تركيا... حليف أميركي غير داعم!

نشر في 03-03-2013
آخر تحديث 03-03-2013 | 00:01
لا تتوقع واشنطن أن تساهم الدول العربية السنّية في تمكين القادة العلمانيين والمعتدلين في سورية، لكن يجب أن تتوقع من تركيا، إحدى دول حلف شمال الأطلسي، أن تعزز احتمال نشوء دولة سورية تعددية بعد الأسد... إلا أنها لم تفعل كذلك.
 نيويورك تايمز هدف الولايات المتحدة المعلَن الإطاحة ببشار الأسد من منصبه في سورية، كما تصر الولايات المتحدة على أن أي حل للأزمة السورية يجب أن يضمن التعددية الدينية والإثنية. لكن هذه الرؤية الوردية عن تأسيس دولة سورية معتدلة وعلمانية عقب سقوط الأسد ستبقى مستحيلة ما دامت الولايات المتحدة تتمسك باعتمادها على حلفائها في المنطقة الذين لا تقتضي مصالحهم التوصل إلى نتيجة مماثلة.

يعتمد الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى حد كبير على تركيا في سعيه للإطاحة بالأسد... وقد زار وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري العاصمة التركية أنقرة قبل أيام، لكن تركيا تشكل جزءاً من المشكلة. فهي تفاقم الصراع الطائفي داخل سورية، بدل أن تدعم الحل السلمي التعددي.

صحيح أن إدارة أوباما شجعت على تشكيل ائتلاف واسع للمعارضة السورية يكون تأثير الإسلاميين فيه محدودا، لكن تركيا لم تقدم لها أي دعم في هذا المجال. بدلاً من ذلك، واصلت الحكومة التركية إلقاء ثقلها وراء جماعة "الإخوان المسلمين". تسيطر هذه الجماعة على "المجلس الوطني السوري"، الذي يتخذ من اسطنبول مقراً له. وقد نجح هذا المجلس في الهيمنة على المجموعات الأخرى في الائتلاف المعارض الجديد، ما عطل بفاعلية جهود الولايات المتحدة لتمكين غير المسلمين.

علاوة على ذلك، تدعم الحكومة التركية قضية السنّة في سورية، ولم تحاول إظهار أي تعاطف مع مخاوف الأقليات الكردية أو المسيحية أو العلوية في البلد. فقد أيد معظم المسيحيين والعلويين الحكومة، وهم يخشون التعرض لأعمال انتقامية في حال سقط الأسد.

علاوة على ذلك، قدّمت تركيا ملجأ رئيساً للثوار السنّة الذين يحاربون الأسد. وشاركت في تسليحهم وتدريبهم. وما ينبئ بالسوء حقّاً أن تركيا تغض الطرف عن وجود مجاهدين على أراضيها، حتى إنها استخدمتهم للحد من طموح الأكراد في سورية. ففي شهر نوفمبر الماضي، دخل ثوار "جبهة النصرة" الإسلاميون، الذين يشتهرون بعلاقاتهم مع تنظيم "القاعدة" في العراق، بلدة رأس العين السورية من تركيا، وهاجموا مقاتلي "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، الذي بسط سيطرته على أجزاء من شمال شرق سورية. دُحر مقاتلو "جبهة النصرة" بادئ الأمر، إلا أنهم لا ينفكون يعبرون الحدود إلى سورية من معاقلهم في تركيا.

استثمر أوباما رأسمالاً سياسياً كبيراً في تركيا، مشيداً علاقة وطيدة مع رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان. كذلك عقد المسؤولون الأميركيون والأتراك اجتماعات دورية للتخطيط للعمليات منذ الصيف الماضي. وقد سعوا من خلال هذه الاجتماعات إلى تسريع سقوط الأسد. وفي مقابلة أخيرة مع الصحيفة التركية "ميليت" Milliyet، شكر أوباما "الحكومة التركية على القيادة التي أعربت عنها خلال الجهود المبذولة لإنهاء العنف في سورية وبدء عملية الانتقال السياسية".

