سارة بولي تغوص في تاريخها العائلي لإعداد Stories We Tell

نشر في 20-05-2013 | 00:02
آخر تحديث 20-05-2013 | 00:02
No Image Caption
بعد يومين على عيدها الحادي عشر، فقدت سارة بولي والدتها بسبب مرض السرطان. كانت وفاتها صدمة كبرى مع أن والدها وإخوتها الأكبر سناً كانوا قد شاهدوا ديان بولي وهي تصارع المرض طوال أشهر.
أثناء نشأة بولي في تورونتو تحت رعاية والدها مايكل، كانت فكرتها عن والدتها مبهمة ومبنية على الذكريات والصور والقصص العائلية. لكنها اتبعت خطوات والدتها في مجال التمثيل، فظهرت على المسرح الكندي في طفولتها ثم لفتت أنظار الجمهور الأميركي في عمر الثامنة عشرة بعد دورها في فيلم The Sweet Hereafter.
قبل ساعات من تقديمها عرض فيلم Away From Her في مونتريال (أول فيلم لها كمخرجة، والعمل الذي سيرشّحها لجائزة أوسكار)، انكشف فجأةً سر كان قد بقي خفياً طوال سنوات حياة سارة بولي الثماني والعشرين: مايكل بولي لم يكن والدها البيولوجي.

ذلك الاكتشاف دفع بولي إلى التساؤل: إذا كان الرجل الذي اعتبرته والدها ليس والدها الفعلي، فمن كانت والدتها وما هي هويتها الحقيقية؟

في فيلم وثائقي جديد وخاص جداً استغرق تحضيره خمس سنوات، تبحث بولي عن أجوبتها الخاصة تزامناً مع طرح أسئلة عالمية ومزعجة أحياناً عن الخيانة والهوية وتعريف العائلة. فيلم Stories We Tell عمل مؤثر يدرس كيفية بناء القصص الشخصية ويُظهر بولي وهي تخوض صراعها في هذا المجال.

لازمت بولي السرير طوال أسبوعين بعدما اكتشفت حقيقة نسبها، وقد أصابتها الحمى لفترة طويلة. قالت: {تعرّض جسمي لصدمة قوية وأنا أمرض في كل مرة أقصد فيها مونتريال منذ ذلك الحين. لا يسهل استيعاب الحقيقة. إنه وضع صعب}.

كان لذلك النبأ وقع قوي على العائلة كلها، وقد تمت مقاربة القصة وتحليلها من وجهات نظر متعددة، لا سيما من أشقائها وشقيقاتها الأربعة وعمها وأصدقاء أمها وغيرهم. اختلفت المواقف عند معرفة هوية والد سارة البيولوجي.

صُدم مايكل بولي من جهته واستأنف مهنته الخامدة في مجال الكتابة، فكتب حوالى 80 صفحة تشمل تفاصيل القصة من وجهة نظره. توجه والد سارة البيولوجي بدوره إلى الحاسوب وكتب نسخته الخاصة عن الأحداث التي دفعته إلى الكشف عن هويته أمامها في مونتريال.

لاحظت بولي وإخوتها أن القصة أصبحت محور تركيز الكثيرين، فكان كل شخص يسلط الضوء على جانب مختلف من الحكاية وكأنها مرتبطة بتاريخه الخاص. أدركت المخرجة أن القصة تستحق الغوص في التفاصيل، فنشأ فيلم وثائقي عنها!

قالت بولي (34 عاماً) التي تتسم بجسم ضئيل لا يعكس طموحها الهائل: {لم أكن أهتم بعرض حياتي للعلن. ما أثار اهتمامي رد والدي الغريب وغير المتوقع تجاه ذلك النبأ. وراح والدي البيولوجي يكتب عن الأمر أيضاً. برزت تلك التناقضات كلها في القصص المتداولة وحرصنا جميعاً على سردها بطريقتنا الخاصة. كان من المثير للاهتمام أن نعيش أحداثاً درامية كبرى في حياتنا وأن نشعر بضرورة تحويلها إلى قصة}.

