حسن روحاني والوهم الغربي

نشر في 02-10-2013
آخر تحديث 02-10-2013 | 00:01
نشهد اليوم خداعاً للذات فيما يُقدَّم الرئيس روحاني للشعوب الغربية بصفته قائداً معتدلاً، ورجلاً صاحب رؤية لإيران جديدة وحرة، ولا شك أن هذا خطأ تاريخي آخر لن تكون عواقبه (دولة إيرانية مسلحة نووياً) كارثية بالنسبة إلى شعب إيران فحسب، بل بالنسبة إلى المنطقة والمجتمع الدولي أيضاً.
 فوراين بوليسي تُذكِّر الرواية السائدة في وسائل الإعلام الغربية اليوم بشأن الرئيس الجديد لجمهورية إيران الإسلامية، حسن روحاني، بتقييم إدارة جيمي كارتر المتفائلة لآية الله الخميني، فذكر يومذاك سفير الرئيس كارتر إلى الأمم المتحدة، أندرو يونغ، أن الخميني سيُكرم في النهاية "كقديس". أما سفير الرئيس كارتر إلى إيران، وليام سوليفان، فشبه الخميني بغاندي، وهكذا رأت الإدارة في الخميني في تلك المرحلة رجلا لا غبار على نزاهته وصدقه، لكن فداحة هذا الخطأ التاريخي وعواقبه تبدو جلية اليوم.

نشهد اليوم أيضا انخداعاً مماثلاً، فيما يُقدَّم الرئيس روحاني للشعوب الغربية بصفته قائداً معتدلاً يتحلى بالسحر والتواضع، ورجلاً صاحب رؤية لدولة إيرانية جديدة وحرة، وسياسياً يرغب في إقامة حوار بناء مع الغرب. ولا شك أن هذا خطأ تاريخي آخر لن تكون عواقبه (دولة إيرانية مسلحة نوويا) كارثية بالنسبة إلى الشعب الإيراني فحسب، بل بالنسبة إلى المنطقة والمجتمع الدولي أيضا.

بذلت طهران قصارى جهدها لتعزز وجهة النظر القائلة إن روحاني يمثل تبدلاً كبيرا في التوجه الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية. على سبيل المثال، أطلق روحاني في عمل إنساني، على ما يبدو، سراح سجناء سياسيين مقربين مما يُدعى الشريحة المصلحة في الجمهورية الإسلامية قبل أيام من وصوله إلى نيويورك للمشاركة في الاجتماع السنوي للجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة. حتى القائد الأعلى علي خامنئي نفسه أعرب عن تسامح غير مسبوق تجاه الولايات المتحدة. يدرك خامنئي جيداً عدم ثقة الغرب به وبدوره في أزمة برنامج الجمهورية الإسلامية النووي الراهنة. لذلك أعلن أنه آن الأوان لما وصفه بـ"تساهل تاريخي" تجاه المحادثات المباشرة مع الولايات المتحدة. وتشير بعض التقارير إلى أن روحاني نفسه قال إن هذه الحكومة تملك الصلاحيات المطلقة بشأن برنامجها النووي ولا تخضع لأي قيود.

أعلن البيت الأبيض أن أوباما مستعد للقاء روحاني، فقد ذكر الرئيس الأميركي في مقابلة مع شبكة Telemundo التلفزيونية أن ثمة إشارات إلى أن الرئيس روحاني يتطلع إلى الحوار مع الغرب ومع الولايات المتحدة بطريقة لم نشهدها من قبل. لذلك يعتقد أوباما أن على الولايات المتحدة أن تختبره.

بات كثيرون في وسائل الإعلام الغربية مقتنعون بأن أمامنا فرصة حقيقية لحل هذه المسألة النووية مع انتخاب حسن روحاني، ويبدو أن قليلين مستعدون لمراجعة تصريحات روحاني، خصوصاً ما أدلى به خلال حملته الانتخابية الأخيرة. تكشف هذه التصريحات استراتيجية الجمهورية الإسلامية الحقيقية في تعاطيها مع المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، فخلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، انتقد مَن يُعتبرون متشددين ترشح روحاني واتهموه بأنه لم يتعامل مع الغرب بحزم كافٍ عندما كان كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين بين عامَي 2003 و2005، وقد وُجهت أقسى الانتقادات إلى موافقته على تعليق نشاطات التخصيب في ما دُعي باتفاقية سعد آباد.

