داني بويل ونظرة جديدة إلى فيلمه Trance

نشر في 22-04-2013 | 00:02
آخر تحديث 22-04-2013 | 00:02
في شهر سبتمبر عام 2011، كان المخرج البريطاني داني بويل على سطح يصور أحد مشاهد فيلمه Trance، الذي تدور أحداثه حول سرقة عمل فني. راح يراقب رافعات البناء الممتدة عبر سماء لندن، التي تسرع لإنهاء العمل استعداداً للألعاب الأولمبية الصيفية المقبلة التي ستُقام في هذه العاصمة.
يشير المخرج البريطاني داني بويل، الذي يُعتبر سبب فوز Slumdog Millionaire بجائزة أوسكار، إلى حي مجاور سينزل فيه الرياضيون، مواقع المنشآت الرياضية الجديدة، والمكان الذي ستُقام فيه حفلة الافتتاح.

لا يُعتبر هذا تفاخراً فارغاً، فعندما يُنهي بويل تصوير المشاهد الرئيسة من Trance، سيضعه على جنب لأنه سيتوجه وفريقه ليُنظموا حفلة الافتتاح في الألعاب الصيفية لعام 2012. كانت الحفلة بمناسبة الاحتفال بالتاريخ البريطاني، وشملت إنزال ملكة إنكلترا بالمظلة وتكريماً للخدمات الصحية الوطنية، فضلاً عن مجموعة مذهلة من الأغاني قدمها مغنون وفرق موسيقية مثل Sex Pistols، بينك فلويد، وArctic Monkeys.

يذكر بويل: {وضعنا الفيلم في السرير وقلنا له: عمت مساء. ولكن عندما عاد للعمل على Trance بعد نحو ستة أشهر، تفاجأ حين لاحظ أنه كاد أن ينسى ما تركه في المهد. وبما أن الفيلم (عن سارق يعاني إصابة في الدماغ وينسى أين خبأ ما سرقه) يركّز بشكل رئيس على الذاكرة، بدا ذلك تحوّلاً لافتاً}.

يخبر بويل خلال زيارة قام بها أخيراً إلى لوس أنجليس: {ظننت في البداية أني لن أنساه، تماماً كما يحدث دوماً حين ننتهي من تصوير فيلم. نشعر حينذاك أننا نتذكر التفاصيل كافة. ولكن عندما عدنا للعمل على الفيلم، كنت قد نسيته. حين شاهدناه للمرة الأولى بعدما اجتمعنا مجدداً عقب الألعاب الأولمبية، راودنا شعور غريب. كنت أجهل التطورات اللاحقة في الفيلم. لم أظن يوماً أن هذا ممكن}.

ولكن تبيّن أن النسيان نعمة لأن Trance فيلم معقد نوعاً ما، فساعدت الاستراحة بويل على إدراك المواضع التي لم يبدُ فيها الفيلم واضحاً أو التي جاء فيها مبتذلاً. والأهم من ذلك كله أن بويل اكتشف أن فيلمه يحتاج إلى خاتمة جديدة.

في مستهل الفيلم، يتضح للمشاهد أن موظفاً في دار للمزادات لا غبار عليه يُدعى سيمون (جيمس مكافوي) شريك في عملية سرقة لإحدى لوحات غويا. لكن سيمون يتلقى ضربة على الرأس خلال السرقة، فيعجز عن تذكر المكان الذي خبأ فيه اللوحة ليخبر به زعيم العصابة فرانك (فنسنت كاسل) وعصابته من اللصوص.

يظن فرانك أن معالجة بالتنويم المغناطيسي تُدعى إليزابيث (روزاريو داوسن) تستطيع إنعاش ذاكرة سيمون، ويتبيّن أن الأخير يتفاعل بسرعة مع التنويم المغناطيسي. لكن ما تكتشفه إليزابيث خلال جلساتها مع سيمون لا يرتبط باللوحة بقدر ارتباطه بتاريخ هذه الشخصية المكبوت.

رواية معقدة

كان بويل (56 سنة) يفكّر في Trance منذ نحو 20 سنة. بعيد إنهائه تصوير فيلم الجريمة والتشويق Shallow Grave عام 1994، أرسل إليه كاتب السيناريو جو أهيارن نص Trance. لكن المفارقة أن أهيارن لم يرد أن يخرج بويل الفيلم، بل أن يحظى بدعمه ليُخرجه بنفسه. إلا أن بويل ما كان واثقاً من أن أهيارن، الذي لم يكن قد عمل في مجال الإخراج آنذاك، مستعد لتقديم رواية معقّدة كهذه. فقال له بويل: {من الصعب جدّاً إخراج هذه الرواية}.

حوّل أهيارن النص إلى فيلم تلفزيوني عام 2001. غير أن محور السيناريو وعنوانه تغلغلا عميقاً في ذهن بويل. يوضح المخرج أنه انجذب إلى هذا النوع من الأفلام (انتقل من قصص الموتى الأحياء إلى بوليوود وأخيراً السير الذاتية) بقدر انجذابه إلى واقع أن بطله لم يكن رجلاً. يذكر بويل: {لديّ ابنتان بلغتا العقد الثالث من عمرهما ولم يسبق أن أعددت فيلماً تكون فيه المرأة محرك القصة. أحببت هذا التحدي لأني اعتدت إخراج أفلام تتمحور حول رجال}.

