الكلفة الباهظة لحرب أميركا ضد إيران

نشر في 29-03-2013
آخر تحديث 29-03-2013 | 00:01
ستجعل الولايات المتحدة من تدمير منشآت إيران النووية الأساسية هدفها الأول، ومن المرجح أن تنجح في تحقيق هدفها هذا في غضون ساعات بعد اندلاع الصراع... لكن هذه لن تكون جبهة الحرب الوحيدة.
 ناشيونال إنترست أعلن أوباما أخيراً أن إيران قد تطور قنبلة نووية في غضون سنة، وفي الوقت الذي تطول فيه المفاوضات بشأن برنامج طهران النووي، علماً أن الأمل بتحقيقها أي تقدم ضئيل، يزداد احتمال أن يندلع صراع مسلح. ومن المرجح أن تبدأ الولايات المتحدة هذه الحرب أو تنجر إليها. فماذا تكون النتائج؟ وما البدائل؟ قد يشكل كتابنا الجديد War with Iran: Political, Military, and Economic Consequences (حرب مع إيران: عواقب سياسية، عسكرية، واقتصادية) دليلاً جيداً للإجابة عن هذين السؤالين.

ستجعل الولايات المتحدة من تدمير منشآت إيران النووية الأساسية هدفها الأول، ومن المرجح أن تنجح في تحقيق هدفها هذا في غضون ساعات بعد اندلاع الصراع.

لكن هذه لن تكون جبهة الحرب الوحيدة، فقد كرر قادة إيران تهديدهم الغرب علانية مرات عدة، لذلك لا يمكنهم تجاهل هذا الهجوم بكل بساطة. تتمتع إيران بعملاء وحلفاء قد ينفّذون أعمالاً إرهابية. وتشكل بلغاريا واكتشاف مؤامرة مماثلة في قبرص دليلاً على هذه القدرة. كذلك تكشف محاولات اغتيال دبلوماسيين إسرائيليين في الهند وجورجيا وتايلاند وكينيا، فضلاً عن السفير السعودي في واشنطن، استعداد إيران لارتكاب أعمال إرهابية كجزء من استراتيجيتها.

علاوة على ذلك، تملك إيران الكثير من القوارب العسكرية الصغيرة السريعة، والغواصات الصغيرة، والصواريخ المضادة للسفن. وقد تستخدم هذه لمهاجمة السفن الأميركية قرب شواطئها أو تقطع تدفق النفط عبر مضيق هرمز، ولا شك أنها، إذا نجحت في قطع خطوط النفط لفترة طويلة، ستتسبب باضطرابات كبرى في الاقتصاد العالمي، بما أن نحو خمس النفط المتداول به عالمياً يمر عبر هذا المضيق.

لكن قادة إيران يدركون أن هذه الخطوة الكبيرة قد تؤدي إلى ردّ أعنف، ومن المستبعد أن يتمكنوا من إقفال مضيق هرمز بفاعلية. لذلك سيعمدون على الأرجح إلى شن حملة طويلة من المضايقات الصغيرة (مثل صاروخ هنا وبعض الألغام العائمة هناك) التي تستمر على مدى ساعات وأيام وأسابيع. ولا شك أن هذه، عندما تجتمع مع أعمال عملاء إيران في الدول المجاورة وربما قوة الصواريخ البالستية الإيرانية، ستوقع أي مهاجم في حيرة. فهذه الأعمال أعنف من أن تُعتبر سلمية، إلا أنها ليست حرباً كاملة. فضلاً عن ذلك، سيجعل هذا الوضع إيران تتعامل مع الولايات المتحدة بنفوذ أكبر، ما سيضع صانعي السياسات الأميركيين أمام تحدي التوصل إلى رد ملائم، وقد تنجم عن ذلك حالة من التشرذم المستمرة.

سيكون التأثير الاقتصادي لهذا النوع من الحرب سلبياً. بغض النظر عن المنحى الذي سيأخذه الصراع، ستشهد أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً، وإذا لم تكن هذه الحرب سريعة وخاطفة، قد يدوم هذا الارتفاع أسابيع أو أشهر، ويجب ألا نستخف بتأثير ذلك، نظراً إلى عملية التعافي الهشة التي يمر بها الاقتصاد العالمي اليوم.

من المتوقع أن ينهار نظام العقوبات الدولية غير المسبوق المفروض على إيران عقب الحرب، فقد يعمد البعض إلى التخفيف من هذه العقوبات بسبب استيائهم من الولايات المتحدة. وقد يرضخ البعض الآخر للضغط العام الناجم عن صور المعاناة الإيرانية. كذلك قد يدفع ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب آخرين إلى تحسين علاقاتهم مع إيران المنتجة للنفط، وهكذا تكون النتيجة النهائية الحدّ من عزلة إيران.

