سيد أوروبا في مخدع الروسية

نشر في 13-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 13-07-2013 | 00:01
  يعد عصر السلطان سليمان القانوني (حكم في الفترة 1520-1566)، العصر الذهبي للدولة العثمانية فكانت بحق أكبر وأعظم قوة في العالم كله، وكان سلطانه يمتد من بلاد الجزائر في إفريقيا غربا إلى حدود العراق وأذربيجان مع إيران شرقا ومن نهر الدانوب شمالا إلى حدود بلاد اليمن جنوبا، وكان يحكم جميع بلاد العالم القديم الحضارية مصر وسورية والعراق واليونان، كما كان يشرف على المدن الثلاث المقدسة عند المسلمين مكة والمدينة والقدس الشريف، فضلا عن حكمه للمدن الإسلامية الرئيسية التي تنقلت الخلافة الإسلامية بينها وهي على التوالي دمشق وبغداد والقاهرة، فكان بحق سلطان العالم.

في غرفة مكتبه، جلس السلطان يكتب قصيدة شعرية جديدة، متأملاً نفسه ودولته مترامية الأطراف، خصوصاً أن أوروبا كلها ترتجف رعبا لمجرد ذكر اسمه، واعتبر القانوني نفسه سيد أوروبا وقيصرها الوحيد، ويكفي أن ملك فرنسا فرانسوا الأول اعتبر السلطان سليمان بمثابة الوالد، أما خصم السلطان العثماني الرئيس؛ الإمبراطور شارلكان، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة وملك إسبانيا فقد اعترف في معاهدة رسمية أن السلطان سليمان هو الإمبراطور الوحيد وأنه –أي شارلكان- مجرد قيصر تابع له، لذلك عرفت المصادر الأوروبية السلطان سليمان باسم السلطان سليمان العظيم أو الأكبر، إلا أن اللقب الذي ظل ملتصقا به هو «القانوني» أي العادل، وذلك بعد أن وضع أشهر وأهم أعماله «قانون نامه سلطان سليمان»، الذي جمع فيه لأول مرة مدونة قانونية غطت مجالات قانون العقوبات وجمع الضرائب وتحديد الملكيات ومعاملة الأقليات الدينية، تتفق مع الشريعة الإسلامية والعرف العام للدولة العثمانية، بمساعدة شيخ الإسلام المفتي أبوالسعود أفندي، المفسر الكبير، وقد ضمن هذا العمل الخلود لسليمان الذي اتسم عهده بتطبيق العدل بين مختلف الرعية.

السلطان الشاعر سليمان أشرف على نهضة علمية وأدبية ومعمارية، بلغت الذروة في عهده، وسليمان المعروف بحسِّه الموسيقي وعشقه لتصميم حلي المجوهرات، ترك ديون شعر كاملا امتلأ بالشجون والحكم والمواعظ.

عشق في الحرملك

رغم كل هذه العظمة البادية والقوة المطلقة التي وصل إليها السلطان سليمان إلا أن عصره شهد بداية الظاهرة التاريخية المعروفة باسم «سلطنة الحريم»، مع هذا الصراع المحموم الذي اندلع بين السلطانة الأم حفصة وزوجتي السلطان خرم ومهدفران، وكان الصراع يدور حول أمرين أولهما احتلال مكانة متقدمة في حرملك السلطان سليمان، وتأمين ولاية العهد لأحد أبناء السلطان من خرم أو مهدفران، وهو صراع استخدمت فيه كل الوسائل والأدوات والسبل للوصول إلى غاية كل من السلطانات، وهو صراع ستخرج منه السلطانة خرم منتصرة في تثبيت سيادتها على حريم القصر وتثبيت أبنائها في ولاية العهد، ولكن من هي خرم خانم؟ وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟ ومن هم منافسوها؟ وكيف كان موقف السلطان سليمان القانوني؟.

