افتتاحية: أيها النظام... إنهم يبتزونك
لأنه بات شديد الوضوح مع اقتراب الانتخابات أن هناك أطرافاً لا تعرف ممارسة السياسة إلا في التذلل الكذاب أو في الكذب الصريح أو في الترويج لادعاءات وتصوير مخاوف، فإننا سنضع النقاط على الحروف، ونقول: هذا بلدنا، ولا يمكن لهذا النوع من السياسات أن يسود، ونرفض أن تتمكن مجموعة رمادية المبادئ والأهداف ولا تتمتع بسجل نجاح أكيد، من اللعب العبثي في ملعب النظام أو في جره إلى ملعبها الملغوم.منذ افتتح السباق الانتخابي تسعى تلك الفئة، التي أوهمت السلطة والنظام بأنها نصيره الدائم والحليف الثابت لأنها شاركت في الانتخابات السابقة، إلى الاستثمار في تلك الخطوة، ولسان حالها يقول لمن يصغي إليها: "نحن جماعتكم، وقفنا إلى جانبكم حين قاطع المقاطعون، فحق لنا أن نعود إلى كراسينا الخضراء علنا نعرف هذه المرة هناء فقدناه بالتشكيك والإبطال".
ولو اكتفى هؤلاء الزاحفون بالطموح إلى المناصب والكراسي التي شغلوها وما كانوا ليحلموا بها لولا قرار المقاطعة الواسعة، لقلنا إنها مسألة مفهومة. فهؤلاء سعدوا باللعبة التي منحت لهم، وباتوا يخشون فطاماً صعباً عن الجاه الفارغ والمكاسب، لكنهم ذهبوا أبعد من ذلك بإيحائهم بأن النظام في خطر إن لم يعودوا مشكلين أكثرية في مجلس الأمة وحصة وازنة في مجلس الوزراء، وبترديدهم أنهم الضمانة الثابتة في الولاء والوطنية، بينما الآخرون لا يتمتعون بهذه المواصفات رغم احترامهم لقرار المحكمة الدستورية وتحويل اعتراضهم الى سلوك ايجابي يتمثل بالمشاركة في هذه الانتخابات.إنه منحى خطير أن يقوم نفر من هؤلاء بابتزاز النظام. والأخطر أن يقتنع النظام بأن ما يروجونه يتمتع ببعض المصداقية. لذا وجب التوضيح أن أهل الكويت لا ينقسمون بين وطني وغير وطني، وبين موال للنظام ورافض له، فالكل في الوطنية سواء ولا درجات إلا بقدر العمل للمصلحة الوطنية. أما الاختلافات السياسية فبديهية في النظام الديمقراطي، ولا تقلل من ولاء الناس لوطنهم وأميرهم، ولا من حرصهم المبدئي والثابت على النظام.لكن الفرق كبير بين من يتسلل لجني مكاسب وبين من يعمل برؤية وطنية من أجل استقرار النظام عبر تأكيد انجازات المجتمع ووجوب تطوير آليات العمل الديمقراطي. لا بد للنظام من أن يشعر الكويتيين بالتغيير، وبأن تحصين "الصوت الواحد" لا يعني انتصار فريق على فريق، بل إنه باب للجمع لا للتفريق، ولإطلاق دينامية تطوير هادئ وليس للتشبث بما يضع العقبات أمام النظام الديمقراطي. وسبيل ذلك هو مشاركة الجميع بلا إقصاء ولا تفضيل، وبلا شعور زائف بتسجيل نقاط على المجتمع السياسي.من أجل ذلك يجب أن يدرك النظام أن السير في الاتجاه الذي يرسمه له حفنة المستفيدين سيجلب له العزلة ولن يريحه مع أصدقائه وناصحيه ومنتقديه، وسيحشره مع تلك المجموعة بدل كسب ثقة الجميع، وسيتسبب في زعل كثيرين يستاؤون من إرضاء أنانية قلة لم تثبت أهليتها لا للمناصب التي قفزت إليها ولا لإدارة الشأن العام.لا نطلب من هؤلاء الصائدين في الماء العكر تغييراً في نمط سلوكهم الذي يقسم الكويتيين، بل نتوسم خيراً في أن يعي النظام مخاطر الانجراف في هذا التيار الذي يعرضه للعزل أو معاداة قسم من الكويتيين، فحرصه يجب أن يكون واحداً على الجميع، وواجبه استيعاب التناقضات وتمييز الغث من السمين.أما إن كان النظام غافلاً ويشعر بواجب رد الجميل لتلك القلة من المتسلقين والمتلونين بين قبيض وتابع، فليعلم أنها قبضت ثمن مشاركتها نقداً وبلا تقسيط، من خلال مناصب كانت سراباً، ومواقع كانت بالأحلام، ومنافع ستكشف الأيام أحجامها وخفايا الحصول عليها.يقترب موعد الخيارات باقتراب الانتخابات. فإما ان تتم بنزاهة وتوازن يؤديان الى استقرار وهدوء وتجديد الثقة بالنظام السياسي، وإما ان يسودها التلاعب والانحياز والاستهداف فتفرز انقسامات وتجدد الصراعات وتخيب آمال مواطنين كثيرين. انهما احتمالان، فبأي منهما يرغب النظام؟.