هل تزداد الأرض وزناً؟

نشر في 19-06-2013 | 00:02
آخر تحديث 19-06-2013 | 00:02
باستثناء بعض الزلازل والانفجارات البركانية، تُعتبر الأرض عموماً مكاناً مستقرّاً. ولكن إن كنت تعتقد ذلك، فأنت مخطئ بالتأكيد. نحن معرضون لقصف دائم من الفضاء. فكيف يؤثر كل هذا الحطام الكوني في أرضنا؟ هذا ما سنكتشفه.
يسأل البعض: بما أن كوكب الأرض يُقذف بالطاقة من الشمس، كم يكتسب من وزن نتيجة تعرضه لنور الشمس خلال مليون سنة، مثلاً؟

سؤال مثير للاهتمام لأنه يرتبط مباشرة (وبطريقة مفاجئة إلى حدّ ما) بطريقة عمل جسيمات هيغز. نعرف جميعنا معادلة أينشتاين الشهيرة الطاقة = الكتلة * مربع سرعة الضوء. لكن جسيم هيغز يزيد كتلة أشياء أخرى بقلب هذه المعادلة:

الكتلة=الطاقة/ مربع سرعة الضوء.

إذاً، كما تحصل على الطاقة من تدمير الكتلة، تستطيع أيضاً الحصول على كتلة من خلال إنتاج الطاقة. وإن صببت كمية كافية من الطاقة من أشعة الشمس على الأرض، يُفترض أن تزداد وزناً تدريجاً، ألا كذلك؟ كلا، لكن كي نفهم السبب، نحتاج إلى حساب مفصّل عن استهلاك هذه الطاقة.

الشمس تتداعى

كما تعلم على الأرجح، الشمس كتلة من الغازات المشعة، أو بالأحرى فرن نووي مهول. ولا شك في أنها تخسر كتلتها تدريجاً بمرور الوقت. فهي تشعّ بمعدّل 4*1026 واطاً. ولإنتاج هذه الكمية الهائلة من الطاقة، تتحول كميات ضخمة من الهيدروجين إلى كمية ضخمة (إنما أصغر بقليل) من الهليوم، مع فارق يبلغ نحو 4 مليارات كيلوغرام كل ثانية، أو نحو 370 مليار طن كل يوم.

لا نرى معظم هذه التفاعلات، فالأرض هدف بالغ الصغر (بخلاف كرة ديسون، مثلاً). وإن غطينا الأرض برمتها بألواح شمسية لا شائبة فيها، نكسب نحو كيلوغرامين كل ثانية، أي نحو 60 ألف طن سنويّاً. لكن هذه تُعتبر، على رغم ذلك، زيادة كبيرة. إلا أننا لا نحتفظ بها، بخلاف ما يفترضه من يطرحون هذا السؤال. ففي معظم الحالات، تعادل الطاقة المكتسبة الطاقة المفقودة.

عندما لا تكون الطاقتان متعادلتين، نواجه ظاهرة الاحتباس الحراري. صحيح أن هذا يشكّل كارثة بالنسبة إلى الناس، إلا أن تأثيره في كتلة الكوكب يبقى هامشيّاً جدّاً. على سبيل المثال، يؤدي ارتفاع حرارة كامل الجو في كوكبنا درجة مئوية واحدة إلى زيادة كتلة الأرضة بمقدار 60 طنّاً فقط.

لكن هذا السؤال دفعني إلى التفكير، فثمة تأثيرات أخرى تزيد من كتلة الأرض.

نحصل من حيث المبدأ على كمية أكبر من الترسبات من الرياح الشمسية. فمن مخاطر العمل كرائد فضاء أن الشمس (والفضاء عموماً، ولكن لنركز على المشاكل المحلية) تقذف بروتونات وإلكترونات بسرعة مئات الكيلومترات في الثانية. إذاً، تقذف الشمس ما يكفي من مواد قد تجعل الأرض تدور مبتعدةً في الفضاء في حال فقدت الشمس جاذبيتها وفي حال كانت الأرض لا تزال قائمةً بعد بضعة تريليونات من السنين (لن تكون).

