جلال زنكَابادي: لو عاد الخيّام لعجز عن فرز رباعيّاته (1-2)

نشر في 07-01-2013 | 00:02
آخر تحديث 07-01-2013 | 00:02
No Image Caption
جلال حسين محمد زنكَابادي (1951) شاعر، ومترجم وباحث عراقي باللغتين العربيّة والكرديّة، ويترجم إليهما عن: الفارسية والإنكَليزية والإسبانية والآذرية... صدر له 20 كتاباً ورقيّاً ونشر أكثر من عشرة كتب مؤلّفة ومترجمة على صفحات المجلاّت بمثابة «كتاب العدد» وعلى صفحات الإنترنت، وله قيد النشر أكثر من 10 كتب. بصفته خيّاملوجيّا ً(أي ينتسب الى عمر الخيام) في مشهدي الثقافتين الكرديّة والعربيّة؛ حاورناه بخصوص هذا المحور من محاور حراكه الثقافي؛ ليلقي الضوء على الخيّام «ماليْ الدنيا...».
بمَ تعلّل اهتمامك الزائد بعمر الخيام؟

رغم علاقتي العتيدة برباعيّات الخيّام، لم يخطر على بالي أن أترجمها أو أن أكتب عن الخيّام وآثاره ذات يوم، إلاّ في 2003 إثر تراكم هائل من المعلومات أيقنني بفقر «الكرديّة» المدقع في الخيّاملوجيا، والكم الهائل من الأغلاط والأوهام في غالبية الترجمات والدراسات بالعربيّة. ثمّ راحت تراودني فكرة ترجمة الرباعيّات الأصيلة (حصراً) إلى الكرديّة والعربيّة، ومن ثمّ انصبّ اهتمامي على الشأن الخيّامي وتوسّع وتركّز اشتغالي عليه في طور نقاهتي بعد عارض صحي، حيث وجدت ما يعزّيني ويسلو قلبي في الرباعيّات بطروحاتها الأثيرة عن الحياة والموت، والتي لولا دقات أجراسها المنذرة بخطر رحيلي الأبدي؛ لما انعكفت على إنقاذ تآليفي وترجماتي باستكمالها وإعدادها للنشر، وفعلاً أفلحت في نشر 12 كتاباً خلال -2010 2012. وطبعاً ثمة سبب موضوعي وهو كون الخيّام بضعة أعلام في إنسان واحد: عالم في بضعة علوم، وفيلسوف وأديب... ومحسوب على الثقافتين العربيّة والفارسيّة... وعبر إطلاعي- ببضع لغات شرقيّة وغربيّة- على مئات الكتب والمقالات والدراسات؛ اكتشفت الكثير من الأغاليط والأضاليل والأوهام، التي تستوجب التفنيد والتصويب، لا سيّما عدد رباعيّاته الحقيقيّة ومستويات ترجماتها المتعددة (في الكرديّة والعربيّة بالأخص) حيث وجدت نفسي مؤهّلاً وقادراً على خوض غمار البحث والتحقيق والترجمة كخيّاملوجي إيراني (غير أجنبي) مسنوداً بالفارسيّة لغتي الأم الثالثة بعد الكرديّة والعربيّة، وتماسي مع بضع لغات أخرى. وسيبلغ مجموع كتبي الخيّاملوجيّة نحو 15 كتاباً.

حسناً... كيف تعلّل اهتمام المترجمين والباحثين الزائد بعمر الخيام؟

السؤال تعميم لسابقه، الذي تنطوي إجابته على التعليل إلى حدّ ما. لم يخل الاهتمام من هستيريا؛ إذ راح كلّ من هبّ دبّ يدلو بدلوه في الشأن الخيّامي (كتابةً أو ترجمةً أو معاً)؛ لعلّه يحظى بحفنة حمّص من «المولود»! ولذا «قد يندر في العالم قاطبةً وجود كتاب كـ «رباعيّات الخيّام» أُستُحسِنَ، رُفِض ونُبِذَ، حُرِّفَ، وافتري عليه بهتاناً، وأُدينَ، وحُلِّجَ تحليجا، ونال الشهرة العالميّة، وظلَّ، من ثمّ، مجهولاً غامضاً!»، على حدّ تشخيص الأديب صادق هدايت. ولأكثر من سبب؛ تلغزت شخصيّة الخيّام؛ بحيث واجه الخيّاملوجيّون لغزاً شبيهاً باللغزين: «الهوميري» و{الشكسبيري» وما زال حلّه غير محسوم، لكنه ليس بمعضلة عصيّة على الحلّ؛ إذا ما عمل الباحث المؤهّل بصبر وجلد وأناة؛ لأن الحل يستوجب المزيد من الأبحاث الموضوعيّة الشاملة والمعمّقة، مع تحاشي الإنجرار وراء المقاصد الذاتيّة كمثل سعي صادق هدايت إلى إيجاد صنوٍ «أبيكوري» له من القرن الخامس الهجري ! وكما فعل مخالفوه بفبركة خيّام «متأسلم»، ومثلما راح أكثر الغربيّين يفبركون خيّاماً «كافراً وماجناً خليعاً»؛ لتحقيق مآربهم!

