في معركتنا مع التطرف... هل انتصر الإرهابيون؟

نشر في 14-08-2013
آخر تحديث 14-08-2013 | 00:01
يصب تنظيم «القاعدة» كل اهتمامه على التطورات المحلية، مما يحد من المخاطر التي يواجهها الأميركيون في الولايات المتحدة، إلا أن هذا التبدل يزيد المخاطر التي قد يتعرض لها الأميركيون في الشرق الأوسط وإفريقيا.
 لوس أنجلس تايمز تفاخر الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال ذروة حملته الانتخابية السنة الماضية أنه يقود تنظيم "القاعدة" "نحو الهزيمة"، ولكن مع إقفال نحو 19 سفارة وقنصلية أميركية هذه السنة وإصدار وزارة الخارجية تحذيرات مبهمة حول السفر إلى أي مكان حول العالم، يبدو فجأة أن تنظيم "القاعدة" ينهض من جديد وأنه ما زال مخيفاً كما كان سابقاً.

إذن، ما وضع "القاعدة" بالتحديد؟ هل يسير نحو الهزيمة أم ينهض مجدداً؟

لا هذا ولا ذاك.

صحيح أن تنظيم "القاعدة" لم يختفِ، لكنه تبدل بطريقة تحد من الخطر الذي يواجهه الأميركيون في الولايات المتحدة، إلا أنها تشكل خطراً أكبر على الأميركيين المقيمين في الشرق الأوسط وإفريقيا.

إذن، كان تنظيم "القاعدة" عالمياً سابقاً، أما اليوم فبات نشاطه محلياً.

على سبيل المثال، ركّز تهديد هذا الشهر على السفارات الغربية في عواصم دول الشرق الأوسط، خصوصاً اليمن، حيث يحارب تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية للإطاحة بحكومة تدعمها الولايات المتحدة.

اتسمت اعتداءات أخرى نفذتها فروع "القاعدة" بأنها نفذت على نطاق ضيّق مماثل، من مالي إلى الصومال فباكستان. حتى في ليبيا، حيث هاجمت مجموعة تربطها علاقات محدودة بتنظيم "القاعدة" القنصلية الأميركية في بنغازي السنة الماضية، نبعت هذه العملية، على ما يبدو، من صراع محلي على السلطة، لا من مؤامرة عالمية يديرها ورثة أسامة بن لادن.

لكن خارج مواطنه الأصلية، أخفق تنظيم "القاعدة" في تنفيذ عمليات تُذكر في الولايات المتحدة وأوروبا منذ تفجيرات قطارات الأنفاق في لندن عام 2005، أي منذ نحو ثماني سنوات.

لا يزال هذا التنظيم يعتمد على الرجل الذي يعتبره المسؤولون الأميركيون الإرهابي الأخطر في العالم، صانع المتفجرات السعودي المولد إبراهيم حسن العسيري، إلا أن مؤامراته لم تنجح حتى اليوم. ففي عام 2009، وصل مفجر الملابس الداخلية إلى ديترويت، إلا أن القنبلة تعطلت، وفي السنة عينها، تمكن أخو العسيري، المزود بقنلبة مماثلة، من بلوغ قصر رئيس دائرة مكافحة الإرهاب في المملكة العربية السعودية (هدف محلي آخر) وفجّر نفسه، إلا أنه كان الضحية الوحيدة.

يؤكد المسؤولون الأميركيون أنهم ما زالوا يعتبرون العسيري وابتكاراته المتفجرة مصدر خطر كبيراً يهدد الأمن الجوي، لكن اللافت للنظر أن تحذيرات هذا الشهر، التي استندت إلى اتصالات بين قادة "القاعدة" في اليمن وباكستان، لم تركّز على الطائرات، بل على السفارات.

