إعادة ضبط سياسة أوباما الخارجية والانتقال إلى مرحلة «الهجوم»!

نشر في 12-06-2013
آخر تحديث 12-06-2013 | 00:01
 لوس أنجلس تايمز يبعث تعيين سوزان رايس مستشارةً للأمن القومي برسالة مهمة عن نوع السياسة الخارجية التي يريدها الرئيس الأميركي باراك أوباما في ما تبقى من ولايته الثانية: سياسة ناشطة، وحازمة، وأحياناً شرسة. لم يتبقَّ لأوباما سوى ثلاث سنوات ليصوغ لنفسه إرثاً في شؤون العالم، لذلك قرر، على ما يبدو، الانتقال من الدفاع إلى الهجوم.

خلال جزء كبير من ولاية أوباما الأولى، طغت على سياسته الخارجية مشاكل ورثها عن جورج بوش الابن: إنهاء الحرب الأميركية في العراق، والحدّ من الحرب الأميركية في أفغانستان، ومواصلة أو بالأحرى تصعيد حرب الطائرات بدون طيار ضد تنظيم "القاعدة" وحلفائه.

صحيح أن أوباما أقدم على مبادرات خاصة به، إلا أنها لم تفضِ كلها إلى نتائج إيجابية، فقد قام بمحاولة غير مدروسة لإعادة إطلاق محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، إلا أنه أخفق. كذلك سعى إلى "إعادة ضبط" العلاقات مع روسيا فلاديمير بوتين، بيد أنه مُني بخيبة أمل، وشدد العقوبات ضد إيران وبدأ مفاوضات، غير أن برنامج طهران النووي لم يتوقف مطلقاً.

لذلك عندما ترشح لولاية ثانية، ما كان يملك الكثير ليفخر به غير قتل أسامة بن لادن والانسحاب من العراق. صحيح أن هذا كان كافياً ليبقى في البيت الأبيض، لكنه ليس الإرث الذي يودّ أن يُكتب عنه في كتب التاريخ.

ركّز فريق أوباما الأول، الذي عُني بالسياسة الخارجية، على الدفاع. لا شك أن رئيس الجيل الجديد هذا هاجم خلال حملته الانتخابية مؤسسة السياسة الخارجية التي أقحمتنا في مستنقع العراق، ولكن بعدما تسلّم زمام السلطة، لم يبحث عن مفكرين يملكون رؤية مميزة، بل عيّن شخصيات مطمئنة من المؤسسة ذاتها، مثل هيلاري رودهام كلينتون وروبرت غيتس.

صحيح أن مستشاره للأمن القومي، توماس إ. دونيلون، لم يبرز كثيراً، لكنه نجح في تسيير عملية السياسة الخارجية. عانى عدد كبير من الرؤساء، أمثال جيمي كارتر، رونالد ريغان، بيل كلينتون، جورج بوش الابن، الفوضى الداخلية والكوارث الخارجية خلال ولايتهم الأولى. ومع أن سنوات أوباما الأربع الأولى لا تُعتبر مثالية، تبدو جيدة جداً بالمقارنة.

ولكن ما عاد أوباما يحتاج خلال ولايته الثانية إلى "فريق خصوم" خرافي ليوازن عدم خبرته. على العكس، عيّن أناساً لطالما كانوا مقربين منه: زميلَيه السابقَين في مجلس الشيوخ جون كيري وتشاك هيغل، فضلاً عن أحد مستشاريه الأوائل خلال حملته، سوزان رايس.

يُعتبر أسلوب رايس مختلفاً تماماً عما اعتمده دونيلون. فقد اعتاد هذا الأخير العمل بدقة وحذر، متفادياً البروز، أما هي، فمناظِرة متهورة وصريحة جداً في مجال السياسة الخارجية. فقد أخبرت ذات مرة مؤلفي كتاب عن النساء القويات: "يعرف الناس أن عليهم ألا يعبثوا معي، وإن حاولوا، أُلقنهم درساً".

يتمحور السؤال الذي يشغل بال سياسي واشنطن اليوم حول ما إذا كانت رايس تستطيع أن ترتقي في وجهات نظرها لتصبح "الوسيط النزيه" الذي يُفترض أن يكونه مستشار الأمن القومي. يؤكد الدبلوماسيون الذين تعاملوا معها أنها تملك وجهة نظر عالمية وأنها تسعى إلى تحقيقها.

