كاميليا... لغز عمره 63 عاماً؟ (1-3)

نشر في 22-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 22-07-2013 | 00:01
بعض الجرائم لا يمكن الوصول إلى فاعليها، فتظل عالقة في الهواء، لا القانون استطاع أن يكشفها ولا الشهود توصلوا إلى الفاعلين. على الرغم من ذلك يبقى الانتقام الإلهي قادراً، دون غيره، على تحقيق القصاص من المجرمين معدومي الضمير، الذين ساعدتهم الظروف في الهروب من فخ القبض عليهم، ناسين أن العدالة الإلهية لا تعرف عبارة «ضد مجهول».
مفردات الحادث الأليم:

الطائرة 903... نجمة ميرلاند... الواحدة والنصف صباحاً... الدلنجات بحيرة!

آخر ما قالته كاميليا على سلم الطائرة:

هي الدنيا حتطير

وآخر ما تبقى منها:

حذاء ستان أخضر... وتايير فستقي؟

كانت ليلة لا تنسى في سماء القاهرة، ثم فوق صحراء الدلنجات في محافظة البحيرة، تحديداً المنطقة المسماة بـ}دست}... ليلة دخلت تاريخ الفن والاستخبارات والعشق والغرام... من أوسع أبوابه!

ليلة ما زالت تحيط بها الألغاز والأسرار وعلامات الاستفهام الحائرة حتى الآن، على رغم مرور أكثر من 60 عاماً على الحادث المثير الذي احترقت فيه الطائرة {903 نجمة الميرلاند} وعلى متنها أجمل فنانة عرفتها شاشة السينما المصرية... كاميليا صاحبة الأنوثة الصاعقة التي وقع في غرامها كبار رجال الفن والسياسة. أحبها دون جوان مصر آنذاك وقدمها للسينما كاكتشاف ساحر. تزوجها وسط حسد كل نساء مصر على هذه الحسناء التي خطفت معشوق النساء. ووقع في غرامها كامل الشناوي ونظم فيها شعراً! وقال يوسف وهبي إنها لحست عقله... وطاردها رشدي أباظة، وذاب فيها عشقاً ملك مصر فاروق الأول والأخير!

 كان يمكن للناس أن يعتبروا الحادث الذي وقع ليلة 31 أغسطس عام 1950 قضاء وقدراً، وينتهي الأمر عند هذا الحد. لكن سرعان ما أحاطت الشبهات بالحادث. وكان هناك شبه إجماع على أن سقوط الطائرة كان مدبراً ومؤامرة دنيئة هدفها الوحيد التخلص من جميلة الجميلات كاميليا... ولو على حساب عشرات الركاب الذين كانوا معها على متن الطائرة المنكوبة. لكن اختلف الجميع على صاحب المؤامرة الذي دبرها وأشرف عليها. هل هو ملك مصر؟ أم هي وكالة المخابرات اليهودية، التي صار اسمها في ما بعد الموساد؟ وإذا كان الملك هو مدبر الحادث فلماذا قرر تصفية المرأة التي أحبها بجنون بهذا الشكل المرعب؟ أم أن ثمة من كانوا يحرصون على سمعة مصر فأرادوا أن يبعدوا ملك البلاد عن صديقته اليهودية؟ وإذا كانت وكالة المخابرات اليهودية هي المدبر، فلماذا؟ ما دامت كاميليا، كما أشاع البعض عنها، كانت تقدم لهم الخدمات التي تطلبها الوكالة!

ربما تكون الإجابات بين سطور وتفاصيل وأسرار الحادث، وربما يكون جزء مهم منها في حكايات غرام كاميليا بالكبار، فهذا يكتشفها ويقدمها إلى السينما، وذلك يهديها قصراً في قبرص، وذاك ينفق عليها كل ثروته كي تمنحه بضع ساعات من وقتها داخل فيلته! وبحثاً عن هذه الإجابات سنفتح هذا الملف شديد الغموض بشكل جديد وغير مسبوق، سنتعرف إلى كاميليا الإنسانة والأنثى والنجمة من المذكرات الخاصة للذين كانوا بالقرب منها، خصوصاً مذكرات والدتها التي تنفرد بجانب منها. كيف ظهرت؟ وكيف تألقت؟ وكيف قطعت المشوار الصعب من فتاة صعلوكة إلى نجمة يوشك ملك مصر أن يتزوجها بعدما طلق الملكة فريدة وقبل أيام من خطوبته للملكة ناريمان؟ لكن قبل هذا كله علينا أن نطلع على تحقيقات الحادث... وتفاصيل ما حدث في تلك الليلة لحظة بلحظة.