  تعد شخصية السلطانة خرم من الشخصيات التي شغلت مكانة مرموقة في التاريخ العثماني، وأثارت ولاتزال موجات من الجدل حول دورها في تاريخ الدولة العثمانية في فترة تعد وبحق العصر الذهبي لتلك القوة وذروة مجدها على الإطلاق، فبين اتهامات بتخريب الدولة من الخارج وعملها من أجل سيادة الحرملك بالتعدي على شؤون الدولة، ما أدى إلى انهيار الدولة سريعا وتراجع مكانتها الدولية، فيما يرى البعض أنها كانت امرأة طموحة أرادت تأمين الوضع لأبنائها وسط صراع شرس داخل القصر، لكنها لا تعد بأيّ حال مسؤولة عن ما جرى بعد رحيلها سواء من ضعف الدولة أو انهيارها فيما بعد.

  نشير في البداية قبل الدخول في أتون حرب الحرملك إلى تعدد أسماء السلطانة خرم، ففي الأصل كان اسمها الذي ولدت به هو روكسانا أو إلكسندرا، وعرفت في المصادر العثمانية باسم «خُرَّم» الذي يعني بالتركية «الضاحكة» أو «الباسمة»، وهو الاسم الذي أطلقته عليها السلطانة ماه دوران بعد وصولها إلى القصر مباشرة، اللقب الذي اشتهرت به على حساب اسمها الذي سجلت به في سجلات الحرملك الرسمية وهو «حوريم»، أما في المصادر الأوروبية فتعرف السلطانة خرم باسم «روكسولينا» و «روكسولانا» حتى روزيكا، وعرفت في الأدبيات الأوكرانية باسم إلكساندر، وعرفت في المصادر العربية باسم السلطانة «كريمة»، ولم تكتف السلطانة خرم في حصد الأسماء والألقاب في حياتها بل استطاعت أن تحصد اسما جديدا في القرن الواحد والعشرين عندما عرفت باسم «هويام» في المسلسل التركي الذي عرض مدبلجا على القنوات العربية.

 ولدت السلطانة خرم، في مدينة روهاتين شرق أوكرانيا وكان والدها راهبا روسيا يدعى دي روجالينو، واختطفت من تتار القرم أثناء هجماتهم المعتادة في القرم وبيعت لاحقاً أو أهديت إلى القصر العثماني، ويقال أيضا إن من اشتراها هو الصدر الأعظم إبراهيم باشا صديق السلطان سليمان، وهو من أهداها إلى القصر العثماني «الباب العالي».

 ومنذ اللحظة الأولى التي وقع فيها نظر السلطان سليمان على الجارية الجديدة حتى وقع في غرامها، وأسلم السلطان قلبه للجارية التي وقع في عشقها، وأمر على الفور بجعلها المفضلة بين الجواري، رغم أن «خُرم» لم تكن الأجمل بين نساء الحرملك إلا أنها تميزت بشخصية آسرة وجاذبية طاغية، وتعلق السلطان سليمان بها على الفور، وازداد حب السلطان لها نضارة وقوة مع مرور الأيام، ولم يمض عام على دخولها إلى الحرملك حتى أنجبت للسلطان ولدا أطلق عليه السلطان اسم محمد، وبذلك ارتقى شأن خرم التي أصبحت تحتل المرتبة الثالثة داخل «الحرملك» بعد السلطانة الأم السلطانة حفصة وزوجة السلطان السلطانة ماه دوران، والدة ابن السلطان البكر الأمير مصطفى.

وسرعان ما سرت الشائعات في القصر بأن السلطان لا يقنع بمشاركة السلطانة خرم الفراش، بل أولع بقضاء الساعات في محادثتها ومناقشة شؤون الدولة معها، ولما كان ذلك أمرا جديدا بالنسبة إلى السلطان العثماني، فقد تأكد للجميع داخل القصر وخارجه أن السلطانة خرم هي المفضلة عند السلطان بلا شك، فقد حصلت على حقوق داخل القصر جعلتها تقف على قدم المساواة مع الزوجة الأولى ماه دوران، إن لم تكن قد تفوقت عليها في المكانة.

  لذلك لم يكن غريبا أن تطلب السلطانة خرم من السلطان سليمان أن يعقد عليها رسميا ليكون زواجهما شرعيا، وقالت له ذات مرة وهما يتطلعان للنجوم من شرفة قصر الباب العالي المطلة على مياه بحر مرمرة: «مولاي... لي طلب أرجو ألا ترفضه، أريد أن أكون زوجة شرعية لسلطان الزمان، أريد أن يقرن اسمي باسمك على مر الزمان، أن يقال السلطانة خُرَّم زوج سلطان السلاطين سليمان القانوني، وأم الأمراء».

