رقعة الشطرنج السورية والمناورات بين القوى الإقليمية والعالمية!

نشر في 09-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 09-06-2013 | 00:01
No Image Caption
هناك مدرسة في إسرائيل تعتبر الأسد «الشر الذي نعرفه»، أي عدو يمكن توقع خطواته ولا ينطوي على مخاطر... وقد تحل محله، إن سقط، مجموعة من الثوار المجاهدين، بعضهم تابع علانية لتنظيم «القاعدة».
 Karl Vick أعلنت المجموعة الرئيسية الشاملة التي تمثل الثوار السوريين على المسرح العالمي أنها لن تشارك في محادثات السلام المقترحة التي يُفترض أن تُعقد في جنيف في شهر يونيو. ولا شك في أن هذا رفض صريح يهمّش، على ما يبدو، دور الدبلوماسية في هذه الحرب الأهلية. لكن الدبلوماسية تسير على قدم وساق في الصراع السوري. حتى مع تنامي الفظائع في ساحة القتال، تُخاض هذه الحرب في جزء كبير منها بالكلام. ولعل الدليل الأفضل على ذلك التصريحات التي همشت إعلان الثوار مقاطعة جنيف خلال دورة الأخبار ذاتها: فقد ألمح الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة تلفزيونية إلى أن روسيا قد سلمته فعلاً بعض مكونات البطاريات المضادة للصواريخ من نوع S-300.

تُعتبر تعليقات الأسد جزءاً مما صُنف أساساً بـ"دبلوماسية السي إن إن"، أي استخدام محطات التلفزيون الفضائية لنقل رسالة ما. ما عاد هذا المصطلح يُستخدم اليوم. ويعود ذلك في جزء منه إلى أنه أصبح العرف المتبع، فضلاً عن توافر الكثير من البدائل الأخرى. ولكن في هذه الحالة، كان الوسيط بالغ الأهمية: فقد تحدث الرئيس السوري إلى "المنار"، محطة تلفزيونية فضائية يديرها "حزب الله"، الميليشيا اللبنانية التي تتلقى الدعم من سورية وجمهورية إيران الإسلامية. وقد عمدت هذه الذراع الدعائية الإعلامية إلى إبراز بعض أدق نقاط هذه المقابلة. يحب القادة العسكريون عادةً اقتباس كلمات كارل فون كلاوزفيتز عن أن الحرب امتداد للسياسة. لكننا لا نسمع مطلقاً دبلوماسياً يشير إلى معيار ماري بوبنز الأهم للمربية المثالية: "تحب الألعاب، كل الألعاب". لنتأمل في بعض الألعاب الدبلوماسية التي نشأت بسبب الصراع السوري:

«قرع طبول الحرب»

لا شك في أن صواريخ S-300 تشكّل تهديداً كبيراً لطائرات العدو الحربية. وعندما عقدت روسيا صفقة لبيع هذا النظام إلى إيران، خشيت وزارة الدفاع الأميركية من تداعيات خطوة مماثلة على القوة الجوية الأميركية. لذلك ضغطت واشنطن على موسكو طوال سنوات لتتراجع عن هذه الصفقة. وهذا ما حدث بالفعل عام 2010 تحت غطاء العقوبات الدولية التي تستهدف برنامج طهران النووي. لكن وعد روسيا بتسليم النظام ذاته إلى سورية لا يؤثر في مسار الحرب الأهلية بحد ذاته راهناً، بما أن الثوار لا يملكون طائرات.

إلا أن إسرائيل تتمتع بقوة جوية كبيرة. وإن حصلت سورية على نظام S-300، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي (بوغي) يعلون: "سنعلم عندئذٍ ما علينا فعله". ولا شك في أن هذا التلميح واضح، نظراً إلى عمليات إسرائيل الأخيرة: فقد نفّذت طائرات إف-16 الإسرائيلية ثلاث غارات خلال الأشهر الأربع الأخيرة داخل سورية، مستهدفةً أنظمة الأسلحة المتطورة عينها التي تُصنَّف صواريخ S-300 من بينها. كان يُفترض بهذه الهجمات أن تكون سرية، وأن تحول دون نقل تلك الأسلحة إلى "حزب الله". لذلك شدّدت إسرائيل علانية وعبر القنوات الخلفية على أنها لا تخوض حرباً ضد الأسد، مع أن كثيرين في إسرائيل يعتبرون سقوطه خطوة إيجابية (لأن ذلك سيحدّ كثيراً من قدرات "حزب الله" وبالتالي إيران، اللذين يرسلان المقاتلين لمساعدة الأسد). لكن مدرسة أخرى في إسرائيل تعتبر الأسد "الشر الذي نعرفه"، أي عدو يمكن توقع خطواته ولا ينطوي على مخاطر... وقد تحل محله، إن سقط، مجموعة من الثوار المجاهدين، بعضهم تابع علانية لتنظيم "القاعدة".

يذكر يفتاح شابير، مدير مشروع التوازن العسكري في معهد دراسات الأمن القومي (مؤسسة بارزة في تل أبيب تضم الكثير من متقاعدي أجهزة الأمن الإسرائيلية): "لم تنوِ إسرائيل التدخل. وما كان لهذه الهجمات المزعومة أي دخل بالثورة التي تشهدها سورية. فلا تتدخل إسرائيل لمصلحة هذا الطرف أو ذاك".