بعدما أعاد الكاتب جون هودج، الذي تعامل معه بويل مرات عدة (T،Trainspotting،

The Beach ،Shallow Grave، وA Life Less Ordinary)، صياغة السناريو، حصل المخرج على القصة التي رغب في تصويرها (أُدرج اسم أهيارن، الذي ابتكر الحبكة الأصلية، إلى جانب اسم هودج في شارة الفيلم). ولكن هل يمكن لبويل أن يخرج فيلماً وينظّم الحفلة الافتتاحية في آن؟

يخبر بويل أنه حين قبل بتنظيم حفلة الألعاب الأولمبية في صيف عام 2010، حذّره أحد أصدقائه من أنه سيُجنّ إن لم يقم بأي عمل آخر خلال مرحلة التحضير للألعاب، التي تمتد على فترة سنتين. لذلك، على غرار رياضي لا يود الإفراط في التدرب استعداداً للسباق، أدخل صانع الأفلام استراحتين إلى جدول الألعاب الأولمبية الخاص به.

خلال الأولى، أخرج مسرحية حظيت بكثير من النقد الإيجابي في لندن بعنوان Frankenstein في شهر فبراير عام 2011. وبعد أن ركّز على تدريبات الألعاب الأولمبية خلال فصلَي الربيع والصيف، صوّر Trance في مرحلة لاحقة من تلك السنة.

كان يُفترض بمسرحية Frankenstein وفيلم Trance أن يكونا استراحتين بسيطتين من الدفق المتواصل من اجتماعات اللجنة الأولمبية، إلا أن بويل أدرك أنهما خدما هدفاً إبداعيّاً أعمق.

مشاهد قوية

يعشق بويل المشاهد القوية التي لا تُنسى، مثل: غوص إيوان ماكريغور المدمن في كرسي الحمام في Trainspotting، إصابة ولد بالعمى في Slumdog، وقطع متسلق جبال جيمس فرانكو يده العالقة تحت صخرة في 127 Hours. ومع عدد من الصور القاسية، مثل صورة التعذيب أو الضحية المصابة بطلق ناري، شكّل Trance متنفس بويل في عالم الأفلام القوية، بعيداً عن رتابة الألعاب الصيفية.

يذكر بويل: {عندما تنفّذ عملاً للعائلة كلها يشكّل مصدر فخر وطني، عملاً مخصصاً للجميع لا يحتوي على أي كلمات بذيئة أو مشاهد قاتمة، تدرك أن Frankenstein وTrance هما النقيض الحالك والمظلم للألعاب الأولمبية. وإليهما لجأت لأغذي روحي}.

لكن هذا كان له تأثير معاكس أيضاً. يوضح بويل أن تجربته مع Frankenstein وTrance منحته إلهاماً فنيّاً أعمق للعمل على الألعاب الأولمبية، مهمة اعتبرها شرفاً وطنيّاً كبيراً. يقول عن التحضيرات للألعاب الأولمبية: {تشعر أحياناً أن مخيلتك نضبت، فتنفيذ هذا العمل شاق}.

عندما عاد بويل إلى Trance عقب انتهاء الألعاب الأولمبية، اكتشف أن هذه الاستراحة فتحت عينيه على مواضع في الفيلم لم يستغلها بالشكل الصحيح. فبما أن القصة تقوم على عدد من الأسرار التي تُكتشف وعلى التنويم المغناطيسي، تمكن من رؤية بوضوح أكبر كم أظهر الممثلون أو لم يظهروا من خلفية شخصيتهم.

حين شاهد بويل الفيلم للمرة الأولى بعد أكثر من ستة أشهر، تبيّن له أن بعض المشاهد خجول أو معقد جداً. يذكر: {تميل إلى عدم تقديم أي إشارات لأنك تخشى أن يفضح أي دليل الحبكة برمتها. لكنك تستطيع في الواقع إعطاء المشاهد كثيراً من الإشارات، لا بل هذا ضروري}.

علاوة على ذلك، قرر بويل أن خاتمة الفيلم (تجمع بين شخصية كاسل وشخصية داوسن) ليست ملائمة. نتيجة لذلك، واجه المخرج تحديّاً غير مألوف. كانت سنة قد مرت منذ انتهاء عملية التصوير، الذي أنتجته شركة Fox Searchlight، مخصصةً له ميزانية قدرها 20 مليون دولار. وأمضى كاسل معظم هذه الفترة في ركوب الأمواج، فاكتسب سمرة وخسر الوزن. وتذكر داوسن أيضاً أن قامتها أيضاً تبدّلت، إنما بطريقة مختلفة. لكنها أقرت أن النهاية {كانت واضحة جدّاً، ما بدا بعيداً بعض الشيء عن طابع الفيلم العصري}.

نهاية بديلة

في السيناريو الأصلي، حظي الفيلم بخاتمة تقليدية بدت فيها التفاصيل كافة واضحة ومدروسة. ولكن في النهاية البديلة، التي صورت في لندن بعد سنة من انتهاء التصوير الأساسي، يقف فرانك أمام خيار غريب قد يحدد ما إذا كانت علاقته بإليزابيث ستدوم. ولا شك في أن التغييرات الجسدية التي طرأت على الممثلين وافقت الخاتمة. فلم توحِ أن فترة من الزمن مرت فحسب، بل أن فرانك وإليزابيث أصبحا أيضاً شخصين مختلفين.

لا ينوي بويل، الذي يعمل راهناً على أفلام تشمل حقبتين (رفض تقديم أي تفاصيل. ولكن ثمة إشاعات عن أنه يفكر في تصوير جزء ثانٍ من Trainspotting)، أخذ استراحة مماثلة خلال تصويره أفلامه اللاحقة. بيد أنه يعتقد أن هذه التجربة ذكّرته بإحدى الحقائق غير المعلنة في صناعة الأفلام. يقول: {لطالما اعتبرت هذا الواقع مثيراً للسخرية في صناعة الأفلام: يبدو المخرج الشخص الأقل قدرة على إعداد فيلم لمشاهدين سيرونه مرة واحدة لأن المخرج يكون قد شاهده ألفَي مرة ويملك علاقة مشوهة به}.

back to top