حذاء بلون التايور؟

على رغم أن الطائرة أقلعت من مطار القاهرة في الواحدة وخمس وثلاثين دقيقة فجراً، فإن أحداً لم يستطع الوصول إلى مكان الحادث إلا مع أول ضوء للنهار. تم العثور على حطام الطائرة التابعة لشركة T.W.A، لكن الغريب والعجيب أنه لم يتم العثور على حقائب أو مجوهرات أو نقود ضحايا الطائرة. لم يجد رجال النيابة والبوليس سوى بعض جوازات السفر والأوراق التي لا قيمة لها، بينما تجمعت أحذية الركاب في مكان واحد، وكان من بينها حذاء كاميليا المصنوع بلون التايور الذي كانت تلبسه. الحذاء ستان أخضر والتايور فستقي وهي الألوان التي كان يحبها الملك فاروق! وكانت الطائرة المنكوبة قادمة من بومباي وفي طريقها إلى لندن وكان توقفها في مطار القاهرة للتزود بالوقود وحمل المسافرين إلى لندن، ومن بينهم كاميليا.

السؤال: لماذا قررت كاميليا السفر؟ ثمة إجابتان، الأولى يؤكد أصحابها أنها كانت في طريقها لمقابلة الملك فاروق الذي كان ينتظرها خارج أرض الوطن بعيداً عن أعين الرقباء! والثانية، وهي الأرجح طبقاً للمقربين من كاميليا، أنها كانت في طريقها للعلاج من نزيف دائم لا يتوقف أتعبها نفسياً إلى درجة هائلة، وأنها حجزت لدى طبيب فرنسي أستاذ في طب النساء والولادة. لكن الغريب أن كاميليا كانت ضمن ركاب آخرين لم يؤكدوا الحجز في شركات الطيران، لهذا رفض موظف المطار أو مندوب الشركة في المطار على وجه الدقة إدراج اسمها ضمن المسافرين على الطائرة نجمة الميرلاند، لولا أن هذا الموظف تم إبلاغه بأن أحد المسافرين ألغى حجزه فعاد وسمح لكاميليا باستكمال إجراءات سفرها على الطائرة. والمثير أن الراكب الذي تخلف عن السفر كان الكاتب الصحافي أنيس منصور، وقد كتب مقالاً في ما بعد عنوانه {ماتت هي لأعيش أنا}.

كيف وقع الحادث؟

تفاصيل الحادث لحظة بلحظة يرويها الكاتب الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل من داخل مطار القاهرة وحتى مسرح النهاية في صحراء الدلنجات حيث سقطت الطائرة. ووصف هيكل مصرع كاميليا بأنها نار احترقت في نار. يقول:

بدأ القدر أول خطوة في لوحته المروعة في الساعة الثانية عشرة والنصف من صباح يوم الخميس آخر أيام أغسطس، وبدأ يختار أبطال لوحته في مطار فاروق!

كان مشهد المطار لحظتها عادياً... وكانت الطائرة رقم 903 نجمة ميرلاند قد هبطت أرض المطار قادمة من بومباي. ونزلت هيئة القيادة كي تترك الطائرة لهيئة قيادة جديدة تتولاها باقي الرحلة. وأمام الطائرة التقى القائدان، الذي انتهت نوبته والذي عليه الدور... وقال أولهما كابتن ريجنوز للثاني وهو الكابتن بوب:

- تسلم الطائرة... كل شيء فيها على ما يرام.

وصعدت هيئة القيادة الجديدة إلى الطائرة، وهكذا خطا القدر أولى خطواته. اختار الطائرة وهيئة قيادتها من الضحايا.