هذا هو الخط الرسمي المتّبع. فبعد تهديد يعلون المبطّن، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسؤولي الحكومة بالتزام الصمت بشأن سورية. لكن قائد قواته الجوية كان قد أعلن في منتدى مفتوح أن إسرائيل، في حال سقط الأسد، مستعدة لتنفيذ عمليات ضخمة هدفها التخلص في الحال من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وأنظمة الأسلحة المتطورة التي يملكها الجيش السوري. ولا شك في أن البديل (اختفاء الأسلحة في عالم تعمه الفوضى ويتحكم فيه تنظيم "القاعدة" وغيره من العناصر الإرهابية) يبرر المخاطرة التي قد تُقدم عليها إسرائيل بتدخلها في القتال، حسبما يوضح اللواء أمير آشيل. ويضيف: "قد نُضطر إلى اتخاذ خطوات واسعة النطاق خلال فترة قصيرة من الزمن".

دبلوماسية «الفيسبوك»

عبّر نتنياهو عن الفكرة ذاتها على موقع التواصل الاجتماعي الأول هذا في شهر مارس، حين برر قرار حكومته إصلاح علاقاتها مع تركيا: "ينبغي لتركيا وإسرائيل، اللتين تملكان حدوداً مشتركة مع سورية، أن تتمكنا من التواصل معاً. ويبدو هذا ملائماً أيضاً نظراً إلى التحديات الإقليمية الأخرى... تنهار سورية. وبدأت ترسانتها الواسعة من الأسلحة المتقدّمة تسقط بين أيدي عناصر مختلفة. لكن ما نخشاه حقّا أن تضع مجموعات إرهابية يدها على الأسلحة الكيماوية".

الدبلوماسية الوقائية

لعل الدليل الأبرز على أن إسرائيل لا تريد التدخل في الحرب الأهلية السورية تقليلها المستمر من شأن الحوادث التي تقع عند تلك الحدود المشتركة، التي لا تزال قائمة كجبهة عسكرية خلفتها حروب العقود الماضية. ففي أواخر الشهر الماضي، دخلت دورية راجلة تابعة لكتيبة استطلاع في لواء غولاني الإسرائيلي المنطقة الفاصلة بين الجبهتين. فرصدها جنود النظام ومنعوها من العودة إلى الجانب الإسرائيلي، مطلقين عليها قذائف الهاون. وقبل أن تتمكن قوات إسرائيلية أخرى من إنقاذها، لوحظ أن جنوداً سوريين متوجهين نحوها سيراً على الأقدام، ما دفع بالقادة الإسرائيليين إلى إطلاق النار وتدمير الموقع السوري. وعلى غرار الحادثة السابقة عندما تعرضت سيارة جيب تابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية لنيران من الجانب السوري، اقترح المسؤولون الإسرائيليون بكل بساطة أن إطلاق النيران قد يكون "غير متعمّد".

دبلوماسية السفن الحربية

انتقلت نحو اثنتي عشرة سفينة حربية روسية إلى المياه الإقليمية السورية قرب قاعدة طرطوس، حيث تشغّل روسيا وسورية قاعدة بحرية مشتركة (المنشأة الروسية الوحيدة في المياه الدافئة). تشير هذه الخطوة، التي تذكّر بالحرب الباردة، إلى التضامن مع الأسد. كذلك تشكّل تحذيراً مبطناً إلى تلك القوى (الولايات المتحدة، وتركيا، وغيرها من الدول السنّية التي تدعم الثوار، خصوصاً المملكة العربية السعودية وقطر) من أن روسيا ستدافع عن المصالح التي تمتعت بها منذ عقود في سورية، البلد الوحيد الذي يهمّ روسيا راهناً في الشرق الأوسط.

من المستبعد أن تشارك هذه السفن الحربية في القتال، مع أنها تتمتع، حسبما يُفترض، بالقدرة على جمع المعلومات. لكن وجودها رمزي في المقام الأول، شأنها في ذلك شأن نظام S-300، وفق شابير، محلل شؤون الدفاع الإسرائيلية. صحيح أن هذا النظام ممتاز، إلا أنه أكثر تعقيداً من أن يُجمَع في أقل من ستة أشهر. أضف إلى ذلك تحدي تدريب السوريين على استعماله.

قد ترسل روسيا كبديل مشغلين روساً. وهذا خيار تعتبره إسرائيل أقل خطورة. يذكر شابير: "ستعتبر روسيا هذه خطوة موازنة لبطاريات الباتريوت الست (التابعة لحلف شمال الأطلسي) التي نُصبت في تركيا على الحدود مع سورية. يشغّل أميركيون وألمان وهولنديون هذه البطاريات. وإذا أرسلت روسيا وحدات روسية تتألف من جنود روس، فلا شك في أن إسرائيل ستمتنع عن مهاجمتها".

في مطلق الأحوال، أعلنت روسيا أخيراً أنها لن تسلم سورية نظام S-300 قبل السنة المقبلة، على أقل تقدير. إذاً، ما كان سبب كل هذه الضجة؟ يجيب شابير: "أعتقد أن إعلان نقل هذا النظام مناورة روسية. إنها لعبة روسية تؤكد من خلالها للعالم بأسره أن لروسيا مصالح كبيرة في سورية وأن من الضروري عدم تجاهلها".

back to top