ولكن في مقابلة مع التلفزيون الحكومي الإيراني في 27 مايو 2013، نفى حسن روحاني الادعاءات القائلة إنه أشرف على الحد من نشاطات تخصيب اليورانيوم، وإنه بذلك حدد الاستراتيجية التي اتبعها نظام طهران، نتائجها، والمهام الكبرى التي يُعتقد أنها تكمن أمام إيران.

بدأ روحاني بالإشارة إلى أن مبدأ النظام الأساسي يقوم على تحويل الخطر إلى فرصة، ثم أشار إلى أن السياسة المتبعة خلال عهده، تحت إشراف القائد الأعلى، عندما كان هو ممثل هذا القائد (خامنئي) في المجلس الأعلى للأمن القومي، قامت على تفادي المخاطر ومواجهة مؤامرات الولايات المتحدة. فقد أرادت هذه الأخيرة، وفق روحاني، أن تلحق بإيران الأذى الذي ادعى أن الولايات المتحدة أنزلته بليبيا. وأصر على أن النظام كان يبحث عن فرصة ليكمل قدراته التكنولوجية النووية، مع أن الولايات المتحدة سعت كي تبقى معرفة النظام في المجال النووي ناقصة ويتخلى عن كل معارفه التكنولوجية.

ذكَّر روحاني بوضوح أن عشرة أجهزة طرد مركزي كانت تعمل في ناتانز حين دعا النظام الإيراني وزراء خارجية بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا إلى طهران. وأعلن بالتحديد: "ما كان باستطاعتنا إنتاج غرام واحد من رباعي فلوريد اليورانيوم وسداسي فلوريد اليورانيوم. ما كنا نملك أيضا ماءً ثقيلاً. ولم نستطع إنتاج الكعكة الصفراء. كذلك كان إنتاجنا من أجهزة الطرد المركزي في البلد بأكمله 150 جهازاً، لذلك كنّا بأمس الحاجة إلى الوقت".

أكد روحاني أنه ما من اتفاقات عُقدت في سعد آباد أو خلال مفاوضات طهران، ولكن جرى التوصل إلى ما يُعرف بإعلان طهران، واقتضى القرار في هذا الإعلان بتعليق كل النشاطات، إلا أن روحاني شدد: "لم نسمح بذلك. فلم نعلق إلا عمل أجهزة الطرد المركزي العشرة في ناتانز".

انتقال روحاني بعد ذلك إلى التفاخر: "أنهينا منشأة تحويل اليورانيوم في أصفهان. هل تعرفون متى دُشنت؟ كنا نتفاوض في شهر أكتوبر عام 2003. هل تعلمون متى بدأنا المرحلة الأولى من منشأة تحويل اليورانيوم؟ في أبريل عام 2004، وهل تعرفون متى استهللنا المرحلة التالية؟ في خريف عام 2004. هل تعرفون متى انتهت؟ في أبريل عام 2005. هل تعلمون متى بدأنا ننتج ماءً ثقيلاً؟ في صيف عام 2004. هل تعرفون متى أنتجنا الكعكة الصفراء؟ في شتاء عام 2004، وهل تعلمون متى ازداد عدد أجهزة الطرد المركزي إلى 3 آلاف؟ في شتاء عام 2004. إذن، هل علقنا نشاطنا؟ على العكس، أكملنا قدراتنا التكنولوجية. أوجدنا الفرص. وعندما أقول "أكملنا"، أقصد بذلك النظام لا حسن روحاني. عندما أقول "أكملنا"، أقصد القيادة العليا، أقصد كل الإيرانيين موحدين. هذا ما كانت القيادة تتكلم عنه حين ذكرت بعد 12 يوماً من المفاوضات أن مؤامرة الولايات المتحدة وإسرائيل تحطمت، وهكذا أكملنا التكنولوجيا النووية وأوجدنا الفرصة الضرورية (الوقت) لإنهاء منشأة تحويل اليورانيوم والبدء بإنتاج رباعي فلوريد اليورانيوم وسداسي فلوريد اليورانيوم. عندما تركت منصبي (بصفتي كبير المفاوضين النوويين)، كنا نملك أكثر من 1700 جهاز طرد مركزي فاعل، في حين أن عددها كان 150 حين تسلمته".