وما هي سبل الحلّ في رأيك؟

لعلّ السبل الآتية تكفل للباحث تحقيق قسط  كبير من الحلّ المنشود:

-1 تشخيص معاصريّ الخيّام وأقوالهم عنه وعن أعماله، خصوصاً الذين التقاهم والتقوه.

-2 جمع كل ما قيل عنه وعن أعماله في المصادر القديمة في عصره والقريبة من عصره.

-3 استقراء جميع المؤلفات المنسوبة إليه، لا سيّما أشعاره العربيّة والرباعيّات الفارسيّة وغيرها.

-4 تمشيط دواوين الشعراء الإيرانيين قبل الخيّام وبعده والمعاصرين له...

-5 دراسة المصادر القديمة والحديثة التي تتناول عصره: سقوط الدولة البويهيّة، قيام الدولة السّلجوقيّة، اندلاع الحروب الصّليبيّة، وانبعاث الإسماعيليّة = النزارية.

-6 عدم الركون إلى/ والتسليم بالأحكام والآراء التقليديّة المتوارثة على عواهنها؛ باتباع الطريقة العلميّة في جمع وغربلة وتمحيص كلّ ما سلف مع الاستعانة بالدراسات الحديثة؛ بغية تشييد عالم الخيّام الافتراضي الأقرب إلى الواقع والحقيقة.

أليست هناك مبالغة في كثرة ترجمات الرباعيات والبحث عن سيرة صاحبها؟

بلى... بالتأكيد، وتنطوي إجابات الأسئلة السابقة على تعليلها؛ فالعدد الهائل من الترجمات والكتابات مقابل النوع النادر جليّ في الخيّاملوجيا؛ بل «يستحيل تقريباً إعداد كشّافٍ وافٍ بكلّ الترجمات والكتابات عن الخيّام، في القرن الأخير»، حسب الخيّاملوجي الفرنسي بيير باسكال؛ فقد صدر ونشر عن الخيّام ورباعيّاته وآثاره العلميّة والفكريّة أكثر من 3 آلاف كتاب ومبحث حتى عام 1960، وبالتأكيد تضاعف هذا العدد؛ خصوصاً إثر ظهور النت؛ بل لم يحظ أديب عالمي آخر بما حظي به الخيّام غير القلائل أمثال: شكسبير، كافكا ولوركا... والحال طبعاً أشبه ما تكون بالنشر المنفلت على النت؛ ففي أكثر من 100 لغة ولهجة قلّما نجد ترجمات جيّدة (دقيقة في نقل المعني والأسلوب) والحكم نفسه ينسحب على آلاف الكتب والمقالات والدراسات في الشأن الخيّامي، لا سيّما رباعيّاته، حتى أكثر الكتب باللغة الفارسيّة نفسها! هنا أتساءل: هل من قوّة أو سلطة يمكن أن تردع الدخلاء والمتطفلين على ترجمة رباعيّات الخيّام والكتابة (باجترار مقرف) عنه وعن أعماله؟!

طبعاً لا توجد، مع ذلك أتساءل: ألم يكن للاستشراق الدور البارز في صناعة الخيّام؟

ليس للاستشراق (والمروّجين لطروحاته) سوى دور ضئيل ويكاد أن يقتصر على ترويج «الرباعيّات الدخيلة والمدسوسة المستنكرة» ولم تكن غايته إعادة تصدير الرباعيّات الخيّاميّة إلى الشرق، وإنما لحاجة النهضة العلمانيّة الأوربية لطروحاتها، تزامناً مع ظهور التيّارات الفكريّة والفلسفيّة والعلميّة والسياسيّة الناهضة: الماركسيّة، الوجوديّة والفرويديّة... وأحسب مفردة «صناعة» مرفوضة بحق الخيّام؛ فليس الخيّام

بـ «العلم المصطنع» وإنما هو علاّمة موسوعي كبير من أعلام العلوم والفلسفة على المستوى العالمي، حتى لو جُرّد من أشعاره الفارسيّة. حشر «الاستشراق» في الشأن الخيّامي ناجم عن «نظريّة المؤامرة»، ولم يكترث به حتى كبار الخيّاملوجيين الإيرانيين المناهضين للرباعيّات المستنكرة، وتبعاً لهذه النظرية نشر أحدهم (شامل عبدالعزيز) مقالاً عنوانه «رباعيّات عمر الخيّام كتبها اليهود» في «الحوار المتمدّن».