  لم يمانع السلطان سليمان في تنفيذ طلب خُرَّم، بما يكنه لها من عواطف جياشة ميزتها عن جميع نساء القصر، فأطلق حريتها من العبودية أولا وتزوجها شرعيا ثانيا، وأعلن زواجه منها في الديوان العام وأمر بتعميم الخبر في أرجاء دولته مترامية الأطراف، وكان في هذا الزواج الرسمي خرق لتقاليد الدولة العثمانية على مدار أكثر من قرن كامل، فمنذ مطلع القرن الخامس عشر الميلادي وسلاطين العثمانيين لا يعقدون زواجا شرعيا أبدا، ومرد ذلك إلى الإهانة التي واجهت السلطان بايزيد الأول في أعقاب هزيمة أنقرة الساحقة سنة 1402م أمام سلطان المغول تيمور لنك، وذلك في شخص زوجته الصربية الأصل ماريا دسيينا، فقد أرغمها تيمور المنتصر بعد أن وقعت في الأسر هي وزوجها السلطان بايزيد، على أن تقوم بالخدمة خلال حفل انتصاره وهي عارية تماما، أمام زوجها الذي مات كمدا، ومنذ ذلك الوقت لم يعقد سلاطين آل عثمان زواجا رسميا، وذلك حتى لا يتعرضوا لإهانات مماثلة في أشخاص زوجاتهم، إلا أن عشق السلطان سليمان لخرم جعله يهدم هذه القاعدة ويعقد قرانه عليها، ويعلق الديبلوماسي النمساوي هانز ديرنشاوم في مذكراته بعد أن أمضى بعض الوقت في إسطنبول عام 1555م «سليمان وقع في حب تلك الفتاة المجهولة العائلة والتي يغلب الظن أنها من أصل روسي، فأعتقها وتزوجها وسمح لها بالانتقال للعيش معه في نفس القصر».

أرادت السلطانة خرم أن تتمتع بالنفوذ والقوة إلى نهاية عمرها، ولكن كان هناك خطر على أحلامها فهي لا تزال تخشى، وهي في مستقبل الشباب، والسلطان كهل قد لا يلبث طويلا قبل أن يفارقها ويموت، فتفقد سلطانها ويؤول العرش إلى ولي العهد الأمير مصطفى ابن السلطانة ماه دوران، غريمتها اللدود، التي ستصبح في هذه اللحظة المتحكمة في كل شيء داخل القصر العثماني وخارجه، وقتها لن ينجد خُرَّم من انتقام ماه دوران أحد، التي ستنتقم من خرم بسبب الأيام الخوالي التي تحكمت فيها من خلال السلطان سليمان على القصر والحرملك.

واستغلت خُرَّم انشغال السلطان سليمان بأعماله الحربية ومتابعة الأوضاع داخل أوروبا لمد نفوذها داخل أركان القصر السلطاني شيئا فشيئا، وكانت لا تنسى أن تكتب باستمرار للسلطان أثناء خروجه إلى الجهاد، تبثه أشواقها، وكتبت له ذات مرة تقول: «سيدي، إن غيابك عني قد أجج نارا لا ينطفئ لهيبها، ارحم هذه الروح المعذبة وسارع في الجواب، لأنني قد أجد فيه ما يخفف عني، سيدي؛ حين تقرأ كلماتي ستتمنى لو أنك كتبت إليّ أكثر للتعبير عن شوقك».

سيد أوروبا

 كان لبروز قوة الدولة العثمانية على الساحة الأوروبية أثره على السياسة الدولية، وأعاد تشكيل التحالفات داخل القارة الأوروبية، التي كانت تعيش انقسامات سياسية ودينية خطيرة، بين صراع علني بين شارل الخامس أو «شارلكان» ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وفرانسوا الأول ملك فرنسا يتنافسان على كرسي الحكم للإمبراطورية الرومانية وزعامة أوروبا، بينما كان بابا روما البابا ليو العاشر يواجه أعنف أزمة تواجه المسيحية الكاثوليكية بعد ظهور مارتن لوثر مؤسس البروتستانتية، بينما كانت إيطاليا مقسمة تتصارع مدنها على لا شيء.