والسابعة

يمضي الأستاذ هيكل واصفاً ما كان يجري في المطار قائلاً:

وأقبلت السابعة تجري بعد قليل... وكانت فرنسية، طويلة، شقراء وجميلة. اسمها لورنزي وصاح بعض الركاب الذين كانوا قد فرغوا من إجراءات الجمارك والجوازات: هذه هي مضيفة الطائرة.

وصاح أحدهم بالمضيفة:

* متى نمشي؟!

وقالت البارسية الشقراء لورنزي وهي تنظر في ساعتها:

* بعد ربع ساعة... لا يزال هناك وقت!

وضحكت وهي تنظر لأحدهم قائلة:

* على أي حال، لن يكون هناك شيء تفعله الليلة إلا أن تنام... سوف تستيقظ في الصباح لتجد نفسك في بلد آخر!

وصعدت الباريسية الشقراء لتلحق بهيئة القيادة. وهكذا اختار القدر الضحية السابعة.

أنقذه القدر؟

وفي أرجاء المطار كان القدر يمهد للوحته بحكايات ساخرة وعجيبة. وقف رجل اسمه مستر فريمان أمام الأستاذ جمال زيتون من موظفي شركة الخطوط الجوية العالمية وقال له:

* ألا تفهم... يجب أن أسافر الليلة بالذات، وعلى هذه الطائرة. لا يمكنني الانتظار للغد!

وقال الموظف في أدب:

** آسف يا سيدي... لأنك لم تؤكد الحجز في مكتب القاهرة. وهكذا لم نرتب سفرك على هذه الطائرة.

وقال الرجل، مستر فريمان، للموظف:

* ولكني مضطر إلى السفر الآن!

ولجأ الموظف إلى مدير الحجز وأقبل المدير يقول للإنكليزي المتعجل:

** آسف يا سيدي، مكتب القاهرة لم يخبرنا بأنك أكدت حجز محلك. تنتظر إلى الغد وتأخذ الطائرة التالية.

واستدار مستر فريمان يائساً وانصرف وهكذا رفض القدر واحداً.

وأخذها معه؟

وأقبلت سيدة جميلة مسرعة، وعرفها بعض موظفي شركة الطيران. عرفوا أنها تسأل عن زوجها كابتن هاميت، أحد قواد الطائرة... ونزل لها زوجها ليسمعها تقول له في لهفة:

* ما رأيك، لوجئت معك؟!

ووجدها الكابتن تصر، وتدق الأرض عناداً بكعب حذائها الأنيق فقال لها:

** الطائرة مليئة، ولا يوجد بها مقعد خال.

وأراد أن يقنعها فمضى بها إلى مكتب الحجز في المطار، ووصلا في نفس اللحظة التي انصرف فيها الإنكليزي مستر فريمان يائساً، وقال الكابتن هاميت لموظف الحجز:

* أحاول أن أقنع زوجتي ومعها تذكرة مجانية مفتوحة، بأنه لا أماكن على هذه الطائرة، لكنها تصر، فقل لها أنت أنه لا يوجد مكان.

وابتسم الموظف مجاملاً وقال:

** من حسن الحظ أن أحد الركاب لم يؤكد حجز مقعده فمنعناه من السفر ومكانه خال حتى الآن.

وصاحت الزوجة في سعادة وهي تنظر إلى زوجها:

* إذاً... خذني معك!

وخط موظف الحجز اسمها بالقلم الرصاص على دفتر الركاب... وخط القدر اسمها في نفس اللحظة في لوحته. وأخذها زوجها معه.

 

قبل أن تطير الدنيا

وسمع في أرجاء المطار صوت الميكروفون يقول: ركاب الطائرة 903 يتفضلون إلى الطائرة. وفعلاً اتجهوا إليها... وكان هناك زحام على سلم الطائرة. وعلى أولى درجات السلم وقفت الممثلة الفاتنة كاميليا، وكان أحد موظفي الدعاية في شركة الطيران وهو الأستاذ حسن سمرة، قد استوقفها كي يلتقط لها أحد المصورين صورة تستغلها الشركة في الدعاية.

