هل ثمة إعلام عربيّ؟

نشر في 19-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 19-04-2013 | 00:01
No Image Caption
د. هادي حسن حمودي يقدّم التوضيحات

يتطرّق الدكتور هادي حسن حمودي في كتابه {الإعلام العربي... التنمية اللغوية والموضوعية} لهذا الحقل الذي غدا الوسيلة الأولى للتواصل المحلّي والعالمي، فقد حان الوقت لهذا الإعلام أن ينتقل من هوامش التاريخ القصيّة إلى متونه المعرفية والحضارية. من منشورات {الدار العربية للعلوم ناشرون}.
أي نهضة في أي منطقة من العالم ترتكز اليوم في قيامها على الإعلام، وهو الوحيد الذي يستطيع وصفها وصفاً كاملاً في مختلف مجالاتها وميادينها ومن شتى جوانبها كي تكتمل صورتها لدى المتلقي.

ومن جهة أخرى، أصبح الإعلام هو النافذة التي نطل منها على العالم، وهي المرآة التي يرغب المواطنون أن يجدوا فيها صورتهم بكل موضوعية وواقعية، فهم يريدون أن يروها بلا روتوش ولا شعارات صاخبة وفضفاضة.

انطلاقاً من هذا المفهوم يقدّم لنا الدكتور هادي حسن حمودي في كتابه {الإعلام العربي} دراسة شافية يستعرض فيها المرتجى من هذا الإعلام، في مقدّمة وتوضيحات أولية وثمانية فصول وخاتمة إضافة إلى المصادر والمراجع.

توضيحات وإجابات

يستهل المؤلّف بعد مقدّمته بتوضيحات لأسئلة عن النهضة العربية منذ أن كانت، وعلاقة الإعلان بها. ويجيب عن سؤال: هل ثمة إعلام عربي؟ ردّاً على من زعم ألا وجود لإعلام عربي بحجة عدم وجود فكر عربي ينطلق منه الإعلام.

ثم يتحدث عن هذا الإعلام وكيفية تعامله مع البث الفضائي المتجاوز للحدود، سواء كانت حدود الجغرافية أو حدود القيم.

مفاهيم إعلامية

في الفصل الأول يبحث د. حمودي في تلك المفاهيم بمعانيها وحدودها وتطوراتها بحسب وجهتَي النظر العربية التراثية والغربية المعاصرة. ودرس انتقالات الإعلام من مفاهيمه التقليدية إلى معنى جديد، ووظائف جديدة ووسائل لم يكن للناس عهد بها. ولذلك احتلّ مكانة متميزة في عالم اليوم، حتّى صار شاملا لشتّى حقول النشاط الإنساني، ولذا دخل في تفاصيل حياة كثير من البشر، محاولاً أن يخضعهم لرسائله الناجمة عن قناعات الباثّ نفسه. فصار هدف هذا النوع من الإعلام الانتظار في إطار المجتمع المدني، بمعنى أنّ هذا العصر الذي نعيش فيه هو عصر شيوع الظاهرة الإعلامية بأوسع معانيها.

والإعلام الجدير بصفته يجب أن يكون نتيجة تفاعل خمسة عناصر، وأن يبتعد عن ردود الأفعال المتشنجة نظراً إلى أن الإعلام قد أصبح علماً موضوعياً.

إعلام النهضة

في الفصل الثاني تناول المؤلف دور الإعلام في نهضة بلده، تصويراً وتجسيداً ومشاركة. وأمعنَ النظر فيما يجب أن تتوافر في الإعلام المرتجَى والمؤمّل من صفات رئيسة ثلاث: الصفاء والنقاء والصدق. ووصل به البحث إلى أنّ هذه الصفات الثلاث هي التي يجب أن تظل قانون ذلك الإعلام، لأنه إعلام (بنائي) يهدف إلى الخدمة العامة والنفع العام، حتى بعد دخوله عصر البثّ الفضائي، والبريد الالكتروني، والإنترنت، وحتى بعد أن أصبح بعض الصحف العربية والمجلات العربية والمطبوعات الأخرى تجوب أركان العالم شرقاً وغرباً، وتجد لها في جميع أركان المعمورة طلاباً ومريدين وحريصين على الوصول إليها، والتعرّف منها إلى أحوال الدول التي تصدرها وتطوّراتها.

ميادين إعلام النهضة

في الفصل الثالث يدرس حقيقة أن وسائل الإعلام في العالم كلّه، ليست تسلية ولا لهوا، بل لديها جميعاً، وبلا استثناء، رسائل تهدف إلى توصيلها للآخرين للتأثير عليهم باتّجاه معيّن. ويزداد التأثير حين لا يجد ردعاً ذاتياً، أي حين لا يُبنى المواطن بناء فكريّاً وروحيّاً متماسكاً.