 فقبل السلطان سليمان عرض ملك فرنسا التحالف ضد شارلكان، الذي دخل حربا مفتوحة ضد الدولة العثمانية في شمال إفريقيا، وقابل سليمان القانوني السفير الفرنسي في 6 ديسمبر 1525 باحتفال زائد وأجزل له الأخير العطايا وبعد أن عرض عليه السفير مطالب ملكه وعده السلطان بمحاربة المجر، لتخفيف ضغط الهجوم الذي يشنه شارلكان على فرنسا، وكان أمل فرنسوا في أن يستغل مكانة وقوة الدولة العثمانية ويكسبها صديقاً في صفه ضد أعداء باريس، فوقف منه موقف التودد والرغبة في الوفاق معتقداً أن الدولة العثمانية هي التي ستحد من طموحات ملك إسبانيا.

 وعندما سقط فرانسوا في قبضة الملك شارلكان، أرسل برسالة إلى السلطان القانوني يطالبه فيها بالتدخل والتوسط من أجل الإفراج عنه، رد السلطان سليمان برسالة مكتوبة على طلب ملك فرنسا تظهر مدى عظمة الدولة العثمانية في عهد سليمان القانوني

وهذا نصها:

«الله العلي المعطي المغني المعين

بعناية حضرة عزة الله جلت قدرته، وعلت كلمته، معجزات سيد زمرة الأنبياء، وقدوة فرقة الأصفياء، محمد المصطفى- صلى الله عليه وسلم- الكثيرة البركات، وبمؤازرة قدس أرواح حماية الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين وجميع أولياء الله، أنا سلطان السلاطين وبرهان الخواقين، متوج الملوك، ظل الله في الأراضين، سلطان البحر الأبيض، والبحر الأسود، والأناضول، والروملي، وقرمان الروم، وولاية ذي القدرية، وديار بكر، وكردستان، وأذربيجان، والعجم، والشام، وحلب، ومصر، ومكة، والمدينة، والقدس، وجميع ديار العرب، واليمن، وممالك كثيرة أيضا، التي فتحها آبائي الكرام وأجدادي العظام بقوتهم القاهرة، أنار الله براهينهم، وبلاد أخرى كثيرة افتتحتها يد جلالتي بسيف مظفر.

 أنا السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان، إلى فرنسيس؛ ملك فرنسا، وصل إلى أعتاب ملجأ السلاطين، المكتوب الذي أرسلتموه مع تابعكم «فرانقبان» النشيط مع بعض الأخبار التي أوصيتموه بها شفهيا، وأعلمنا أن عدوكم استولى على بلادكم، وأنكم الآن محبوسون، وتستدعون من هذا الجانب مدد العناية، بخصوص خلاصكم، وكل ما قلتموه عرض على أعتاب سرير سدتنا الملوكانية، وأحاط به علمي الشريف على وجه التفصيل، فصار بتمامه معلوما، فلا عجب من حبس الملوك وضيقهم، فكن منشرح الصدر، ولا تكن مشغول الخاطر فإن آبائي الكرام، وأجدادي العظام، نور الله مراقدهم، لم يكونوا خالين من الحرب لأجل فتح البلاد ورد العدو، ونحن أيضا سالكون على طريقهم وفي كل وقت نفتح البلاد الصعبة، والقلاع الحصينة، وخيولنا ليلا ونهارا مسرجة، وسيوفنا مسلولة، فالحق سبحانه وتعالى ييسر بإرادته ومشيئته، وأما باقي الأحوال والأخبار تفهمونها من تابعكم المذكور فليكن معلومكم هذا».

تحريرا في أوائل شهر آخر الربيعين سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة

بمقام دار السلطنة العلية

القسطنطينية المحروسة المحمية

 نجحت الوساطة العثمانية في إعادة ملك فرنسا إلى عرشه، والتحالف العثماني- الفرنسي تم تفعيله سريعا بمشروع غزو إيطاليا، بعدما طمع ملك فرنسا في ثراء المدن الإيطالية وازدهار ثقافاتها، بينما رغب السلطان سليمان في دخول مدينة روما مقر وجود البابا الكاثوليكي زعيم المسيحية الأوروبية.

