«لوريل وهاردي» مهزلة تكشف حاجة أميركا لسياسة خارجية جادة

نشر في 17-09-2013
آخر تحديث 17-09-2013 | 00:01
لا يود أحد أن يعيش في عهد «لوريل وهاردي»، ففي عهد مماثل تختفي الخطوط الحمراء، وتتحول التهديدات إلى مجرد كلام فارغ، ويكون عرض القوة الأميركية الذي يراقبه العالم بأسره «بالغ الصغر».
 وول ستريت جورنال بعد أن كتب السفير البريطاني السابق تشارلز كراوفورد في صحيفة Telegraph اللندنية أن يوم الاثنين كان "أسوأ يوم في تاريخ الدبلوماسية الأميركية خصوصاً والغربية عموما"، سأل ببساطة: "كيف حدث ذلك؟".

قد تختلف الآراء حول الجواب، أو ربما لا، فقد يجمع كل مراقبي حوادث الأسبوع الماضي بسهولة على شكوى أوليفر هاردي الشهيرة التي طالما وجهها إلى الأخرق الدائم ستان لوريل: "هذه مشكلة كبيرة أخرى أوقعتنا فيها".

في العلاقة بين الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري، من الصعب أن نحدد أيهما لوريل وأيهما هاردي، لكن المهازل الدبلوماسية ليست مثيرة للضحك، ولا يود أحد أن يعيش في عهد "لوريل وهاردي"، ففي عهد مماثل تختفي الخطوط الحمراء، وتتحول التهديدات إلى مجرد كلام فارغ، ويكون عرض القوة الأميركية الذي يراقبه العالم بأسره "بالغ الصغر".

شهدنا الأسبوع الماضي عاصفة هوجاء من سوء الإدارة الأميركي، واجتمع في مركز أزمة السياسة الخارجية الخطرة هذه افتقار باراك أوباما الواضح للمهارات الضرورية، والعداء الذي يكنه المحافظون لأوباما، وانعدام ثقة الجمهوريين برئيسهم، وانتهازية السياسيين التلقائية من واشنطن إلى موسكو.

يرغب باراك أوباما دوماً في أن يكون هو وكل ما يدور في رأسه محور الانتباه، واعتدنا هذا الأمر خلال السنوات الماضية، لكنه حول أخيراً نفسه والرئاسة والولايات المتحدة إلى مهزلة على مرأى من الجميع حول العالم، فتملكتنا مشاعر الصدمة والذهول في آن. ولكن بعد انقضاء هذه المرحلة، علينا النهوض من كبوتنا.

خسر العالم قائده المفترض، رئيس الولايات المتحدة، فهل هذا ما سيكون عليه الوضع من اليوم فصاعداً؟ إذا كان الوضع كذلك (وهذا ما سيحدث إن لم يتدخل بعض الأشخاص الجادين)، فعلينا أن نتوقع التعايش مع رئيس ضعيف ما زال أمامه ثلاث سنوات طويلة في السلطة.

علاوة على ذلك، يخطئ مَن يظن أننا نستطيع التكيف مع هذا الوضع حتى يأتي منقذ شبيه بريغان في انتخابات عام 2016. بدأت أزمة الرهائن الإيرانية في عهد جيمي كارتر في الرابع من نوفمبر عام 1979، وما هي إلا سنة حتى اختار الشعب الأميركي رونالد ريغان، ولكن لن تُتاح أمامنا فرصة مماثلة في السنة المقبلة أو بعد سنتين، يجب الانتظار حتى شهر نوفمبر عام 2016.

لا شك أن الميل التحرري الذي يتبناه بعض الجمهوريين في السياسة الخارجية سيؤدي إلى طريق مسدود، إذ يفهم التحرريون (الليبرتاريون) الأسواق، ولن تفلح السوق العالمية العدائية، إن تُركت بدون أي ضوابط، بل ستنمو، على غرار ورم خبيث لا يُداوى، ولا يمكننا أن نبرمجها لتقتل غير الأميركيين فحسب، فميول العالم الأسوأ تتطور على هواها، فماذا سيردعها اليوم؟