أفلام منزلية

خلال السنوات الخمس اللاحقة، غاصت بولي في تاريخها العائلي واستعانت بلقطات من الأفلام المنزلية والصور القديمة وأجرت مقابلات تشمل اعترافات من شقيقَيها جون بوشان ومارك بولي وشقيقتَيها سوزي بوشان وجوانا بولي، فضلاً عن مايكل بولي ووالدها البيولوجي وغيرهم. كما أنها ركزت على عملية صناعة الفيلم، فصورت لقطات تمهيدية وخصصت جلسات لتركيب الأصوات على المشاهد تزامناً مع التعتيم على تفاصيل أخرى كتلك التي تتعلق بردة فعلها الشخصية تجاه ذلك السر الصادم.

رد النقاد على فيلم Stories We Tell باعتباره خطوة مهمة تعكس تطور بولي من ناحية الإخراج. كانت التقييمات الأولى في مهرجان تيلورايد ومهرجان تورونتو السينمائي إيجابية في السنة الماضية. اعتبر أتوم إيغويان الذي اختار بولي للتمثيل في فيلم Sweet Hereafter وبقي مقرباً منها أنه دُهش من تقدمها في مجال الإخراج.

أوضح إيغويان: {حين شاهدتُ فيلم Away From Her، فكرتُ بأن ممثلة رائعة مثلها لن تجد صعوبة في تقديم هذا الأداء التمثيلي المدهش} (في إشارةٍ إلى بداية بولي في مجال الإخراج حيث كان العمل يركز على ثنائي مصاب بمرض الزهايمر، وقد كان ذلك الفيلم سبباً لترشيح الممثلة جولي كريستي لجائزة أوسكار).

ثم أضاف: {لكن يشكل هذا الفيلم صدمة فعلية لأنه عمل متطور من الناحية الإخراجية، وذلك من حيث الطريقة الطموحة والناجحة لطرح هذه الفكرة المميزة. إنه فيلم مختلف عن جميع الأفلام التي شاهدتُها حتى الآن}.

قد تبدو بولي مرتاحة أمام الكاميرا، لكن لم يكن الغوص في مكنوناتها الداخلية أمراً سهلاً.

أوضحت بولي: {أظن أن التركيز على العائلة أو نبش معلومات عائلية على مدار الساعة كان ليدفع أي شخص إلى الجنون. ترافق الأمر مع حالة متطورة من رهاب الأماكن المغلقة فقلتُ في نفسي: حسناً، لقد استوعبتُ هذه الأمور شخصياً، فما الذي يدفعني إلى صنع فيلم عن الموضوع؟}.

استعانت بولي بكل واحد من أشقائها الأربعة لإجراء مقابلات طويلة ومتعددة معهم، فكانت تطلب من كل واحد منهم أن يعيد سرد قصة حياة أمه. يتحدث مايكل بولي ووالد سارة البيولوجي أيضاً أمام الكاميرا لفترة طويلة، ويناقش كل واحد منهما طبيعة المرأة التي أحباها وعلاقتهما بها، وحتى مشاعرهما تجاه “الرجل الآخر”. تبدو المقابلات صريحة بشكل ملحوظ ويعبّر أبطال القصة عن مجموعة واسعة من العواطف التي تتراوح بين الندم والتعاطف وانتقاد الذات.

كان جون بوشان، أحد الولدين اللذين أنجبتهما ديان بولي من زواجها الأول والمسؤول عن اختيار طاقم الممثلين في أفلام عدة، مشاركاً أساسياً في العمل فكان مستشاراً للفيلم ووفر معلومات رئيسية عن السر العائلي. مثل أشقائه، شكك في البداية بأن أحداً من خارج العائلة سيهتم بالقصة ولكنه عاد وشعر بالحماس تجاه هذه التجربة كلها.

قال بوشان: {لم أجلس يوماً لأتحدث أمام الكاميرا عن أمور شخصية. لذا شعرتُ بالتوتر. كان الأمر متعباً ولكنه أشبه بعلاج نفسي من ناحية معينة. لا يمكن أن أقارن سارة “المحاوِرة” مع أحد (باستثناء معالجتي النفسية) ولحسن الحظ لم يتم التقاط تلك الجلسات أمام الكاميرا}.