وقفت كاميليا تضحك والتقطوا لها صورتين... وصاحت ضاحكة {كمان صورة}.

وقال لها الأستاذ حسن سمرة: تكفي صورتان لأن الطائرة على وشك القيام... وقالت كاميليا في إصرار.

- يعني هي الدنيا ح تطير!!

... والتقطوا لها صورة ثالثة قبل أن تطير الدنيا، وأقفلوا عليهم الباب. صعد الركاب (48 راكباً) ثم أقفل باب الطائرة عليهم جميعاً، الأبطال الذين اختارهم القدر ووضعهم في الطائرة، وبدأت المحركات تدور... وانزلقت الطائرة في مماشي المطار، وارتفعت في الجو، ولوح بعض المودعين لأنوارها الحمراء والخضراء الطائرة مع النجوم. وكانت الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والثلاثين وسمع موظف اللاسلكي في مطار فاروق صوت قائد الطائرة يقول {أوكي} أي أن كل شيء على ما يرام... ومرت اثنتان وعشرون دقيقة صامتة. وفي الساعة الواحدة والدقيقة السابعة والأربعين انبعث من جهاز اللاسلكي في مطار فاروق صوت {سبيلز} ضابط اللاسلكي في الطائرة يقول:

* نجمة ميرلاند تنادي القاهرة. هل تسمعني؟

وردت محطة اللاسلكي في المطار:

** نحن معك.

وقال سبيلز:

* نحن الآن في طريقنا إلى البحر... الجو هادئ. كل شيء على ما يرام؟

شيء ما قد حدث

ومَرَّ نصف ساعة وتذكر موظف اللاسلكي في مطار فاروق أن الطائرة نجمة ميرلاند لم تتصل به للمرة الأخيرة قبل أن تغادر أراضي مصر كما تقضي القواعد... وبدأ يحاول الاتصال بها ولم يرد عليه أحد! وفي الساعة الرابعة بدأ القلق يستبد بموظف اللاسلكي فاتصل بمطار أثينا وكان المفروض أن الطائرة تتجه بموجاتها اللاسلكية إليه، بعد أن تعبر حدود مصر وتظل على اتصال به حتى تقترب من إيطاليا، فتتجه بموجاتها إلى مطار روما. وانطلقت الرسالة من مطار فاروق.

* القاهرة تنادى أثينا... هل اتصلت بك نجمة ميرلاند؟

وقالت أثينا إن الطائرة لم تتصل بها حتى الآن، واتصلت القاهرة بروما فجاء رد روما بأنها لم تتلق شيئاً من الطائرة. وفي الساعة الرابعة والنصف صباحاً كانت كل محطات اللاسلكي في شرق البحر الأبيض المتوسط على اتصال، تبحث في السماء عن نجمة ميرلاند. وفي الساعة الخامسة كان هناك يقين في كل هذه المحطات بأن شيئاً ما قد حدث للطائرة.

جثث كثيرة

في الساعة الخامسة والنصف صباحاً كانت أول خيوط الشمس تسقط على الرمال عند حدود مديرية البحيرة مع الصحراء. عند قرية {دست} ومن مvركز كوم حمادة تحرك قطار صغير تابع لشركة خطوط الدلتا، وكان القطار في طريقه إلى المحاجر في وادي النطرون، وشاهد ركابه حطام الطائرة في الصحراء، فأبلغوا البوليس مؤكدين وجود جثث كثيرة فوق الرمال. وطار الخبر إلى كل أنحاء مصر.

 

الجميلة والملك

تكهرب الجو... أخيراً عرف الجميع مصير الطائرة التي اختفت من السماء. ونزل خبر مصرع كاميليا كالصاعقة على الرأي العام... وقبل أن يبدأ أي تحقيق رسمي قال كثيرون:

* قتلها الملك فاروق!

أصبحت جميلة الجميلات دمعة داخل كل عين وحكاية فوق كل لسان وحزناً داخل القلوب... وتساءل الناس: لماذا يقتلها الملك بهذه الصورة الوحشية... هل معكم دليل.

وأجابوا من دون تردد:

** نعم... معنا الدليل!

(البقية في الحلقة المقبلة)

back to top