ما كان تصويت الكونغرس ضد ذلك القرار السوري ليشمل مطلقاً حلاً لمشاكل الشرق الأوسط، فأجهزة الطرد المركزي الإيرانية الستة عشر ألفا والستمئة تدور بلا هوادة، ولن تتوقف الرحلات الجوية الإيرانية إلى العراق لمد دمشق بالسلاح الثقيل وعناصر "فيلق القدس" إلى أن ينتصر الأسد، ولا شك أن حليفَينا، تركيا والمملكة العربية السعودية، سيبدآن عندئذٍ محادثات مشتركة مع إيران، عدو الولايات المتحدة، أما إسرائيل، فستقوم بما هو ضروري، إن أمكنها ذلك.

يوم الأربعاء الماضي، ذكرت الصحف الروسية أن حكومة بوتين باعت بطاريات وصواريخ متطورة مضادة للطائرات من نوع إس-300 إلى إيران، علماً أن هذا النظام قادر على فرض منطقة حظر جوي على الحدود السورية اللبنانية. ومن المفترض أن يبدأ هذا النظام العمل بكامل قدراته بحلول عام 2016، وستُضطر أوروبا يومذاك إلى إعادة النظر في سياساتها وعلاقاتها نظرا إلى الوضع الجديد القائم.

بالإضافة إلى ذلك، سنفتقر إلى تصميم متواصل يرسم حدوداً للصين خلال الأشهر الأربعين المقبلة، تكثر في الصحف أخيراً المقالات التي تتحدث عن أن الآسيويين ما عادوا يصدقون "استدارة" الولايات المتحدة نحو آسيا، وما العمل إذا قررت الصين، بعد مشاهدتها المهزلة السورية الأخيرة، أن تقيم السنة المقبلة مستعمرة صيد في جزر سينكاكو، التي تطالب اليابان أيضاً بملكيتها؟

حذرت الصين يوم الثلاثاء الماضي الهند من نشر مواقع عسكرية جديدة على الحدود المتنازع عليها والبالغ طولها 4 آلاف كيلومتر. وهل يصمد الرئيس الكوري الشمالي، كيم يونغ أون، حتى عام 2016؟ كذلك لن يوافق مجلس النواب الأميركي على قرار بضرب تنظيم "القاعدة"، الذي ما زال يستطيع تهديد موظفي الولايات المتحدة ومصالحه حول العالم.

تنفس البيت الأبيض والكونغرس وخبراء واشنطن الصعداء بعد أن أنقذ الرئيس الروسي الولايات المتحدة من مأزق التصويت المخيف على التدخل العسكري في سورية بتقديمه وسط معمعة الحرب عرضاً بنقل لائحة عن مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية إلى الأمم المتحدة، ولا شك أن هذه قصة خرافية، هذا إن كان هنالك من قصة أساساً. يكفي أن تسأل أي خبير متخصص في التخلص من الأسلحة الكيماوية.

خسرنا المعركة السورية، على ما يبدو، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل يحاول بعض مَن شاركوا في هذه المهزلة، من اليمين واليسار، تعديل مسارهم لتفادي تكرارها عندما تطرأ الأزمة المقبلة؟

على الرئيس نفسه أن يتطلع إلى ما هو أبعد من حدسه في السياسة الخارجية، فما يقوم به اليوم غير كافٍ، وتبدو الإدارة الأميركية بأمس الحاجة إلى رؤية استراتيجية رسمية، وقد تكون مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، التي أدلت يوم الاثنين الماضي بخطاب شديد اللهجة على نحو مفاجئ حول إخفاق مسيرة الأمم المتحدة ودور الولايات المتحدة اليوم، عضو الإدارة المناسب لصوغ استراتيجية ما بعد سورية، رغم هفوتها في قضية بنغازي. من الضروري أن يقوم أحد بذلك، ويستطيع النقاد المحافظون مواصلة التشكي طوال ثلاث سنوات، ما قد يعمق الفجوة أو يحملنا على المضي قدماً.

يجب ألا نسمح مطلقا بأن تتحول مهزلة الأسبوع الماضي إلى وضع قائم، فاستمرار عهد "لوريل وهاردي" لأربعين شهراً إضافية في الولايات المتحدة سيعرض الجميع للخطر.

Daniel Henninger

back to top