60 ألف ضحية في سورية ... ظلام قبل الفجر أم مراوحة بلا نهاية؟!
سيبقى الوضع في سورية كما هو عليه، إلى أن ينقلب المد العسكري ضد النظام بشكل نهائي أو إلى أن يواجه هذا النظام انهياراً داخلياً نتيجة الضغوط العسكرية والاقتصادية الهائلة.
قُتل 60 ألف سوري على الأقل خلال الحرب الأهلية القائمة في سورية منذ مارس 2011 بحسب قول مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي يوم الأربعاء، ورغم ارتفاع حصيلة القتلى التي اعتبرتها بيلاي "صادمة بالفعل"، حذر مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي في نهاية الأسبوع الماضي من أن الصراع الذي يزداد طائفية سيقتل 100 ألف شخص إضافي في السنة المقبلة من دون التوصل إلى أي نتيجة حاسمة بالضرورة.حذر الإبراهيمي من أن الحرب "تطرح خطراً مخيفاً، لا على الشعب السوري فحسب، بل على الدول المجاورة والعالم أيضاً"، وقد توقع أن يحول الصراع سورية إلى نسخة عن الصومال (دولة فاشلة تنقسم إلى معاقل يديرها مقاتلون محليون) في حال بقيت المشكلة عالقة.من الواضح أن تلك التقييمات القاتمة التي يصدرها مسؤولون في الأمم المتحدة تهدف إلى حث الشركاء الدوليين على التحرك بشكل عاجل لإنهاء الصراع. أكد الإبراهيمي ضرورة "الاختيار بين الحل السياسي أو الانهيار التام للدولة السورية"، وأضاف قائلاً: "إذا كان لا بد من الاختيار بين الجحيم أو إطلاق عملية سياسية معينة، فيجب أن نعمل جميعاً بلا كلل لإطلاق عملية سياسية". هذه هي مهمة الإبراهيمي تحديداً، ولكنه يواجه المشكلات نفسها التي أعاقت مسار سلفه، الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان الذي استقال من مهمته كمبعوث سلام إلى سورية في السنة الماضية بعد أن فقد الأمل نتيجة رفض اللاعبين السوريين وداعميهم الخارجيين تقديم التنازلات اللازمة لوقف الحرب.لا شك أن أي حل سياسي لإنهاء الحرب في هذه المرحلة (حتى لو شمل ذلك إجراء انتخابات ديمقراطية ستؤدي بشكل شبه مؤكد إلى سقوط الرئيس بشار الأسد من السلطة) سيتطلب أن تتفاوض المعارضة حول عملية انتقالية مماثلة مع الأسد ونظامه. سيبقى الوضع كذلك إلى أن ينقلب المد العسكري ضد النظام بشكل نهائي أو إلى أن يواجه هذا النظام انهياراً داخلياً نتيجة الضغوط العسكرية والاقتصادية الهائلة، لكن يرفض الائتلاف الوطني المعارِض الذي تشكّل في شهر نوفمبر بدعمٍ غربي وعربي التحاور مع الأسد، فقد أصر على ضرورة سقوطه كشرط مسبق لعقد المفاوضات. يؤكد الثوار والمحللون الغربيون الذين يدعون إلى تنفيذ تدخل صارم على أن سقوط النظام أصبح وشيكاً وهم يشككون في الدعوات إلى عقد المفاوضات. قال المحلل جيفري وايت من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في أواخر شهر ديسمبر: "يبدو أن النظام سينهار خلال أسابيع. مع اقتراب النهاية، قد يُصدر حلفاؤه دعوات يائسة إلى وقف إطلاق النار بوساطة من الأمم المتحدة، لكن لا يجد الثوار أي منفعة في هذه المقاربة". على الرغم من الجهود التي يبذلها الإبراهيمي (ودول أخرى تتعاطف مع النظام مثل روسيا والصين، فضلاً عن حليف الأسد اللبناني، أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله) لفرض تسوية يتم التفاوض عليها، فإن النظام لم يُظهر اهتمامه بإطلاق مرحلة انتقالية ديمقراطية قد تؤدي إلى سقوطه. كذلك، يظن قادة النظام أنهم سيتابعون محاربة الثوار مع ضمان استمرار وضع المراوحة.يقول جوشوا لانديس، خبير في الشؤون السورية في جامعة أوكلاهوما: "ما لم يرتفع منسوب التدخل الخارجي بشكل جذري، فقد يبقى الأسد في منصبه في عام 2014. لا شيء في الوضع الراهن يُجبره على الرحيل. لقد حصّن أبرز المدن بطبقات أمنية، فسمح للأراضي الفقيرة بأن تصبح تحت سيطرة الثوار ثم استعمل قواته الجوية ومدفعياته لتدمير تلك الأحياء. بعد مرور سنتين تقريباً على بدء الانتفاضة، وعلى الرغم من ارتفاع زخم الثوار في المرحلة الأخيرة، فإنهم لم يسيطروا بالكامل بعد على أي مدينة أو بلدة كبيرة واحدة. إنه مؤشر سيئ بالنسبة إلى الثوار".برز الطابع الطائفي الذي يطغى على الحرب الأهلية حين احتشد العلويون وراء نظامٍ تسيطر عليه أقلية علوية (مع أن الكثيرين منهم يشتكون من نظام الأسد)، وذلك خوفاً على مصيرهم في حال انتصار الثوار السُّنة في معظمهم. فبينما يتوقع المحللون الداعمون للمعارضة أن يفقد النظام أمواله قريباً، بدأت المناطق التي يسيطر عليها الثوار تفتقر إلى الموارد بشكل متزايد، كذلك، يبدو أن النظام الذي يتفوق عسكرياً على الثوار يوجه اعتداءاته بما يتماشى مع استراتيجية تهدف إلى تعزيز النقص في الغذاء والوقود في تلك المناطق، على افتراض أن ذلك النقص والتنافس على الموارد الشحيحة سيُبعدان المدنيين عن المقاتلين الثوار الذين يسيطرون على مناطقهم (بدأ تطبيق هذه المقاربة على أرض الواقع وفق بعض التقارير الصادرة من حلب وأماكن أخرى).يوضح لانديس: "على الرغم من التطمينات التي يصدرها الثوار وداعموهم، فلا أحد في المعارضة اليوم يستطيع شرح الطريقة التي سيفوز بها الثوار. لا يزال النظام موحداً وهو يملك جميع الأسلحة الثقيلة اللازمة. يتابع عدد كبير من الثوار نشاطاتهم على افتراض أن الولايات المتحدة ستتدخل وتقلب الوضع لمصلحتهم".لكن على الرغم من تنامي الدعوات في واشنطن كي تؤدي الولايات المتحدة دوراً أكبر للمساعدة على إسقاط الأسد، فإنه لا شيء يشير إلى أن إدارة أوباما، أو أي قوة غربية أخرى أو دول مجاورة أساسية مثل تركيا، أصبحت مستعدة الآن لتحمّل المخاطر المترتبة على قرار التدخل لكسر وضع المراوحة في سورية. ومن المستبعد أن يغير ارتفاع حصيلة القتلى تلك الحسابات.