ثمة باحثون ينفون انتساب الرباعيّات إلى الخيّام، ومن بينهم المستشرق الألماني هانس شيدر الذي صرّح (بكلّ يقين!) في مؤتمر استشراقي في بون (1934): «إنّ الحكيم والعالم الرياضي عمر الخيّام لمْ ينظمْ أيّ شعر يُذكَر، وإن هذه الرباعيّات المنسوبة إليه، هي صورة من الشعر الباطني، الذي راج في عهد سيطرة المغول، وشاع فيه الفساد في عهد حكم السّلاجقة؛ ولذا آن الأوان لحذف اسمه من تاريخ الأدب الإيراني»! ثمّ تلاه الباحث صديقي نخجواني في «الخيّام المتصَوّر وجواب أفكاره القلندريّة» (1941) ساعياً إلى الفصل بين الخيّام صاحب الرباعيّات والخيّام الحكيم والفيلسوف، ومن ثمّ جاء محمّد محيط طباطبائي (ت :1991) ليقتفي أثرهما بمقالته «من عمر الخيّامي الحكيم إلى عمر الخيّام الشاعر» وراح يعمّق طروحاته لاحقاً بـ 15 مقالة مقابلات وحوارات عدة، انتظمت لاحقاً في كتابه «الخيّامي أو الخيّام» 1991.

يبدو لي أنه لا بدّ من وجود أساس لشكّ طباطبائي في كون العالم والفيلسوف عمر الخيّام شاعراً؛ فما هو؟

إنه يستند إلى عدم تصريح عمر الخيّام بأنه شاعر في أيّ محفل... وفي أيّ مؤلّف له، وعدم وجود أيّة إشارة إليه بوصفه شاعراً لدى مجايليه وتلامذته، فضلاً عن اختلاف وتضارب الأخبار المتعلّقة بشأنه إنساناً، عالماً، وفيلسوفاً... بالإضافة إلى توارد ذكر شعراء آخرين باللقب نفسه: أبو صالح الخيّام البخاري (؟!- 971 م)، عبدالله محمد الخيّام المازندراني (؟!- 992 م)، خلف بن محمد بن اسماعيل الخيّام (عاش وتوفي في القرن11م)، مصاحب الدين أو مذهب الدين محمد بن علي الخيّامي (؟! – 1244 م) وعلاء الدين علي بن محمد بن أحمد بن خلف الخراساني الخيّام، والذي يحسبه طباطبائي الصاحب الحقيقي للرباعيّات. وعلاء الدين عاش في القرن السابع الهجري (13 م) ولم يرد ذكره سوى عند ابن الفوطي (-1244 1323م) في تلخيص «مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب» بتحقيق مصطفى جواد. وراح طباطبائي يعزف على وتر ما ورد عند ابن الفوطي متوهمّاً تجريد الخيّام العالم والفيلسوف من أشعاره المنسوبة إليه في العشرات من المصادر المرموقة قبل ابن الفوطي وبعده. وثمة آخرون من أمثال طباطبائي. والطريف أن طباطبائي قد كشف لاحقاً عن سرّ إصراره على مسعاه الواهي للتقليل من قيمة عمر الخيّام الحكيم والفيلسوف، بل وتجريده من شاعريّته! إذ صرّح في حوار أجراه معه مسعود خيّام ونشره في كتابه «الخيّام والرباعيّات»: «كان مينوي متكبّراً ومغروراً؛ فوجب سحقه، وقد سحقته، وسفّهت نتاج عمله... ولم يكن الخيّام يعنيني بشيء، فسعدي ومولوي هما شاعراي المفضلان، لكنني أضطررت إلى أن أضرب أيضاً الخيّام؛ لكي أحطم فم مينوي، والله شاهد على أنني لم أبتغ التطويح بالخيّام، وإنما مينوي»! والمقصود هو العلاّمة مجتبى مينوي محقق (نوروزنامه) للخيّام. ولابد من التساؤل مع صادق هدايت بما فحواه:- حسناً، لو ننفي تنسيب هذه الرباعيّات (وأقصد الأصيلة منها، والتي بلغت لحدّ الآن أكثر من 70 رباعيّة) إلى عمر الخيّام؛ فإلى من ترى ننسبها؟!

فـ «لا بدّ من وجود خيّام آخر معاصر له، وربّما أعلى منه مقاماً علميّاً؛ فمن هو؟ ولماذا لا يعرفه أحد؟!» ولا يسعني إلاّ أن أتمّم تساؤله: يا ترى هل كان علاء الدين الخراساني في مستوى ثقافة عمر الخيّام علميّاً وأدبيّاً وفلسفيّاً؛ ليكون الصاحب الحقيقيّ لهذه الرباعيّات الزاخرة بالفلسفة والحكمة؟!

back to top