من هذا المنطلق، يسود الاعتقاد أن هذا التنظيم يعود إلى جذوره، مكرراً المؤامرات التي طبقها بنجاح قبل تصعيد أسامة بن لادن عملياته وتنفيذه تفجيرات مخيفة في الغرب. فقبل عام 2001، صب تنظيم "القاعدة" كل اهتمامه على مهاجمة السفارات ومواقع القوة الأجنبية الأخرى في الشرق الأوسط وإفريقيا، منفذاً عمليات مثل الهجوم الذي استهدف المدمرة الأميركية "كول" قبالة شواطئ اليمن عام 2000 وتفجير السفارتين الأميركيتين في شرق إفريقيا عام 1998. يذكر بعض الباحثين أن خلف بن لادن، أيمن الظواهري، يظن أن استهداف السفارات الأميركية في المنطقة أقل كلفة وأكثر فاعلية من محاولة تنفيذ الاعتداءات داخل الولايات المتحدة.

إذن، تحوّل تنظيم "القاعدة" وفروعه الكثيرة إلى نوع مختلف من المشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها. لا يمكننا استبعاد الإرهاب المحلي الذي قد يضرب على الأراضي الأميركية، تماماً كما حدث خلال ماراثون بوسطن. ولكن يبدو أن تنظيم القاعدة، في الوقت الراهن على الأقل، يركّز على الوجود الغربي في مناطقه، لا على أهداف في الغرب.

من الجيد بصراحة أن تتراجع المخاطر التي يواجهها معظم الأميركيين، فما عاد سكان نيويورك يعيشون في الخوف لأنهم يخشون تكرار اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، ويستطيع السياح الأميركيون زيارة لندن، وباريس، حتى بالي من دون أن يخافوا الرزم المثيرة للريبة والحقائب الموضوعة جانباً، تماماً كما في الولايات المتحدة.

حتى "تحذير السفر العالمي" الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية قبل أيام لم يبدُ شديد اللهجة، مذكراً الأميركيين "باستمرار احتمال وقوع اعتداءات إرهابية"، خصوصاً في الشرق الأوسط.

ولكن بالنسبة إلى الدبلوماسيين الأميركيين العاملين في السفارات خارج البلاد، يشكل هذا الوضع المستجد مشكلة خطيرة تحد من قدرتهم على تنفيذ عملهم بقدر ما تهدد أمنهم وسلامتهم. أخبرني أحد المسؤولين في الحكومة: "تتفشى حالة خوف كبير من تكرار ما حدث في بنغازي".

بعد أن هاجم الإرهابيون القنصلية الأميركية في بنغازي، قاتلين السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز وثلاثة أميركيين آخرين، طالب الكونغرس باتخاذ تدابير أمنية أكثر تشدداً. ويُعتبر إقفال السفارات لأكثر من أسبوع أخيراً في جزء منه رداً على ذلك الاعتداء، وقد أكدت وزارة الخارجية أنها اتخذت هذه الخطوة "بسبب ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر".

لكن الدبلوماسيين في الخارج قلقون من أن عملهم سيصبح مستحيلاً، إن كانت السفارة ستقفل رداً على كل تهديد. يذكر رونالد إ. نيومان، سفير الولايات المتحدة السابق إلى أفغانستان: "تتخذ الولايات المتحدة قراراتها، محاولةً تفادي كل المخاطر، إلا أننا نواجه مقداراً محدداً من الخطر منذ سنوات".

بعبارة أخرى، إذا كان صانع متفجرات في اليمن يستطيع إقفال سفارات أميركية بمجرد وضع الخطط لمحاولته التالية، أفلا يعني ذلك أن الإرهابيين فازوا؟

على الدبلوماسيين على الأمد الطويل التوصل إلى طرق جديدة للعمل من دون تعريض أنفسهم للخطر، وفق مدير قسم مكافحة الإرهاب السابق في وزارة الخارجية الأميركية.

يوضح دانيال بنجامن، المدير الحالي لمركز جون سلون ديكي للتفاهم الدولي في جامعة دراتموث: "بات هذا الوضع الطبيعي الجديد. نقفل أبواب السفارات ونعاود فتحها طوال السنوات الخمس الماضية... ففي أماكن كثيرة، ما عاد بإمكاننا بعد الربيع العربي الاعتماد على أجهزة الأمن المحلية. وسيصعب علينا كثيراً تصحيح هذا الوضع، ولكن إذا خسرنا سفارة [بسبب اعتداء ناجح]، فسيشكل ذلك ضربة قوية لنا".

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus

back to top