الأصوليون مفتاح السلام في الشرق الأوسط

نشر في 01-05-2013 | 00:01
آخر تحديث 01-05-2013 | 00:01
No Image Caption
 Jonathan Freedland يقوم الرابط الذي يجمع ائتلاف نتنياهو الجديد على استعداده لمواجهة المتشددين دينياً، مع الإصرار على أنهم عوملوا برقة لفترة طويلة، فما انفكوا يأخذون الكثير من الدولة من دون أن يقدموا لها في المقابل ما يُذكر.

يدرك الجميع أن المتدينين الأصوليين يشكلون جزءاً من مشكلة الشرق الأوسط، ويعرف الكل أن المتطرفين المسلمين واليهود يزيدون الوضع تعقيداً في تلك المنطقة، معطلين بذلك اليوم الذي يتوصل فيه الفلسطينيون والإسرائيليون إلى طريق التعايش معاً بسلام، ويعلم الجميع أن الكاتب الإسرائيلي المشهور عاموس عوز كان محقاً في قوله إن هذا الصراع، ما دام "حرباً على منطقة عقارية"، يُمكن أن يُحل، ولكن عندما يتحول إلى حرب مقدسة، تصبح الكارثة وشيكة.

ولكن ماذا لو كان هذا الطرح غير دقيق؟ أو بالأحرى، ماذا لو كان هذا الطرح يجمع المتشددين الدينيين معاً بشكل عشوائي، فيشمل خطأ فريقاً قد لا يكون جزءاً من المشكلة، بل ربما يملك مفتاح الحل؟

ينشأ هذا السؤال بسبب أحد التأثيرات الجانبية غير المتوقعة للانتخابات الإسرائيلية الأخيرة والائتلاف الجديد الذي نجم عنها، فللمرة الأولى منذ سنوات، تجد الأحزاب اليهودية المتشددة نفسها في المعارض، جالسة على المقعد ذاته مع حزب العمل وحزب "ميرتس" المدافع عن الحقوق المدنية، فضلا عن 11 عضواً من الأحزاب العربية الرئيسة التي تمثل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. إذن، بعد أن أمضت الأحزاب المتشددة، زمناً طويلاً في الائتلافات الحاكمة، باتت خارجها في الوقت الحاضر على الأقل. لكن هذا الواقع البسيط يشير إلى احتمال معقد.

دعونا أولاً نوضح بعض التفاصيل. ثمة حزبَان متشددان: الأول حزب يهودية التوراة الموحدة، الذي يتحدث باسم اليهود المتدينين من الأشكينازي، والذي ما زال قادته يرتدون الملابس المميزة للمجموعات اليهودية المتشددة من أوروبا الشرقية؛ والثاني شاس، الذي يسعى إلى تمثيل اليهود ممن يملكون خلفية شرق أوسطية أو شمال إفريقية. صحيح أن أوجه الاختلاف كثيرة بينهما، إلا أن الفجوة الأهم تكمن بينهما وبين ما يُدعى "المعسكر المتدين الوطني"، الذي تمكنت ذراعه السياسية، حزب البيت اليهودي برئاسة نفتالي بينيت، من الانضمام إلى الحكومة خلال الانتخابات الأخيرة. ويُعتبر بينيت، من بين آخرين، بطل المستوطنين اليهود المتدينين في الضفة الغربية، هؤلاء الذين يرتبط إيمانهم ارتباطا وثيقا بنوع من القومية المتشددة.

طوال سنوات، نجح المعسكران (المتشددون دينياً والمتدينون القوميون) في التعايش معاً بسعادة، حتى إن قادتهم اعتادوا الجلوس جنبا إلى جنب، مشكلين ائتلافاً. كذلك صعُب التمييز بينهما، مع تقبل الأحزاب المتشددة لانجراف الحكومة الأخيرة التدريجي نحو اليمين.

إلا أن هذا التحالف القديم بلغ نهايته راهنا، ففي حين يتمتع المتدينون القوميون اليوم بأفضل المقاعد على طاولة الحكومة، بات شركاؤهم السابقون خارجها، مختبرين ألم الانضمام إلى المعارضة. علاوة على ذلك، بدأت الخلافات بين هذين الفريقين تشتد.

يقوم الرابط الذي يجمع ائتلاف بنيامين نتنياهو الجديد على استعداده لمواجهة المتشددين دينياً، مع الإصرار على أنهم عوملوا برقة لفترة طويلة، فما انفكوا يأخذون الكثير من الدولة من دون أن يقدموا لها في المقابل ما يُذكر. تشكل هذه الرسالة الأبرز ليائير لابيد، مقدم البرامج التلفزيونية الذي خرج من الانتخابات كأحد أكبر فائزيها وصناع الائتلاف الحاكم. ولكن لقاء الحصول على دعمه، اضطر نتنياهو أن يؤيد وعد حملة لابيد "المشاركة في العبء". تطالب هذه الحملة بأن يقبل المتشددون دينياً، على غرار الجميع، بإرسال أولادهم إلى الجيش أو قيامهم بنوع من الخدمة الوطنية مع بلوغهم سن الثامنة عشرة، ما يعني نهاية عفو تمتع به الطلاب المتدينون منذ تأسيس الدولة اليهودية. وما يشكل أيضا تهديداً لنمط حياة إصرار لابيد على خفض المساعدات الحكومية الضخمة التي تمول المدارس والأكاديميات المتشددة دينياً، فضلا عن عائلات الحريديين التي تكون عادة كبيرة. وقد بدأت لابيد، الذي يحتل منصب وزير المالية، يسن سكينه.

