«تمجيد» أيام الموت في لبنان

نشر في 07-05-2013 | 00:01
آخر تحديث 07-05-2013 | 00:01
على أبواب ذكرى غزوة 7 مايو التي قامت بها مجموعات حزبية لبنانية واستباحت بيروت وبعض المناطق في جبل لبنان، نتذكر كيف اعتبر أمين عام {حزب الله} حسن نصرالله ذلك اليوم {يوماً مجيداً} من ضمن أيام الحزب {الإلهية} التي أصبحت كثيرة في لبنان.
قال أمين عام {حزب الله} حسن نصرالله عن غزوة 7 أيار (مايو) يوماً مجيداً، كلام ربما يصف به اليوم مشاركة عناصر حزبه في الحرب الدائرة في سورية، ويجعلنا نستذكر دائماً وأبداً كيف يختلف اللبنانيون حول توصيف الأمور والأشخاص، من الأمير فخر الدين إلى بشير الجميل، مروراً بالحرب الأهلية، ووصولاً إلى الشعر والزجل والثقافة وجبران خليل جبران وشعراء الجنوب والتراث...

مجّد إعلام {حزب الله} وقادته غزوة 7 أيار، بينما اعتبرها الإعلام الآخر يوماً مشؤوماً في تاريخ لبنان الحديث. تلك هي الثقافة القبيلة السائدة في لبنان منذ أكثر من 150 عاماً، تلك الثقافة القائمة على الغزو والاستباحة والصراع على شكل لبناني وتوصيفه وولائه وانتمائه بل وتوصيف الأحداث فيه. وما يمكن قوله إن هذا {اللبنان} أحد أكثر البلدان التي تتكرر فيها الأشياء والأحداث والحرب، والشعب ينسى ولا ينسى، يتذكر ولا يتذكر، كأنه ابن ساعته، مع كل حدث يدعو إلى طي صفحة الماضي من دون أن يقرأ سطراً فيها، وباتت الصفحات المطوية تشكل كتاباً ضخماً يمكن أن يدخل موسوعة {غينيس}.

 والصراع على توصيف الأيام في لبنان ما زال على الوتيرة نفسها. نسمع كثيراً عن انتفاضة 6 شباط (فبراير)، وهي {ثورة} في وجدان بعض اللبنانيين، ولكنها في الواقع كانت حرباً على الجيش اللبناني الرسمي. وإذا عدنا قليلاً إلى الوراء نجد من يسمي ثورة طانيوش شاهين الفلاحية {فتنة}، والأمر نفسه في أحداث 1958. حتى يوم 13 نيسان (أبريل) شبه الرسمي لبدء الحرب الأهلية في لبنان، ثمة التباس حوله وحول توصفه.

خلال سنوات ما بعد الحرب اللبنانية (1975 – 1990) أو ما بعد الطائف، اعتدنا أن نشاهد بعض الأعمال الفنية المستوحاة من ذاكرة {بوسطة عين الرمانة} و13 نيسان 1975. الراجح أن نبذ الحرب اللبنانية من خلال بعض الفنون أو الملصقات أو تسليط الضوء على رمزية «بوسطة عين الرمانة»، يغلب عليه الطابع «الفلكوري» إذا جاز التعبير، وشعارات «تنذكر ما بتنعاد» و{للذكرى... كي لا تتكرر».

لم يقرأ كثيرون تاريخ 13 نيسان بأوجهه المختلفة والمتناقضة. أوجه الاختلاف والتناقض في قراءة هذا التاريخ تكمن في ما وصلنا من ملصقات سياسية باقية من زمن الحرب الأهلية. في كتاب الباحثة اللبنانية زينة معاصري «ملامح النزاع، الملصق السياسي في الحرب الأهلية اللبنانية»، تبين أن حزب الكتائب اللبنانية أنتج ملصقات، من بينها ملصق أصدره جناحه العسكري في زمن الحرب المسمى «القوات اللبنانية» عام 1983 بعنوان «13 نيسان فجر الحرية». الصورة التي تبرز مقاتلين متأهبين للمعركة، من خلال الكفاح المسلح، تنبعث طاقة مشعة من المقاتلين وتتوسع الى خارج حدود الملصق، فهم كناية عن شمس تستهل دورتها اليومية الطبيعية «الفجر» في عام 1975 لتستكمل الحرية.

