ماذا بعد الأسد... أهي الفوضى؟!

نشر في 09-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 09-02-2013 | 00:01
No Image Caption
يرفض الائتلاف السوري المعارض الذي يضم 71 عضواً كثير منهم من المجلس الوطني، التفاوض مع الحكومة، فضلاً عن أنه غير مستعد البتة للإمساك بزمام السلطة... نتيجة لذلك، يواجه احتمال انشقاق بعض أعضائه، أو حتى انهياره بالكامل.
 Ramzy Mardini    مع اقتراب الثورة السورية من ذكراها الثانية، بدأت تظهر على المعارضة السياسية السورية علامات الفشل، وفي ظل غياب مقاربة جديدة، خصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية، سيعيق افتقار المعارضة إلى المصداقية التوصل إلى تسوية سياسية، ما يصعب وضع سورية على المسار الصحيح نحو مستقبل مستقر.

يأمل أوباما وغيره من قادة العالم أن تتشكل هيئة أكثر شمولية وأوسع تمثيلاً من المجلس الوطني السوري، الذي يتخذ من إسطنبول مقراً له. لذلك اعترفوا في شهر ديسمبر الماضي بائتلاف جديد للمعارضة تشكل في الدوحة بقطر، لكن هذا الائتلاف، الذي يضم 71 عضوا كثير منهم من المجلس الوطني السوري، يرفض التفاوض مع الحكومة السورية، فضلاً عن أنه غير مستعد البتة للإمساك بزمام السلطة. نتيجة لذلك، يواجه احتمال انشقاق بعض أعضائه، أو حتى انهياره بالكامل. فقد طغت عليه المصالح الضيقة، وبدأ الإسلاميون يسيطرون على العلمانيين، والمنفيون على المناضلين في الداخل، ويبدو أن أعضاء قليلين فحسب يتمتعون بالمصداقية الكافية على الأرض في سورية.

يعتبر بعض المراقبين أن المعارضة تستطيع، إذا مات الرئيس بشار الأسد أو غادر سورية، قيادة مرحلة انتقالية هادئة نسبيا، كما حدث بادئ الأمر في ليبيا عقب سقوط العقيد معمر القذافي، ولكن نظرا إلى تركيبة سورية السكانية وانقساماتها، فمن المستبعد أن تتراجع أعمال العنف خلال المرحلة الانتقالية، وخصوصا في ظل غياب حكومة تتمتع بدعم شعبي وتكون قادرة على السيطرة على المجموعات المسلحة. تضم ليبيا ستة ملايين نسمة يعيشون على طول الساحل بشكل خاص في بلد تتخطى مساحته مساحة ألاسكا. أما سورية، فتبلغ مساحتها عُشْر مساحة ليبيا، مع أن عدد سكانها يفوق الليبيين بأربعة أضعاف، وهم منقسمون طائفياً ومحاطون بقوى تسعى إلى توسيع نفوذها. كذلك تغرق سورية في حرب أهلية أطول وأكثر دموية، ومن المتوقع أيضاً أن يؤدي الخوف من الانتقام دوراً في سورية ما بعد الأسد أكبر ما شهدناه في ليبيا ما بعد القذافي. إذن، من المرجح أن تبدو سورية أشبه بالعراق.

"لكن الولايات المتحدة تمكن نظراء أحمد الجلبي في سورية"، حسبما يقول منشق سوري بارز، مشيراً بكلامه هذا إلى المهاجر العراقي الذي قدم نفسه قبل الغزو الأميركي عام 2003 كقائد يتمتع بشرعية سياسية ويستطيع استلام زمام الحكم بعد صدام حسين. يتصرف الكثير من قادة المعارضة السورية على غرار الجلبي، فيعرقلون المفاوضات العملية لمصالح شخصية لا لأسباب جوهرية، آملين أن يحققوا المكاسب بعد سقوط نظام الأسد.