وبالفعل توجه سليمان الأول بمئة ألف جندي لمهاجمة إيطاليا من الشرق، وهبط خير الدين بربروس من جهة الجنوب في ميناء أوترانة الإيطالي كما تقدم الفرنسيون من جهة الغرب الإيطالي، وكان الهدف من هذا تنفيذ هجوم واحد كبير من ثلاث جهات، إلا أن توجس الملك الفرنسي من أن يتهم بالردة عن المسيحية من قبل العامة ورجال الدين (لتعاونه عسكريا مع دولة مسلمة) جعله يعلق عملياته العسكرية ويكتفي بمهادنة شارلكان، ولو أن الحملة العسكرية المشتركة تمت كما خطط لها لغدت إيطاليا بكاملها ولاية عثمانية.

الانتصارات الأوروبية، كانت ترفع من أسهم أحد أبرز رجال البلاط العثماني، الصدر الأعظم إبراهيم باشا، الذي زاد السلطان سليمان في صلاحياته حتى جعله الرجل الثاني في الدولة العثمانية، ما رأت فيه السلطانة خرم خطرا يحدق بها، لأن إبراهيم باشا عرف داخل القصر برعايته للأمير مصطفى باشا ولي العهد، ما يعني بالنسبة للسلطانة خرم تهديدا مباشرا على حظوظ أبنائها في الوصول إلى الحكم.

ورأت خرم أن السبيل الأمثل لضمان المستقبل أن تستثمر نفوذها وحب السلطان لها، من أجل جعل أحد أولادها يلي عرش السلطنة لتبدأ معها الحرب بين السلطانة خرم في مواجهة حلف ثلاثي بين السلطانة الأم السلطانة حفصة والصدر الأعظم إبراهيم باشا والسلطانة مهدفران الراغبين في تولية العرش للأمير مصطفى، لكن وقف في طريقها تحالف قوي قاده الصدر الأعظم إبراهيم باشا لمساعدة السلطانة مهدفران في فتح الطريق أمام ابنها الأمير مصطفى ليصل إلى قمة الدولة، فكيف تمتع إبراهيم باشا بكل هذا النفوذ؟!

 عتق الجواري

 اعتاد سلاطين العثمانيين أن يعتقوا بين الحين والآخر، عدداً من الجواري داخل الحرملك، فمن القواعد المنظمة للحريم أن الجارية لا تعمل داخل قصر «طوب قابي» مدة تزيد على تسع سنوات؛ بعدها لابد وأن يتحدد مصيرها ومستقبلها وهي في سن الخامسة والعشرين تقريبا، فإذا عاشرها السلطان تعد محظية لا تباع وتظل في خدمة السلطان حتى وفاته، وإذا انجبت منه ترتقي مرتبة في سلم الحرملك وتحظى بمكانة خاصة.

 وإذا لم يعاشر السلطان الجارية حتى سن التقاعد ولم تصبح محظية أو مستولدة لأي من أولاد السلطان، فلها الحق في أن تتزوج إذا كانت راغبة في الزواج، وعلى إدارة الحرملك البحث عن الزوج المناسب لجارية تعلمت فنون الأدب والخدمة في قصر السلطان العثماني، وهو ما يعد ميزة كبيرة للجواري، ما جعل طلبات الزواج منهن تنهال على قصر الباب العالي، وفي تلك اللحظة على السلطان أن يعتق الجارية ويتكفل بجهازها وتزويجها.

إذا تقرر تزويج الجارية تجهّز الأوراق الخاصة بتقاعدها وعتقها وتسمى تلك الأوراق «عتق نامة» بمعنى صك العتق، إلا أن بعض الجواري كن يفضلن البقاء في الحرملك، فكن يمزقن ورقة العتق، عندئذ يسمح لهن بالبقاء في الحرملك والتفرغ للعبادة وتنال كل أنواع التكريم والرعاية من قبل الجواري الأصغر سنا، بل ومن السلطان العثماني ذاته الذي يصبغ عليهن رعايته، خاصة بعد تقدمهن في السن، فكان يدعوهن من حين إلى آخر ليسألهن بنفسه عن أحوالهن واحتياجاتهن.

back to top