لكن هذا الثناء لم يأتِ في محله. لا تتوقع الولايات المتحدة أن تساهم الدول العربية السنّية، التي مولت الانتفاضة السورية، في تمكين القادة العلمانيين والمعتدلين في سورية. ولكن يجب أن تتوقع من تركيا، إحدى دول حلف شمال الأطلسي، أن تعزز احتمال نشوء دولة سورية تعددية بعد الأسد. إلا أنها لم تفعل كذلك.

نتيجة لذلك، على إدارة أوباما أن تعيد تقييم افتراضها أن تركيا تؤدي دوراً بناءً في إنهاء العنف في سورية. وينبغي أيضاً أن تتأمل جيداً دورها هي في تأجيج الصراع الطائفي.

شجّعت سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، التي تقوم على فرض العقوبات والتهديدات شبه المبطنة باللجوء إلى العمل العسكري، تركيا على ترسيخ دورها كقوة سنية. فقد جعل مفهوم أن تركيا تتمتع "بغطاء" أميركي في سياستها الخارجية، التي تتحدى مباشرة مصالح إيران، الحكومة التركية أكثر جرأة لتلقي بثقلها وراء الثورة السنّية المسلحة التي تتصدى للأسد، حليف إيران الإقليمي الرئيس.

تخلت تركيا بسرعة عن طموحها المعلن: "ألا تواجه أي مشاكل مع جيرانها". وقررت أن تنضم إلى الولايات المتحدة في مواجهة إيران. لذلك وافقت على نشر أجزاء من درع حلف شمال الأطلسي المضادة للصواريخ، التي تهدف إلى القضاء على أي تهديد صاروخي مفترَض من إيران.

ينبع هذا التبدل في الموقف التركي من الاعتقاد أن تركيا ستزداد قوة ومكانة وتحصد الفوائد، في حال نجحت الولايات المتحدة في الحد من طموحات إيران النووية.

لا شك في أن كل ذلك يُلائم الولايات المتحدة. فما عادت واشنطن تخشى أن تنجرف تركيا "شرقاً"، كما حدث خلال التقارب التركي-الإيراني الذي لم يعش طويلاً قبل بضع سنوات، حين اختلفت تركيا مع شركائها الغربيين بسبب المسألة النووية الإيرانية. كذلك تبدو تركيا للولايات المتحدة مكسباً لأنها تستطيع، على ما يبدو، موازنة تأثير القوى السنّية الأكثر تشدداً.

لكن الأزمة السورية دفعت كل الأطراف إلى التشدد، بما فيها الحكومة الإسلامية الأكثر اعتدالاً في تركيا. لو كان الوضع أكثر هدوءاً لحقق أردوغان على الأرجح التوقعات الأميركية وعزز رؤية تعددية للشرق الأوسط. لكنه لن يقدِم على عمل مماثل في منطقة يمزقها الصراع الطائفي العنيف ويعتقد قادتها أن اللعب على وتر الطائفية يقوي نفوذهم.

أدت الإطاحة بصدام حسين في العراق عام 2003 إلى عاقبة غير مرجوة: تمكين إيران. وبعد نحو عقد، تشكّل جهود الولايات المتحدة اليوم للإطاحة بالأسد محاولة لمعالجة هذه النكسة الجيو-سياسية. ولكن كما في العراق، ستكون لمحاولتها هذه في سورية عواقب وخيمة. بالإضافة إلى ذلك، تشجع السياسة الأميركية تجاه إيران السنّة على اتخاذ خطوات جريئة، ما قد يؤدي إلى ردّ شيعي.

يجب أن تحذر الولايات المتحدة من مجاراة القوى السنّية، خصوصاَ تركيا، لأنها تروج لأجندة طائفية تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة التي تشمل الترويج للتعددية والتسامح. وإذا ظلت الطائفية تتفشى بلا رادع، فقد تؤدي إلى حرب إقليمية خطيرة.

Hail M. Karaveli

back to top