الإسلامجية ومصارعة المحترفين

نشر في 25-06-2013
آخر تحديث 25-06-2013 | 12:56
 باسم يوسف أتشرف بكتابة هذه المقالة بالتعاون مع د. أحمد يونس، وهو من المفكرين المسلمين في لوس أنجلس، ومن الشخصيات البارزة التي دافعت عن الإسلام ضد التيار اليميني هناك، كما أنه من الشخصيات البارزة المؤثرة في المجتمع والمُساهِمة في تنمية الوعي الديني، إذ كان له دور بارز في تطوير المركز الإسلامي في لوس أنجلس، الذي يعد من أكبر المراكز الإسلامية على الساحل الغربي، ومعروف عن هذا المركز احتواؤه لجميع الطوائف والاتجاهات، وقد تشرفت بإجراء لقاء معه ومع الدكتور ماهر حتحوت رئيس المركز في برنامج "أميركا بالعربي".

"ذا بيج شو"، "ذا روك"، "جون سينا" هذه بعض الأسماء الرنانة في عالم مصارعة المحترفين، ولهذه الأسماء شعبية ضخمة جداً ليس في الولايات المتحدة فقط بل وفي منطقتنا العربية أيضاً، هل رأيت الصالات الضخمة التي تقام بها هذه المباريات؟ هل رأيت الإخراج، والإمكانات، والتصوير، والزوايا، والألوان الباهرة، والألعاب النارية، والشاشات الضخمة في الصالة وطبعاً الأعداد الغفيرة التي تحرص على حضور هذه المباريات، والملايين التي تتابعها على شاشات التلفزيون في أنحاء العالم؟

المثير للاهتمام في هذه الرياضة أن كل مَن يتابعها يعرف يقيناً أنها رياضة زائفة، فلا الضربات حقيقية، ولا الحركات الدرامية تخدع مَن هم أكبر من سن الثانية عشرة، وفي النهاية يتحدد مَن يفوز في هذه الرياضة التلفزيونية عن طريق اتفاقات مسبقة، ليكون هناك إعادة وانتقام وثأر، ليستمر العرض ويدفع الناس أكثر.

نجوم هذه الرياضة مفتولو العضلات، ولكنهم لا يضربون بعنف حقيقي، لديهم أسماء رنانة مثل "الصخرة"، و"السفاح"، و"العاصفة" أو "المنتقم"، ولكنها أسماء شهرة لزوم الأضواء ولإضفاء بعد سينمائي "للأكشن" المزيف على الحلبة.

في عالم الإسلامجية هناك شخصيات سينمائية أيضاً، وشخصيات أسطورية يضعهم المريدون في مصاف النجوم، فضلاً عن القداسة التي يحيطونهم بها، ولكن اليوم بدلاً من الحديث عنهم سأتحدث عمن تأثر بهم.

نحن نعتقد أن الإسلام المتطرف الذي خرج علينا في السنوات الأخيرة محصور فقط في منطقتنا العربية، ولكن الحقيقة أنه قد تم تصديره إلى أوروبا وأميركا، وأصبح له مريدون ومدافعون ليس فقط من الجنسيات العربية أو من المهاجرين بل ممن هم من أصول أميركية وإفريقية ولاتينية يعيشون في أميركا وأوروبا.

من هذه النماذج شخصية اسمها عمر لي "Umar Lee"، الذي اشتهر في وسائل التواصل الاجتماعي كمدافع شرس عن الإسلام، لكنه لا يهاجم فقط الغرب الإمبريالي الكافر الذي يعيش في كنفه ويتمتع بحرياته، ولكنه يهاجم المسلمين والمسلمات أبناء دينه الذين باعوا مبادئهم ودينهم للغرب، فهو يهاجم السيدات المسلمات المحجبات لأنهن لا يرتدين الحجاب كما يجب، بل بدلاً من تسميتهن بالإنكليزية ""Hijabis" أي محجبات، هاجمهن وأطلق عليهن "HOEjabis" أي عاهرات يرتدين الحجاب.