ولكن ما وجهة النظر العالمية هذه؟ لا عجب أن تكون قريبة جداً من وجهة نظر أوباما، فتؤمن رايس باستخدام قوة الولايات المتحدة إنما بالتعاون مع دول أخرى. في عام 2013، عبّرت رايس عن شكوكها حيال كلفة الحرب في العراق ومدى صعوبتها وتعقيدها، مع أنها لم تعارضها بشدة مثل أوباما. وفي عام 2011، كانت أحد اللاعبين الرئيسيين الذين دعوا إلى تدخل عسكري أميركي في ليبيا، شرط أن يُنفّذ بالتعاون مع دول أخرى ويحظى بموافقة مجلس الأمن في الأمم المتحدة.

علاوة على ذلك، تبدو رايس متحمسة جدّاً بشأن التدخل لوقف الكوارث الإنسانية، وتُعتبر حماستها هذه من انعكاسات تجربتها في مجلس الأمن القومي عام 1994، حين أخفقت إدارة كلينتون في وقف مجزرة ذهب ضحيتها مئات الآلاف في رواندا. تذكر: "أقسمت أنني إذا واجهت أزمة مماثلة يوماً، سأدعم بكل ما أوتيت من قوة اتخاذ خطوات فاعلة، سأدعمه بشراسة إذا اقتضى الأمر". وقبل أربع سنوات، بكت في الحفل الذي أقيم في الأمم المتحدة، إحياءً لذكرى هذه المجزرة.

لا يعني ذلك بالضرورة أن رايس تؤيد التدخل العسكري الأميركي في سورية، فكرة يرفضها أوباما. يذكر المسؤولون أن أوباما ورايس كليهما يقيّمان السؤال العملي ذاته الذي واجهته الولايات المتحدة في ليبيا قبل سنتين: هل يؤدي العمل العسكري بوضوح إلى نتائج إيجابية؟ ما زال الجواب "لا" حتى اليوم.

لكن ذلك لا يعني أن أوباما مرتاح كفاية للمناظرات المحتدمة، حتى إنه قرر تعيين أحد أبرز أنصار التدخل الإنساني على رأس فريق السياسة الخارجية في إدارته. على العكس، أظهرت هذه وخطوات أخرى أن أوباما يرغب في "اتباع السبل ذاتها، محققاً رغم ذلك إنجازات كبرى"، كما وصف أسلوب رايس الأسبوع الماضي.

شجّع أوباما كيري على السعي مرة أخرى لإعادة إطلاق المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، ولا شك أن هذه استراتيجية ترفع الحرج عن الرئيس، في حال أخفقت هذه المحاولة التي يُستبعد أن تنجح.

علاوة على ذلك، يسير أوباما نحو جولة جديدة من تخفيض الأسلحة النووية مع روسيا، وهي خطوة توفر المال وتشجّع تعاون الدول الأخرى في مسألة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية (مع أنه سيواجه معارضة قوية من الجمهوريين في الكونغرس).

يدرس أوباما أيضاً اقتراحاً شاملاً في الشأن الإيراني يقضي بحدّ العقوبات الاقتصادية وتحسين العلاقات الدبلوماسية مقابل تجميد مؤكّد لبرنامج طهران النووي، وتُعتبر هذه مناورة أخيرة لدفع هذه المحادثات نحو الأمام.

أضف إلى ذلك لائحة طويلة من القضايا العالقة من ولايته الأولى: تحديد علاقة الولايات المتحدة المعقّدة مع الصين، وسحب القوات الأميركية من أفغانستان، ودعم الديمقراطيات الناشئة في العالم العربي، والحؤول دون تحوّل الحرب الأهلية السورية إلى كارثة إقليمية.

تُعتبر الولاية الثانية فرصة ثانية، ويشير اختيار أوباما لكبار مسؤولي السياسة الخارجية في إدارته إلى أنه ينوي استغلال هذه الفرصة. ركّزت ولاية الرئيس الأولى على إعادة صوغ صورة الولايات المتحدة بعد ثماني سنوات من عهد بوش، فضلاً عن الحدّ من المخاطر سعياً إلى البقاء في السلطة لأربع سنوات إضافية. أما في ولايته الثانية، فيبدو مستعداً بعد التخلص من هذا الضغط للإقدام على بعض المناورات الجريئة.

* دويل ماكمانوس | Doyle McManus

back to top