وما تصفه فئة من اللبنانيين (والفلسطينيين) يوماً مشؤوماً ودموياً، كانت فئة أخرى تعتبره خلال سنوات الحرب «فجراً للحرية». شكل تاريخ 13 نيسان 1975 المادة الرئيسة لملصقات إحياء الذكرى التي أعدتها «القوات اللبنانية» قبل أن تتحول سياستها بعد نهاية الحرب. وبما أن نشوء هذه القوات ارتبط باندلاع الحرب، يتضح سبب إيلائها أهمية خاصة لهذا التاريخ بخلاف الأطراف السياسية الأخرى. ففي أحد الملصقات تستخدم «القوات اللبنانية» تاريخ 13 نيسان لاستحضار ذكرى بشير الجميل، «متابعة المسيرة» هو عنوان الملصق الموقع من الفنان الكاريكاتوري الراحل بيار صادق، ويوضح فعل تمرير البندقية من مقاتل إلى آخر، المسيرة التي تنبغي متابعها، المقاتل الموجود في المقدمة بوجهه المعروف وهو بشير الجميل بزيّه الكاكي، وقد تلوت عضلات ساعده وهو يمرر البندقية إلى شخص يمثل أحد مقاتلي «القوات اللبنانية». وثمة ملصق قواتي آخر بعنوان «13 نيسان الوفاء بالوعد»، وملصق لمقاتل يقول: «أنا هنا»، وآخر يتضمن الخارطة اللبنانية وقد تمددت الأرزة اللبنانية على كامل مساحتها... وإلى جانب تاريخ 13 نيسان، حظيت منطقة عين الرمانة كمكان لحادثة البوسطة بكثير من الاهتمام في الملصقات القواتية والكتائبية، من بينها ملصق بعنوان «القضية اللبنانية/ كل عيون الدنيا تنام وتسهر عين الرمانة»، القضية اللبنانية صورت على شكل قبضاي يدوس ما يسمونه «قبائل الهمجية العربية».

حادثتان بشعتان

تقول زينة معاصري، في بحثها السوسيولوجي البصري، إنه علاوة على ملصقات كثيرة أصدرتها «القوات اللبنانية» إحياءً لذكرى 13 نيسان، و{قعنا على ملصقين وحيدين أنتجهما طرفان آخران، ويعالجان الحدث التاريخي نفسه»، فقد أصدرت «جبهة التحرير العربية» (فصيل فلسطيني مقاتل) ملصقاً يربط بين حادثتين بشعتين، منفصلتين زماناً ومكاناً، الرابط هو الضحايا المدنيون كما توثقهم الصور الفوتوغرافية بشكل فظ. يؤكد النص أن «هذا» (الميتات البشعة في الصور) ما فعلته الصهيونية في دير ياسين عام 1948، وهذا ما فعلته الكتائب في عين الرمانة عام 1975.

الملصق الآخر عن تاريخ 13 نيسان نشر عام 1984 ووقعه «أصدقاء حبيب الشرتوني» (القومي السوري المتهم بقتل الرئيس بشير الجميل). لا يتنكر الملصق لفعلة الشرتوني بل يمجدها. يشير شعار الملصق إلى الحكم «الأخلاقي» الذي أصدره «الشعب» بحق من اعتبره «جزاراً» لا ضحية، أي بشير الجميل. ويستحضر الملصق حادثة عين الرمانة، بوصفها «إحدى أبشع مجازرهم». يجرم العنوان بشير الجميل بوصفه المقترف غير المباشر للجرائم.

مع بدء المواسم الانتخابية تظهر أنياب الطوائف اللبنانية، عادت كل جماعة الى التمذهب في حده الأقصى، ما تجلى في 14 آذار بدا أكذوبة عابرة، كل طائفة تحاول التهام الطوائف الأخرى. ومع قانون الانتخاب كل طائفة تحاول وضع الشرك للطوائف الأخرى، تارة باسم المناصفة وطوراً باسم الوحدة الوطنية ومرة باسم حقوق الجماعات. ثمة ما يشير إلى أن الطوائف اللبنانية اعتادت الوصايات والانتدابات ولا تستطيع أن تحكم نفسها، ومع هبوب شبح النفط لننتظر الكثير من التوحش في السياسية اللبنانية.

كل شيء يتكرر في لبنان، وكل شيء يوصف بعكس ما هو، خصوصاً الأمور الحاصلة في الحرب، فلا عجب أن تتعاطى الجماعات اللبنانية مع مجرمي الحرب على أنهم أبطال دافعوا عن الأمة.

back to top