في موضوعنا هذا، من الضروري أن نعرف ما يحلّ بكل هذه الرياح. فلو لم نكن نملك مغناطيساً عملاقاً وسط الأرض، لكان نحو 20 ألف طن من الجزيئات المشحونة بطاقة عالية قد تطاير سنويّاً في الجو، معطّلة معظم ابتكاراتنا التكنولوجية.

ولكن من حسن حظنا أننا نتمتع بمغناطيس يبعد الرياح الشمسية، ما يعني أننا نحظى بمناظر جميلة للشفق القطبي، بدل تكنولوجيا العصر الحجري.

أشياء صغيرة في الفضاء

إذاً، إن لم تساهم الشمس في زيادة كتلة الأرض، فما الذي يغذيها؟

سأخبركم عما لا يزيدها (في معظم الحالات على الأقل): الصخور العملاقة القادمة من الفضاء.

ربما تظنون أن احتمال الاصطدام بحزام كويكبات كبير. لكن الحقيقة مختلفة الاختلاف كله. حتى في قلب الحزام، تفصل بين الكويكبات الكبيرة ملايين الكيلومترات. وفي منطقتنا من النظام الشمسي، تُعتبر الأشياء الكبيرة أقل شيوعاً، فلا يضرب نيزك بقطر كيلومتر الأرض إلا كل نصف مليون سنة تقريباً.

ولكن ثمة الكثير من الأشياء الأخرى الأصغر حجماً في الفضاء. يوازي حجمها تقريباً حجم حصى صغيرة أو حبات الغبار، وتُعتبر هذه حطام خلفه تشكّل نظامنا الشمسي. وفيما تدور الأرض حول مدارها، تلتقط هذه الأشياء. نتيجة لذلك، تسقط إلى الأرض كل سنة مواد يصل وزنها إلى 40 ألف طن تقريباً. وإذا افترضنا أن الكمية ثابتة، يعني ذلك أن قطر الأرض يكبر بمقدار 0.02 نانومتر كل سنة، أي أبطأ بمليار مرة من حركة القارات.

لا شك في أننا نشهد من حين إلى آخر حدثاً ضخماً. تلك النيازك الكبيرة الحجم؟ يمكنها أن تمنحنا بضعة مليارات من الأطنان من المواد دفعة واحدة وبطريقة متفجرة مذهلة.

إذاً، نعم، تزداد الأرض وزناً، أو كانت لتزداد وزناً لولا ذلك التسرّب البسيط.

نحن نتبخّر أيضاً

إليكم نظامنا الشمسي! تأملوه جيداً. ستلاحظون أن الكواكب الخارجية (المشتري، زحل، أورانوس، ونبتون، لا بلوتو) كرات عملاقة تحيط بها أغلفة ضخمة من الغاز والجليد. أما الكواكب الداخلية، ونحن منها، فتبدو صخرية وصغيرة. فما السبب؟

يعود ذلك إلى أن الحرارة مرتفعة في داخل النظام الشمسي. وعندما تسخن الغازات كفاية، تميل إلى التطاير بسرعة كافية لتكتسب قدرة على التفلت من كوكبها. وكلما كان الغاز خفيفاً، زادت سرعة تطايره، ويُعتبر الهيدروجين الأخف بينها. لذلك نخسر نحو ثلاثة كيلوغرامات من الهيدروجين كل ثانية. وإذا احتسبنا الكمية على مدار سنة، نحصل على نحو 100 ألف طن. صحيح أن التسرّب بسيط، إلا أنه قد لا يبقى كذلك. فمع ارتفاع حرارة الشمس، ستبدأ الأرض بفقدان الوزن.

إذاً، يبدو أن مَن يطرحون السؤال عن ازدياد وزن الأرض أساؤوا الفهم، فنور الشمس لا يجعل الأرض تنتفخ على الإطلاق. صحيح أن لأمنا الطبيعة شهية كبيرة، إلا أنها من ناحية أخرى تدفع ضريبة كبيرة بسبب دفء الشمس.

* بروفسور متخصص في الفيزياء في جامعة دريكسل.

back to top