لا شك أن وقع هذا الاعتداء المزدوج كان قاسياً على الحريديين، الذين يوجهون غضبهم إلى لابيد، وإنما بشراسة أكبر، إلى بينيت. فهم يعتبرون أن هذا الأخير خان إخوانه المتدينين بمشاركته في ائتلاف يهدد نمط حياتهم. وهكذا اتسعت فجأة الفجوة العقائدية بين المتشددين من الحريديين والمتشددين من القوميين، حتى باتت واضحة للجميع. ولا شك أن هذه الفجوة بشعة، فبعد أن عانى الحريديون ألم التعرض للرفض من حلفائهم السابقين، ضربوا المعسكر القومي في نقطة ضعفه: هددوا بدعم تجميد للمستوطنات أو حتى مقاطعة منتجاتها.

على كل مَن يحلمون بانتهاء الاحتلال أن يراقبوا هذه الفجوة عن كثب. فهي أكثر من مجرد خلاف عائلي بين مَن يرتدون أنواعا مختلفة من أغطيت الرأس، مع أنها قد لا تبدو كذلك. تشير الحسابات الصعبة في السياسات الإسرائيلية إلى أن الأحزاب المتشددة دينيا تتحكم عادة بما يُقارب العشرين مقعدا من مقاعد الكنيست المئة والعشرين، ما يجعلهم كتلة أساسية أو حتى حاسمة في تشكيل الائتلافات. ففي حال أدت أصوات الكتل اليمينية واليسارية الوسطية إلى حالة جمود، كما يحدث غالباً، يعود إلى الحريديين تحديد مَن سيحكم: القوى المستعدة لفعل كل ما هو ضروري لتطبيق حل إقامة دولتَين أو القوى التي ترفض ذلك.

من غير المستغرب الاعتقاد أن الحريديين قد يفضلون ذات يوم اليسار على اليمين، فهذا يبدو منطقيا من الناحية العقائدية. تاريخياً، تعاطى اليهود المتشددون دينياً بتردد أو حتى بعدائية مع الصهيونية بحد ذاتها. فقد اعتبر كثيرون منهم تنظيم اليهود أنفسهم للعودة إلى صهيون استباقاً مشيناً لإرادة الله، في حين أن "جمع المنفيين" يقتصر على القدير فحسب. ونظراً إلى موقفهم هذا من إسرائيل بحد ذاتها، لا يولون أهمية كبرى لمشروع الاستيطان. حتى إن عدداً كبيراً من الحاخامات الحكماء أشاروا إلى أن على الإسرائيليين، إن تلقوا عرض سلام حقيقياً، اتباع واجبهم الديني والتخلي عن الأراضي لأن حتى أقدس الأراضي لا تُعتبر أكثر قدسية من الحياة. علاوة على ذلك، تشمل اليهودية المتشددة حظر "الإساءة إلى الأمم غير اليهودية" واتباع مسار يستفز العالم، إلا أن هذا بالتحديد ما يقوم به احتلال ما بعد 1967.

يُظهر الواقع العملي أن أي حكومة مؤلفة من الحمائم، حتى حكومة قد تكون ملتزمة بإنهاء الاحتلال، تعطي الحريديين ما يريدون (الإعفاء من الخدمة العسكرية والكثير من التمويل)، ستنال على الأرجح بركة الأحزاب المتشددة دينيا. ولا شك أن اليسار الإسرائيلي سيستصعب تقبل أمر مماثل. يذكر دانيال ليفي، الذي يدير برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "على الإسرائيليين الليبراليين القيام بخيار. فما هو الأهم: خدمة الحريديين في الجيش أم حل إقامة دولتين؟".

لكن هذه المسألة لا تقتصر على اليسار في إسرائيل وحده، فعلى العالم بأسره القيام بدور مهم. عندما كان بيل كلينتون يشرف على عملية السلام الناجحة في أيرلندا الشمالية، تكبد عناء مقابلة الجميع. فقد حظيت حتى أصغر المجموعات المنشقة بلقاء وجهاً لوجه مع رئيس الولايات المتحدة. أدرك كلينتون أن لكل صوت أهمية. وينبغي لباراك أوباما وجون كيري (حتى وليام هيغ) أخذ هذا في الاعتبار. لا تكتفوا بمقابلة قادة الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل التقوا أيضا كل الرجال أو النساء الذين قد يؤلفون الحكومة التالية، بمن فيهم المتشددون دينيا الذين ربما يملكون مفتاح السلام.

back to top