محاربة الطواحين

نشر في 23-05-2013
آخر تحديث 23-05-2013 | 00:01
لقد طالبت وطالب كثيرون غيري بكشف أسماء المفسدين وسراق المال العام إلا أن هذا لم يحصل ولن يحصل ما دامت معالجة الفساد والتلاعب وسرقة أموال الدولة تتم بمثل هذه الصورة، ورغم ذلك سوف يستمر دون كيشوت بمحاربة طواحين الهواء حتى يسقط هو أو ينجح في تكسير مراوح الهواء.
 بدر سلطان العيسى الإصرار على كشف الفساد في بعض وزارات الدولة مع العلم مسبقاً أن الكتابة لا يمكن أن تأتي بأي نتيجة، هو في واقع حاله أشبه بمحاربة طواحين الهواء في قصة "سيرفانتس" وبطلها "دون كيشوت" الذي ظل يحارب أعداءه الوهميين من فوق ظهر جواده الهزيل الذي رفض حمله (حمل دون كيشوت) بعد أن اكتشف الحصان أن ما يقوم به دون لم يأتِ بأي نتيجة، وأن المعارك التي كان يخوضها لا تتعدى كونها معارك وهمية، حتى إن لم تكن- المعارك كذلك- فالرمح الذي كان يستعمله دون كيشوت في المعركة لا يمكن أن يصل إلى مراوح الطواحين.

لقد تكسرت رماح دون كيشوت واحداً بعد الآخر، وسقط من فوق ظهر حصانة الهزيل أكثر من مرة، إلا أنه رفض الاستسلام لواقع الحال، والذي كان يراه واقعا فاسداً وعالما يكاد يشمل جميع مناحي الحياة.

وخلال السنوات العشر الماضية كتبت معظم الصحف الكويتية عن مدى تقليل وانتشار الفساد الإداري والمالي في جميع وزارات ودوائر الدولة، وتكلم بعض أعضاء مجلس الأمة المبطل، وأصروا على محاسبة كل المتجاوزين والمتلاعبين بمقدرات ومصالح وأموال الشعب الكويتي، الأمر الذي أدى إلى سقوط دون كيشوت من فوق ظهر حصانه وتكسير رماحه دون طائل.

 لقد بلغ الفساد الإداري مداه في موضوع الداو، وهنا لم يكن دون كيشوت يتخيل معاركه لأن صفقة الداو كلفت خزينة الدولة مبلغ 2.2 بليون دولار تم دفعها دون وجه حق لشركة لم تتعب ولم تكلف نفسها أي مشقة، فكان أن حصلت على هذا المبلغ دون أن تتم محاسبة المتسببين، لا بل دون محاكمتهم، وفي هذه الحالة فإن دون كيشوت لن يسقط من فوق ظهر حصانه لو تم كشف أسماء المتسببين في مثل هذا العمل السيئ.

 فوزارة النفط دفعت مبلغاً ليس ملكاً لها وليس ملكا للعاملين في الوزارة، فهذه الأموال هي ملك للشعب الكويتي، وملك للأجيال القادمة التي سوف لن تجد ما تأكله أو تلبسه فيما لو استمر الهدر والتلاعب بأموالها بمثل هذه الصورة السيئة، وفي هذه الحال سوف يكون سقوط دون كيشوت مدوياً، ولن يستطيع البقاء على حصانه مرة أخرى.

حاولت الوزيرة ذكرى الرشيدي وقف التلاعب بمقدرات الوزارة ووقف المتاجرة بالإقامات إلا أن رماحها وحصانها لن يحملاها فيما لو أصرت على كشف التلاعب وأسماء التجار والمتاجرات بالبشر، فحصان المتاجرين والمتاجرات بالإقامات أقوى من حصان الوزيرة وأقوى من رماحها، فهناك من المتاجرين والمتاجرات ما له أو لهن من النفوذ ما يضع العراقيل على أي محاولة إصلاح أو وقف المتاجرة بأرواح البشر.

لقد طالبت وطالب كثيرون غيري بكشف أسماء المفسدين وسراق المال العام إلا أن هذا لم يحصل ولن يحصل ما دامت معالجة الفساد والتلاعب وسرقة أموال الدولة تتم بمثل هذه الصورة، ورغم ذلك سوف يستمر دون كيشوت بمحاربة طواحين الهواء حتى يسقط هو أو ينجح في تكسير مراوح الهواء.

back to top