عمر لي يهاجم المسلمين الذين يحاولون التعايش مع الغرب ويحاولون إعطاء فكرة جيدة عن الإسلام، فبالنسبة له هؤلاء منافقون يحاولون تمييع الدين.

عمر لي ليس مجرد مدون أو محارب على الإنترنت، إذ لديه الكثير من المريدين الذين يصرخون ويشجعون حين يهاجم أعداء الإسلام، فها هو يطرح هذا الشيخ الوسطي أرضاً، وها هو يرمي شخصية مسلمة عاقلة على الأحبال، وها هو يهزم شخصية مسلمة وسطية ثالثاً بلمس الأكتاف.

ولاستكمال المنظر التمثيلي الذي نراه على حلبات المصارعة فقد سمى نفسه "THE CORRECTIFIER" أو المصحح الذي يصحح للمسلمين دينهم، لأن إيمانهم حالياً غير كاف، بل إنه يفتخر بتصوير نفسه بالسيف العربي ليهدد به أعداء الدين مثلما يخرج أبطال المصارعة إلى الحلبة حاملين الفؤوس والأسلحة ليدللوا على قوتهم وجبروتهم.

عمر لي ليس حالة فردية، بل هو حالة تنتشر وتتوغل في المجتمعات المسلمة بالغرب، هؤلاء المسلمون الجدد الذين ظنوا أنهم بعثوا ليتمموا للناس دينهم أصبحوا حملاً ثقيلاً على المسلمين في الخارج، فهم ينفِّرون الأجانب من الإسلام، بل ويمتد تنفيرهم إلى المجتمعات المسلمة في الغرب،  فالشاب المسلم يجد نفسه محاصراً بين مجتمع غربي ينظر إليه بريبة بسبب أمثال عمر لي، وبين منظومة دعوية فاشلة سمحت لهؤلاء بتصدر المشهد المسلم.

وحتى نستكمل المشهد التمثيلي على الحلبة، فقد أعلن عمر لي تنصّره وارتداده عن الإسلام، لأنه لم يعد دين المحبة والسلام الذي اعتنقه! لك أن تتخيل رد فعل المجتمع السلفي الشاب الذي كان يناصره ويهلل له في مبارياته في حلبات المصارعة الوهمية، لقد تنصّر عمر لي وارتد بعد أن كفّر وخوَّن الكثير من الشخصيات الوسطية في المجتمع المسلم بأميركا، فيبدو أن مقولة "في داخل كل متطرف مرتد صغير يريد أن يظهر" صحيحة.

ما فعله ويفعله أمثال عمر لي هو امتداد للفكر العبثي الذي نراه في مجتمعاتنا، فعمر لي "المصحح" ذو السيف العربي المسلول لا يختلف كثيراً عن هؤلاء المهرجين والمصارعين المزيفين الذين يتباهون بورعهم وإيمانهم وتعاليهم على باقي خلق الله، لا يختلف عمر لي عمن نزل يستعرض فنون القتال عند مسجد رابعة في تظاهرات تدعو إلى "السلمية"، وفي النهاية كلهم ممثلون بارعون لم يأخذوا من الدين إلا قشوره، ولم يأخذوا من فنون التواصل الإنساني إلا الصوت العالي والعنف والكراهية، لكنهم كاذبون، مزيفون وممثلون مثل نجوم مصارعة المحترفين، "شكل على الفاضي".

وأنا أكتب هذه السطور أعلن عمر لي في فيديو على الإنترنت بعيون دامعة وصوت متهدج عودته إلى الإسلام مرة أخرى.

فلتستمر المسرحية، ولتستمر المصارعة، وليدفع الجمهور المخدوع بمزاجه ثمن هذه المسرحية العبثية.

* ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top