المهمَّشون في الأدب... حضور أدبي أقل في المشهد المصريّ
انسحب المشهد الأدبي من الساحة المصرية، تاركاً مساحات واسعة للمشهد السياسي، وشهد الخطاب الثقافي تراجعاً وازداد تهميشاً بعد ثورة يناير... هذا ما أكده عدد من الكتاب والباحثين في كتاب جديد، أصدرته {الهيئة العامة لقصور الثقافة} في مصر بعنوان {المهمشون في المشهد الأدبي}.
يشمل كتاب {المهمشون في المشهد الأدبي» عدداً من دراسات نقدية حول التهميش في الواقع الأدبي المصري والعالمي تحت عنوان {الخطاب الثقافي المهمش وإضاءة على ثيمة التهميش في الأدب» للدكتور أسامة أبو طالب، و{التهميش والتربية وثقافة المقاومة» للدكتور إبراهيم حسين، و{الصراع الاجتماعي وقضايا المهمشين» للدكتور البسيوني عبد الله جاد، دراسة تطبيقية على رواية {وكالة عطية» لخيري شلبي للدكتور محمد يحيى عقل، والتهميش والأدب الشعبي لمحمود بطوش، و{الكاتب المهمش بين النشأة وإشكاليات الفعل» للباحث إيهاب الورداني.
طغيان السياسة ويرجع الكتاب تهميش المشهد الأدبي إلى طغيان الأحداث السياسية بعد الثورة والاستغراق في تفاصيل التغيرات والمطالب المرتجاة. كذلك يشير الكتاب إلى تراكم الإبداعات التي تتحدث عن التهميش والمهمشين مثل أعمال: نجيب محفوظ، يوسف إدريس، يحيى حقي، إبراهيم أصلان، خيري شلبي، صنع الله إبراهيم وغيرهم.ومن أشهر النماذج روايات {اللص والكلاب}، حيث البطل سعيد مهران، ورواية {القاهرة 30} وبطلها محجوب عبد الدايم، وكل منهما من المهمشين الذين تحولوا إلى انتهازيين ومجرمين تحت وطأة المطاردة والقهر.ويتفق نقاد كثر على أن مشكلة البطل المهمش قديمة في الأدب، فالرواية والقصة وكل الفنون الأدبية تتحدث عن ممثلي الإنسانية وهم الأثرياء ذوو النفوذ ومن الطبقات الفاعلة في المجتمع ذات التأثير، وثم أصبح الفرد مهمشاً وفق قرارات تتخذها أقلية في الاقتصاد والسياسة، وأمام المؤسسات الضخمة الحديثة لم يعد الفرد مؤثراً فاعلاً وعلى عكس الماضي، حيث كان الفرد باستطاعته أن يغير أوضاعه في مجتمع. ومن هنا جاءت الكتابات التي تعني بالتعبير عن البطل {المهمش} وشؤونه الخاصة وما يعتمل داخل ذاته، وهذا المنحنى تعاظم دوره في الرواية والقصة والشعر. وأحد أبرز الذين عبروا عن هذه الحالة يوسف إدريس، خصوصاً في قصته {بيت من لحم}، وتحضر هنا أيضاً روايات صنع الله إبراهيم خصوصاً {تلك الرائحة}، كذلك الأديب خيري شلبي الذي كتب عن سكان المقابر، أعلى فئة في التهميش الاجتماعي، وإبراهيم أصلان الذي قدم خلال أعماله المتميزة {بحيرة المساء}، {يوسف والرداء}، {مالك الحزين}، و{وردية ليل} نماذج للمهمشين داخل الأحياء الشعبية، هؤلاء الذين يحملون ويبحثون عن الحضور والتحقق ولا يبالون بعجزهم الاجتماعي أو الجسدي مثل الشيخ يوسف بطل {مالك الحزين}... هذا الرجل الكفيف الذي لم يفقد بصيرته وطموحه في التحليق وتجاوز محنة العمى.رصد الكتاب أوضاع المرأة والأطفال المهمشين، فتناول الناقد والأديب يعقوب الشاروني {الفتاة المهشمة بين الحكايات الشعبية والكتابة الحديثة للأطفال}، وكتب الباحث محمود عرفات {الموتى يثرثرون في الفضاء قراءة في رواية لمحسن يونس}. وضم الكتاب دراسات عدة من بينها {المهمشون دود الأرض قراءة في قصص شرق الدلتا} لفكري داود، و{قضايا الناس ورؤاهم.. من الهامش إلى المتن} لسمير الفيل، {رحيق الأماكن.. حنين للوطن نماذج التهميش في شعر العامية}، {العربي} لعبد الوهاب و{قصة الفاعل من الصعلكة إلى التهميش قراءة في شعر الفصحى} للباحث محمد محمد عيسى.وتضمن الكتاب احتفالية للشاعر محمد الشهاوي بأقلام عدد من الكتاب والنقاد.