بحوث ودراسات إعلامية

قسّم المؤلف الفصل الرابع إلى عدد من الموضوعات المتفرعة منه، وهي: (المناهج.. مفاهيم ودلالات) وتكلم فيه على المشاعر الشخصية والممارسة الإعلامية ثم تناول بالحديث (البحث الإعلامي: اللغة والأسلوب والمنهج) ثم (مصادر النّصّ الإعلامي ومراجعه) معتبراً أنّ نشر البحوث والدراسات الإعلامية هو النشاط الرديف المساند للأداء الإعلاني التقليدي في الصحف والإذاعات والتلفزيون والشبكة البينية (الإنترنت). وهو لا يتحدّث عن (الخبر) وتحريره والتعليق عليه، ولا عن نشاط إعلامي مذاع أو متلفز، بل عن الإعلام بمفهومه الشاسع الذي يشمل الدراسات والبحوث والتقارير التي تكوّن إطار الممارسة الإعلانية برمتها.

الشخصية الإعلامية

جاء الفصل الخامس بعنوان {الشخصية الإعلامية} من حيث التواضع المهني وإرادة التغير. لأنّ النّص الإعلامي النهضوي لن يستجيب للباحث فيه إذا لم يكن يملك روح النهضة المتمثل في إرادة التغير نحو الأفضل والأجمل، متخذاً منهجاً للكتابة والبحث متلائماً مع تلك الإدارة.

ومن المعلوم أنّ ذلك المنهج لن يفتح مغاليقه بإرادته الذاتية إذ لا إرادة له، بل بإرادة الباحث، ولن يستطيع المشتغل في إعلام النهضة أن يفعل ذلك ما لم يطور ذاته ويؤمن بضرورة التغيّر نحو الأفضل والأجمل.

لغة النصوص الإعلامية

في الفصل السادس حلّل موضوع اللغة ودورها في الممارسة الإعلامية. منطلقاً من حقيقة أنّ اللغة روح الإعلام ووسائله، وروح البحث الإعلامي وأخباره وتحقيقاته وسائر رسائله، فهي شكل الإعلام ومادّته ومضمونه. وبغير اللغة لا يكون هناك مقال ولا كتاب ولا بحث ولا حوار. فاللغة والحياة الإنسانية عموماً توأمان لا يفترقان.

وردّ بالرفض على التساؤل عن نفع النحو واللغة والإملاء الصحيح إذا كان جمهور المتلقّين، قراءً ومستمعين ومشاهدين، لا يعرفون القواعد اللغويّة، ولا يفرّقون بين ما حقّه الرفع وما حقّه النّصب! واعتبر هذا التساؤل غير ذي موضوع لما بيّنه من أدلة وأسباب.

إعلام النهضة والوعي العام

في الفصل السابع توصّل إلى أنّ على الإعلام المرتجى والمؤمّل أن يُدرك أن ممارساته مرتبطة بهدفه المرحلي أو الاستراتيجي. من غير انشغال بالتافه من الردود أو التشنّج في مواجهة الإعلام الآخر. ذلك أنّ من العلمي أن يتناول هذا الإعلام قيمَ المجتمع المحلي، وعلاقاته بالعالم الخارجي، وسائر جوانب الحياة، بفكر واعٍ متفتح تكسبه التجربة مزيداً من التفاعل الإيجابي المستمر. فيؤدي ذلك الإعلام موقفه التاريخي الحاضر بأفضل صورة محترمة ولها موقعها في الانتقالات الحضارية. وقد تبيّن ذلك في التأثيرات السياسية، بشكل خاص.

إعلام النهضة والتفاعل الحضاري

تناول المؤلف في الفصل الثامن {إيجابيات في التربية والتعليم} و}إيجابيات في التكامل العلمي} بين دول العالم كافة ودور وسائل الإعلام في ذلك.

وأخيراً أورد {الخاتمة} التي لخصت مجمل الكتاب الذي ألحق به {المصادر والمراجع العربية} ثم {المراجع الأجنبية}.

وثمة ملاحظة يجب بيانها هنا تتعلق بمصادر الكتاب ومراجعه، حيث سيلاحظ القارئ أنّ عدد المراجع الأجنبية التي عاد إليها أكثر من المصادر والمراجع العربية، ذلك لأنّ (علم الإعلام) حديث النشأة جديد الميلاد، وقد طرأ على عالمنا العربي منذ عقود قليلة من الزمن. فكانت المؤلفات الأجنبية هي المراجع الأصلية له. وقد وجد أن بعض الكتابات العربية في الإعلام يستفيء إلى ظلّ تلك البحوث والكتب الأجنبية، ولذا التزم بالعودة إلى المنابع لا إلى ما تفرّع منها.

لقد توخى د. حمودي في هذه الدارسة التبسيط بقدر المستطاع ضمن الحدود التي تسمح بها المنهجية والموضوعية وقد أصاب في ما رمى إليه.

back to top