شعرت بولي التي أصبحت أماً خلال تحضير هذه الدراما العائلية بأنها تحتاج إلى استراحة من هذه العملية الطويلة، فتخلت في مرحلة معينة عن مشروع Stories We Tell طوال سبعة أشهر كي تكتب وتُخرج فيلم Take This Waltz من بطولة ميشيل ويليامز وسيث روغن، وقد صدر في الولايات المتحدة في السنة الماضية.

لقطات

كانت تلك الاستراحة الطويلة كفيلة بمنح بولي فرصة لسد الثغرات عن والدتها الغامضة. حللت تفاصيل حياة ديان بولي، من وجهة نظر مهنية، وحياتها الخاصة المضطربة أيضاً. يذكر جزء من الفيلم كيف تركت ديان زوجها الأول بسبب مايكل وخسرت حضانة جون وسوزي. فظهرت في عناوين الأخبار كأول امرأة كندية تُحرَم من حضانة أولادها بسبب علاقتها غير الشرعية. كانت تلك التجربة مؤثرة بالنسبة إلى أولادها وكانت السبب الذي منعها على الأرجح من ترك مايكل لأجل والد سارة.

اكتشفت بولي لقطات جديدة لوالدتها، بما في ذلك شريط يعرض تجربة أداء قدمتها وهي تغني {لا أسيء السلوك} (Ain’t Misbehavin’n’). تُظهر لقطة مقربة بالأسود والأبيض ديان بولي وهي في حالة هشة حين كانت تجرب مشروعاً لطالما أرادت تحقيقه.

قالت بولي: {علمتُ طوال حياتي بطموحها الذي لم تحققه واعتبرته أمراً محورياً في حياتها وقد كسر الأمر قلبها فعلاً. لم أعلم أن الأمر كان مصوّراً. حين وجدتُ الفيديو تأثرتُ حين شاهدت تجربتها ومعالم وجهها. كان الأمر مفجعاً}.

بعدما امتدت عملية صناعة فيلم Stories We Tell لسنوات عدة، شهدت بولي تقلبات في علاقاتها العائلية وزواجها الخاص. (تطلقت بولي من زوجها الأول في عام 2008 وتزوجت مجدداً في عام 2011. خلال فترة تحضير الفيلم، تطلقت شقيقتاها أيضاً). من الناحية الإيجابية، منحتها تلك التجربة فرصة فهم تصرفات أمها: {تسنى لي أن أمضي معظم الوقت مع جميع المقربين من والدتي وأن أسألهم عن شخصيتها طوال ساعات متواصلة. لا يحصل معظم الأشخاص الذين يخسرون أهلهم على فرصة مماثلة. كان الغوص في حياتها للتعرف إليها عن قرب تجربة مدهشة}.

مع ذلك، تعترف بأنها شككت بذاتها وكانت تعتبر دوماً أن رغبتها في صناعة الفيلم غير منطقية. الأمر الوحيد الذي هدّأ ذلك القلق دعم {المجلس الوطني للأفلام في كندا} كونه موّل الفيلم الذي كلف 1،7 مليون دولار. تشيد بولي بدور المجلس كونه دفعها إلى المثابرة حين كانت مستعدة للتخلي عن المشروع.

قالت بولي التي تعمل الآن على اقتباس رواية Alias Grace للكاتبة مارغريت أتوود: {لا أظن أن شكوكي الذاتية اختفت قبل صدور الفيلم في العلن من دون أن يسخر منه الناس... كان ذلك الأمر مصدر راحة بالنسبة إلي. الفيلم أثر بي. لم أرغب في تنفيذه. كنت أعلم أنه من الأفضل عدم إتمامه لكني تابعتُه حتى النهاية. لا أظن أنني تجاوزتُ يوماً شكوكي أو مشاعري الغامضة تجاهه. لكن في مرحلة معينة، كنا قد صرفنا مبلغاً من الأموال وما كان يمكن التراجع عن المشروع}.

back to top