في بداية الثمانينيات، أسس منظمة لرصد نمو المستوطنات في الضفة الغربية. يقول بنفنستي: «بدأتُ هذا المشروع حين كانت المنطقة تضم 20 ألف مستوطن واعتبرتُ أن المستوطنات ستترسخ نهائياً حين تشمل 100 ألف مستوطن». تجاوز ذلك العدد المئة ألف شخص قبل اتفاقية أوسلو وهو يصل اليوم إلى 350 ألف شخص (من دون احتساب السكان اليهود في القدس الشرقية حيث يتواجد 200 ألف شخص آخر). بعد أن كان بنفنستي يُعتبر سابقاً شخصاً تشاؤمياً بطبيعته، أصبح اليوم محللاً واقعياً وقد أطلق توقعات سابقة لأوانها. لقد أثبت تاريخه أن تحليلاته كانت صائبة.

يوضح بنفنستي: «لا يمكن بناء دولة فلسطينية في الضفة الغربية. كانت المستوطنات [والبنى التحتية للطرقات] كفيلة بتقسيم الأرض. لا شك أن منطقة E1 ستفصل القدس عن رام الله في الشمال وعن الخليل في الجنوب، ولكنها منفصلة عن غيرها أصلاً».

ثم يتابع بنفنستي الكلام عن التقسيمات الأخرى في الأراضي التي يأمل الفلسطينيون بناء دولتهم فيها، فيعتبر أن جنين ونابلس منقسمتان بالطريقة نفسها أيضاً. لا شك أن خطط نتنياهو لبناء مستوطنة في جنوب القدس ستسيء إلى روابط المدينة ببيت لحم: «كل هذا الحديث عن حل الدولتين وعن دولة فلسطينية موحدة وقابلة للحياة تكون عاصمتها القدس هو مجرد هراء!».

سألتُ بنفنستي عن حجم المسؤولية التي تتحمّلها معاليه أدوميم مقارنةً بالمستوطنات الأخرى من حيث عرقلة المساعي الاستراتيجية. فأجاب قائلاً: «جميع المستوطنات متشابهة». رغم مرور نصف قرن من التذمر الدولي، لا تبدو أي واحدة من تلك المستوطنات ضعيفة ومهددة.

Larry Derfner

back to top