برز رئيس الائتلاف الشيخ أحمد معاذ الخطيب كشخصية رمزية، لكن هذا الإمام السابق للمسجد الأموي في دمشق يفتقر إلى الخبرات الضرورية ليمارس لعبة سياسات المعارضة الصعبة، أما رياض سيف، أحد حلفاء الولايات المتحدة البارزين ومنشق سوري مناضل قديم، فيتعرض للتهميش، فقد طغى على هذين القائدين رجل الأعمال المهاجر مصطفى الصباغ، الذي يشكل منتداه السوري للأعمال، حسبما يُعتقد، واجهة قطرية، لكن معظم السوريين لا يعرفون صباغ لأنه يعيش منذ زمن طويل خارج سورية ويفتقر إلى احترام المنشقين المخضرمين.

علاوة على ذلك، لا تتمتع الأقليات السورية بالتمثيل الكافي، فلم تنضم الأحزاب الكردية في سورية إلى هذا الائتلاف، الذي لا يشمل أيضا سوى ثلاثة أعضاء مسيحيين، يمثل اثنان منهم الآشوريين، إلا أنهما أمضيا عقوداً في أوروبا، أما الثالث، رئيس المجلس الوطني السوري جورج صبرا، فيُعتبر شيوعياً، لكن مسيحيي سورية المليونَين ونصف المليون، الذين ينتمون إلى الإثنية السريانية، لم يحظوا بأي تمثيل، ومُنع بسام إسحق، شخصية سريانية بارزة، من الانضمام إلى الائتلاف لأن سيرته الذاتية لا تشمل الإخلاص للمجلس الوطني السوري، مطلب بات ضرورياً للفوز بعضوية الائتلاف.

بالإضافة إلى ذلك، لا يضم هذا الائتلاف سوى ثلاث نساء، لكن في شهر ديسمبر الماضي، أُقيلت ريما فليحان، التي هربت من سورية عام 2011، من منصبها كرئيسة للجنة الإعلامية، ومَن حل محلها عضو في المجلس الوطني السوري أمضى الجزء الأكبر من حياته خارج سورية.

ما يزيد الطين بلّة احتواء قواعد الائتلاف وتنظيماته الكثير من المواد التي تنبع من قوانين المجلس الوطني السوري، خصوصاً المادة التي تحظر التفاوض مع كبار شخصيات نظام الأسد، ما يحرم جهود السلام من أحد مكوناتها الرئيسة. فقد سارع الائتلاف إلى اعتبار إشارة الخطيب الأخيرة إلى استعداده للتفاوض أنها مبادرة شخصية، ما يُظهر رفضه التام لمساعي المصالحة.

تخلف الأخطاء المبكرة التي ترتكب أثناء العملية الانتقالية تأثيرات طويلة الأمد، لكن الحل لا يقوم على تشكيل عدد أكبر من المجموعات الشاملة، وهو الأمر الذي يضيف أنماطاً واسعة من المصالح الشخصية التي تؤجج التنافس بدل التعاون.

يجب ألا تعترف الولايات المتحدة بأي معارضة ما لم يكن الائتلاف شاملاً حقاً ويمثل كل الشعب السوري، محددة عقابا واضحا لمن يخالف ذلك. كذلك من الضروري حصر الاتصال بين الحكومة الأميركية وقادة المعارضة بالسفير وفريق عمله. فيبدو أن الأميركيين يغفلون غالباً عن قوة العلاقات الشخصية في العالم العربي. وأخيراً، على الولايات المتحدة أن تمكن القوى السياسية العلمانية، والمعتدلة، والمستقلة التي تروج للتسوية والاعتدال.

لا شك أن الأمل الوحيد الذي قد ينقذ سورية هو التسوية السياسية، لا الانتصار العسكري. ولكن من دون معارضة تمثل فعلاً كامل الشعب السوري، سيبقى هذا الأمل بعيد المنال.

* محلل لشؤون الشرق الأوسط في مؤسسة جايمستاون ومسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية.

back to top