بعض ملامح الشخصية العربية

نشر في 13-06-2013
آخر تحديث 13-06-2013 | 00:01
 أ. د. محمد جابر الأنصاري في هذه المقالة أقوم بتلخيص ثلاثة من مؤلفاتي:  

 - "تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القُطرية"، الصادر عام 1954 عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.

- "التأزم السياسي وسوسيولوجيا الإسلام"، الصادر عن دار الشروق في القاهرة عام 1999م والمؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت".

  - "العرب والسياسة: أين الخلل؟"، الصادر عن دار الساقي بلندن عام 1999".

وهذه المؤلفات تتصدى لأزمة العرب السياسية ومدى مسؤولية الماضي في سوءات الحاضر.

بدايةً نقض لمقولة "الشعر ديوان العرب" ذلك أن التعامل مع الواقع التاريخي شعراً من شأنه أن يؤدي إلى الانتحار، "ونحن أناس لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر"، فليس ثمة موقف وسط ولا تفكير وسط. إن ذلك ساقط من رؤية الإنسان للتاريخ والحياة، وهذا موقف انتحاري يتجاوز كل تفكير سليم؛ لذلك فالعرب يحسنون صنعاً بإسقاط مقولة: "الشعر ديوان العرب" فهي ليست بالمقولة السليمة.

أنانية العربي وعدم خضوعه لمنطق الدولة، حيث كتب عبدالرحمن بن خلدون قبل ستة قرون ونيف: "إن من عوائد العرب الخروج من ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة... فهم متنافسون في الرئاسة، وقلما أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره، ولو كان أباه أو أخاه... وقلما تجتمع أهواؤهم فتصبح الأحوال كأنها فوضى، دون حكم". "ابن خلدون"، دار مكتبة الهلال، في بيروت 1983م، ص 111".

وقد واجه العرب تحديات عدة في صحرائهم، وكان الحل الطبيعي "أن يتجهوا في ظل "منطق الدولة" ولكنهم اختاروا الخيار الثاني، أعني الخروج عن هذا "المنطق"، "وأول ما يلفت النظر في التاريخ السياسي الإسلامي ويثير دهشته: تفجّر الصراع الشديد والحروب الأهلية العنيفة التي طبعت الحياة السياسية منذ العصر الراشدي بعد وفاة النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) بعقدين من الزمن بين صحابة وقادة وتابعين كانوا المثل والقدوة في دينهم وتقواهم وفي خلقهم وعلمهم... لكنهم في اختبار السياسة، وفي تعاملهم الخلافي فيما بينهم، تعرّضوا وعرّضوا المسلمين لمحن وفتن متتالية أدت إلى اعتزال بعض المسلمين وخروج بعضهم على بعضهم الآخر وإلى تبادل التكفير والتنسيق بين فرقهم، الأمر الذي أدى إلى انتهاء العصر الراشدي كله، في فترة لا تزيد على أربعة عقود بعد أن تم اغتيال ثلاثة من خلفائه الأربعة وتفجر الحرب الأهلية قبل انتهائه... هذا حينما كانت العقيدة الإسلامية تنتشر وتتعمق، والحضارة الإسلامية تنمو وتترسخ والفتوحات الإسلامية تمثل بشكل مدهش أعظم وأسرع ظاهرة انتشار في تاريخ الإنسانية...". (محمد جابر الأنصاري، "تكوين العرب السياسي") الطبعة الثانية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، أغسطس 1995م ص 22).

والعرب إذا لم يتحدوا أمام تحديات بيئتهم في الماضي، فإنهم ملزمون بالاتحاد في الحاضر. إن دولاً في أوروبا وقعت بينها من الحروب التي تشيب لهولها الولدان، ونسيت ذلك كله، ودخلت، بل أسست الوحدة الأوروبية استجابة لمنطق العصر، هكذا فالعرب ليسوا بدعاً عن غيرهم، وبإمكانهم دخول أي نوع من الاتحاد أو الوحدة، خاصةً بين دول الخليج العربية التي مهد لها منذ سنوات عدة مجلس التعاون الخليجي، وما عليها سوى الانتقال من التعاون إلى الاتحاد. فهل تكذب تاريخها وتدخل وتؤسس الوحدة؟ تلك هي المسألة!

ومن محاسن المصادفات أن المجتمع المدني يسعى إلى الوحدة كما في البحرين التي أسس فيها ملكها حمد بن عيسى آل خليفة الكثير من مقومات الوحدة تجاوباً مع تطلعات شعبه.

وفي دول الخليج الأخرى أخذت تتنامى بذور المجتمع المدني الساعي إلى الوحدة، ويتكون من الطبقة الوسطى التي من مصلحتها الدخول في الوحدة. إن تفكيراً جديداً ينبغي أن يدخل في صلب العملية الوحدوية ويؤدي إلى الإسراع في تحقيقها وهذا التفكير عليه الدخول مكان مقولة الشعر ديوان العرب!

هكذا يخرج العرب من عبء الماضي إلى رحابة الحاضر، والفرص الجديدة التي يتيحها حاضر العالم.

* أكاديمي ومفكر من البحرين

back to top