تنظيف الأسنان بالخيط؟ نعم ولا!

نشر في 19-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 19-10-2013 | 00:01
No Image Caption
كان العالِم الفرنسي المتخصص في السلوك الحيواني، جان باتيست ليكا، يعمل مع زميل له في مركز أبحاث الرئيسيات في جامعة كيوتو في اليابان، حين رأى مشهدًا يرسم ابتسامة عريضة على وجه كل طبيب أسنان.
 شاهد العالِم جان باتيست ليكا ذات يوم تشونب، أنثى من حيوانات المكاك اليابانية عمرها 14 سنة تقتلع شعرة، تشدها جيدًا بين يديها، وتمررها بين أسنانها، كما لو أنها تنظفها بالخيط.

يعتبر كل طبيب أسنان بالتأكيد هذه اللحظة بالغة الأهمية على غرار أحد مشاهد فيلم ستانلي كوبريك 2001: A Space Odyssey. لربما تتذكره.

لكن أنثى المكاك هذه ليست طبيب أسنان. صحيح أن تشونب لا تزال تنظف أسنانها بهذه الطريقة، إنما لم يحذُ سائر أفراد مجموعتها حذوها. ولكن لا بأس في ذلك لأن تنظيف الأسنان بالخيط ليس بالأهمية التي يظنها أطباء الأسنان في الحفاظ على صحة الفم.

لا مفر من بعض الأمور عندما تقصد عيادة طبيب الأسنان: أولاً، تتعرض لثتك للتعذيب وتتحوّل إلى قطع ممزقة مضرجة بالدم. ثانيًا، يؤلمك فكك بسبب فتحه على مداه طوال ثلاثين دقيقة. وثالثًا، ينهال عليك الطبيب بالنصائح والإرشادات بشأن ضرورة تنظيف الأسنان بالخيط. رغم ذلك، لا تتخطى نسبة الأميركيين، الذين يقحمون خيط التنظيف بين قواطعهم وأنيابهم وطواحنهم بانتظام، 10% إلى 40%. لكن الأدلة العلمية المتوافرة تشير إلى أن مَن لا يستعملون الخيط لتنظيف أسنانهم لا يخسرون فوائد جمة.

صحيح أن مئات الدراسات تناولت تنظيف الأسنان بالخيط، إلا أن الكثير منها لا يُعتبر دقيقًا بسبب تحيّز الباحثين، فضلاً عن ضعف تصميم الاختبار. خلال العقد الماضي، حاولت ثلاث مراجعات مدروسة خوض غمار هذه المياه العكرة.

حصرت الأولى (نُشرت عام 2006) تركيزها في تأثيرات التنظيف بالخيط في صحة أسنان الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و13 سنة، فاكتشف الباحثون أن خطر الإصابة بتسوّس تراجع في حالة الأولاد الذين تولى خبير مختص تنظيف أسنانهم بالخيط طوال خمسة أيام في الأسبوع على مدى 19 شهرًا. إلا أن هذا الخطر لم يتراجع في حالة مَن تدربوا على تنظيف أسنانهم بالخيط وقاموا بذلك هم بأنفسهم.

 بما أن الخضوع لتنظيف يومي للأسنان بالخيط على يد خبير متخصص عملية غير متوافرة للناس عمومًا، أقر الباحثون أن اكتشافاتهم محدودة. علاوة على ذلك، تبين أن الأولاد الذين شملتهم الدراسة لم يتقيّدوا بعادة تنظيف الأسنان بالفرشاة بانتظام، وعانوا أيضًا نقصًا في الفلوريد، مادة تحول دون تسوّس الأسنان. نتيجة لذلك، أكد الباحثون أن اكتشافاتهم لا تقدّم الجواب عن السؤال البالغ الأهمية: هل لتنظيف الأسنان بالخيط فوائد ملموسة إن كان الشخص ينظف أسنانه بانتظام بالفرشاة ومعجون أسنان يحتوي على الفلوريد؟

أدلة علمية

بعد سنتين، قرر باحثون في جامعة إنهولاند للعلوم التطبيقية في أمستردام دراسة هذه المسألة، وراجعوا تأثير تنظيف الأسنان بالخيط والفرشاة في معدلات الجير والتهاب اللثة. فماذا استخلصوا؟

كتبوا: {لم يُظهر الجزء الأكبر من الدراسات أي تأثير لتنظيف الأسنان بالخيط في الجير والأطر السريرية لالتهاب اللثة. لذلك نستخلص أن الأدلة العلمية لا تؤيد التوجيهات المعتادة عن ضرورة تنظيف الأسنان بالخيط}.

أعادت دراسة ثالثة، نُشرت عام 2012 تفحص هذه المسألة. فقد جمع العلماء وحللوا تجارب عشوائية قارنت تأثير تنظيف الأسنان بالفرشاة والخيط بتنظيفها بالفرشاة فحسب. فاعتُبرت 12 دراسة، ضمت نحو 1100 مشارك، مناسبة. تبيّن أن تنظيف الأسنان بالخيط يؤدي إحصائيًّا إلى تراجع في معدلات الجير والتهاب اللثة. لكن هذا التراجع بدا ضئيلاً جدًّا، حتى إنه اعتُبر غير ملحوظ. كذلك استخلص الباحثون أن الأدلة التي تدعم فكرة أن تنظيف الأسنان بالخيط تحدّ من تراكم الجير {ضعيفة} و}لا يُعتمد عليها}.

إذًا، تشير المعارف العلمية عمومًا اليوم إلى أن تنظيف الأسنان بالخيط ليس بالأهمية التي يظنها أطباء الأسنان. ويشكل غسول الفم بديلاً أفضل بكثير.

تشمل التفسيرات المنطقية، التي تعلل غياب الأدلة الداعمة لفاعلية تنظيف الأسنان بالخيط، أننا جميعنا لا نقوم بهذه العملية بالشكل الصحيح. فيظن معظم مَن ينظفون أسنانهم بهذه الطريقة أن كل ما عليهم فعله إقحام الخيط بين الأسنان وإخراج فضلات الطعام، لكن هذا ليس كافيًا. تنصح الجمعية الأميركية لطب الأسنان بثني الخيط على شكل C وشده برفق على جانب كل سن مع تحريكه نحو الأعلى والأسفل.

back to top