كما يظهر جلياً من تصريحات حسن روحاني نفسه، وكما أكد علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، الأسبوع الماضي، لا تنوي الجمهورية الإسلامية تبديل استراتيجيتها، بل تعمل راهناً على تغيير تكتيكاتها. يؤكد الواقع أن حسن روحاني يشارك سلفه أحمدي نجاد في كرهه الولايات المتحدة وإسرائيل، إلا أنه يتحلى بالبصيرة السياسية الكافية ليمتنع عن البوح بذلك علانية. ذكر روحاني ذات مرة: "وحد شعار الموت لأميركا الجميل أمتنا (بالنسبة إلى النظام)". وعلى غرار أحمدي نجاد، ينوي روحاني مواصلة برنامج الجمهورية الإسلامية النووي، إلا أنه مصمم على تحقيق هذا الهدف من خلال الخداع لا التهديد. إذن، لا تُعتبر حكومة حسن روحاني أكثر ديمقراطية أو إنسانية مما كانت عليه حكومة أحمدي نجاد. فتتواصل عمليات الإعدام بلا هوادة، وما زال السجناء السياسيون يُعذبون في السجن. أما الأقليات الدينية، فما زالت تتعرض للاضطهاد، ولا يُعتبر إطلاق الجهاز القضائي التابع للنظام بعض السجناء السياسيين سوى خطوة رمزية ومناورة لإخفاء القمع الذي ما زال يُمارَس في إيران ولتعزيز وهم أن روحاني سيمهد الطريق أمام فصل جديد من التعاون في العلاقات الإيرانية-الأميركية (تغيير في التوجه يدرك الرئيس روحاني جيداً أن الرئيس أوباما يتمناه بعمق).

يجب ألا ننسى أن التغيير الذي نشهده في تكتيكات طهران يعود إلى مسألة واحدة: العقوبات الشاملة المفروضة على قطاع النفط والغاز الإيراني، والتي أفرغت خزائن نظام خامنئي. يخشى هذا النظام الانهيار، ما يدفع روحاني وحكومته إلى الظهور بمظهر المعتدلين، والساحرين، والمتواضعين. إذن، لا علاقة لهذا التغيير بأي مخاوف حقيقية بشأن الشعب الإيراني.

يدعي روحاني أن مهمته إقناع الغربي برفع العقوبات الحالية، ولتحقيق هذه الغاية، يتمتع بالسلطة والاستعداد الضروريين لتقديم صفقات اقتصادية جيدة، صفقات لم يسبق أن عُرضت على شركات أوروبية غربية، ولكن لا تنخدعوا، فلا يملك روحاني السلطة والاستعداد للسماح لبرنامج إيران النووي بأن يحيد عن الدرب المرسوم له.

إذن، يُشكل الدعم المتواصل من كلا الحزبين في مجلسَي الشيوخ والنواب الأميركيين للعقوبات الشاملة المفروضة على النظام الإيراني، بالإضافة إلى الدعم من حلفائنا، الأمل الوحيد لحل الأزمة النووية الإيرانية سلمياً. لذلك ذكر عضو الكونغرس إيد رويس، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إدارة أوباما بالوضع الغريب ذاته الذي واجهته الولايات المتحدة في تعاطيها مع كوريا الشمالية في سبتمبر عام 2005. فبعد سنتين من الجمود في المفاوضات بشأن البرنامج النووي الكوري الشمالي، وقعت كل الأطراف اتفاقاً أولياً اعتُبر بالغ الأهمية. اقتضى هذا الاتفاق بإنهاء كوريا الشمالية كل مساعيها النووية العسكرية، انضمامها إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، واستقبالها مجدداً مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في المقابل، تزودها الأطراف الأخرى بضمانات أمنية ومساعدات في مجالَي الطاقة والبنى التحتية. ولكن في شهر يوليو عام 2006، أجرت كوريا الشمالية تجارب على صواريخ بالستية. وفي أكتوبر عام 2006، أجرت اختباراً على جهاز نووي متفجر.

لنتخلص من وهم أننا نتعامل مع وجه جديد للنظام الإيراني، فعندما سأل مراسلون الخميني، حين كان في المنفى عاجزاً، عن نوع الحكومات الذي يتخيله في طهران، أجاب: "جمهورية ديمقراطية مثل ما نراه في فرنسا". وعندما ذكره البعض بهذا الجواب بعد إمساكه بزمام السلطة في إيران وسلطوا الضوء على أوجه الاختلاف الواضحة بين الجمهورية الإسلامية والحكومة في فرنسا، رد الخميني: "خودي كردم"، أي "خَدعت"، ولا شك أن حسن روحاني، وهو رجل دين، يألف جيداً هذا التعبير. يشير هذا المفهوم إلى تفوق أولويةٍ أو هدف أسمى على خطيئة الكذب والخداع، ففي هذه الحالة، لا يكون الخداع مسموحاً فحسب، بل يُعتبر ضرورياً أيضاً، وإن كان الخميني أبا الثورة الإسلامية، فروحاني ابنها الشرعي، وكما يُقال، الولد سر أبيه.

G. William Heiser & Amir Abbas Fakhravar

back to top