إذن، للحرب تكلفة ومخاطر كبيرة، ولكن ما من ضمان أنها ستحل مشكلة التهديد النووي الإيراني، فتستطيع إيران إعادة بناء منشآتها النووية. صحيح أن التعرض لهجوم من قوة عظمى قد يقنع طهران بأن الأسلحة النووية لا تستحق العناء، إلا أن هذا الهجوم قد يعزز أيضاً قناعتها بأن تطوير رادع نووي قد يجعل اعتداءات مماثلة أقل احتمالاً في المستقبل.

قد لا تطلق الولايات المتحدة بحد ذاتها شرارة الحرب، فقد بدا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عاقد العزم بشكل خاص على إنهاء الأزمة الإيرانية بحل سريع، ويشاطره عدد من أعضاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مخاوفه هذه، ولكن إذا وجهت إسرائيل بمفردها ضربة إلى إيران وجُرّت الولايات المتحدة إلى هذا الصراع، فقد تسوء العلاقات الأميركية-الإسرائيلية. سبق أن أظهرت استطلاعات الرأي تراجع التعاطف مع إسرائيل بين اليسار الأميركي. ولا شك أن حرباً غير مرغوب فيها قد تؤجج هذا الميل.

قد تعمد إيران إلى إطلاق شرارة الحرب، مع أن هذا يبدو مخالفاً للمنطق السليم، ففي إيران اليوم بعض المجموعات المتشددة التي تبدو مستعدة للقيام بأعمال استفزازية، وإذا نجح مخطط إرهابي، مثل محاولة اغتيال السفير السعودي إلى الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن يتحول إلى مبرر للحرب. بالإضافة إلى ذلك، تشكّل العزلة الاقتصادية الإيرانية مصدر توتر قد تسعى إيران إلى التخفيف منه بإثارة الاضطرابات.

لا داعي للقول إن للإحجام عن اتخاذ أي خطوات مساوئه. صحيح أنه ما من أدلة على أن إيران قررت تطوير قنبلة، ولكن مع تقدم برنامجها النووي بشكل متواصل، سيكون من الصعب اكتشاف أي محاولة سريعة لتطوير سلاح نووي ووقفها.

عندما تصبح إيران دولة نووية، ستتمتع بقدرة أكبر على مقاومة الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط. وستصبح الخيارات محدودة جداً إذا ساءت العلاقات كثيراً. رغم ذلك، من المستبعد أن تقدم إيران أسلحة ذرية لإرهابيين أو تطلق هجمات نووية مفاجئة. فيُظهر التاريخ أن كل الأنظمة التي طوّرت القنبلة، حتى المتطرفة منها مثل نظام ماو في الصين، باتت أكثر حذراً في استخدامها.

يبقى الخوف الأكبر أن يؤدي تطوير إيران القنبلة إلى إنهاء نظام الحد من انتشار الأسلحة النووية، ما يؤدي إلى طفرة في انتشار هذه الأسلحة، لا في الشرق الأوسط فحسب، بل في جنوب آسيا وشرقها أيضاً، وخصوصاً في كوريا الجنوبية واليابان. ولا شك أن هذا سيشكّل عائقاً كبيراً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي جعلت من الحد من انتشار الأسلحة النووية محور سياستها الخارجية. ومن المؤكد أن هذا سيفاقم خطر مواجهة صراع نووي.

رغم ذلك، تبقى أسباب شن حرب ضد إيران واهية، فلن تنتهي طموحات إيران النووية إلا عند التخفيف من مخاوفها الاستراتيجية. ولن يحقق توجيه ضربة إليها أي هدف غير تأخير هذه المسألة بضع سنوات. لذلك يشكل اعتماد الولايات المتحدة استراتيجية تفاوض أكثر تشدداً حلاً أفضل، فيجب أن تبرز واشنطن بشكل أوضح الرابط بين التخفيف من العقوبات وإحراز التقدم في المفاوضات. كذلك عليها تنسيق هذه الجهود مع القوى الأخرى التي تفرض العقوبات على إيران، وينبغي أيضاً أن تفكر في العرض على طهران تحسين العلاقات معها مقابل التوصل إلى حل للمسائل النووية كلها. ومن الضروري أن يشكل نظام تفتيش نووي مستدام وشامل أساس هذه الصفقة، كذلك يجب أن تتبنى الولايات المتحدة وجهة نظرة عملية من هذه المفاوضات: فلا شك أن السماح بعملية تخصيب محدودة جداً تخضع للمراقبة عن كثب أفضل من شن حرب، فضلاً عن أن مخاطره أقل. مع خطوات مماثلة، تستطيع واشنطن أن تخدم مصالحها الخاصة وتتفادى الانجرار إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، حرب لا تستطيع تحمّل كلفتها.

John Allen Gay & Geoffrey Kemp

back to top