تقرير اقتصادي : «العدالة» في إسقاط فوائد القروض... مهمة شبه مستحيلة

نشر في 17-01-2013
آخر تحديث 17-01-2013 | 00:03
No Image Caption
• اقتراح مضر بالنظام الاقتصادي فضلاً عن الاجتماعي ويؤثر سلباً على المال العام
• كيف سنحقق العدالة بين المقترضين على اختلاف مبالغهم ومع غير المقترضين؟

لا يمكن فهم كيف يمكن تحقيق العدالة مع 3 أشخاص؛ فائدة قرض الأول تبلغ 30 ألف دينار، وفائدة قرض الثاني 5 آلاف دينار، والثالث غير مقترض سيمنح ألف دينار. فمن حيث المبدأ تكافئ الدولة من أثقل كاهله بالاقتراض، وتعاقب من كيّف حياته على وضعه المالي!
عاد ملف إسقاط فوائد القروض إلى الواجهة بعد أن تبنى أكثر من 40 نائباً في مجلس الأمة هذا المقترح، في حين حضر محافظ بنك الكويت المركزي د. محمد الهاشل اجتماعاً للجنة المالية البرلمانية عارضاً مجموعة من الأرقام والنسب الخاصة بالمقترضين وحجم الفوائد.

في هذا السياق، نقل رئيس مجلس الأمة علي الراشد عن سمو أمير البلاد أن سموه تمنى الوصول إلى اتفاق بين الحكومة ومجلس الأمة حول معالجة فوائد القروض والتوافق على آلية تتسم بالعدالة والمحافظة على المال العام.

لا عدالة

وفي الحقيقة، فإن من الصعب جدا إيجاد حل عادل او حل يحافظ على المال العام في ملف القروض، كون القضية اصلا غير عادلة وفيها من التمايز بين المقترض وغير المقترض واختلاف قيم الاقتراض والفوائد، فضلا عن كلفة الفوائد التي اعلنها محافظ المركزي، وهي 1.68 مليار دينار لا بد ان تمس المال العام ان قررت الحكومة شراء فوائد القروض من البنوك، فضلا عن اقتراحات بصرف منحة لغير المقترضين بقيمة 1000 دينار سعيا لتحقيق العدالة كما يروج مؤيدو المشروع.

في الحقيقة لا يمكن -نظريا على الاقل- فهم كيف يمكن تحقيق العدالة مع 3 أشخاص مثلا؛ فائدة قرض الاول تبلغ 30 الف دينار وفائدة قرض الثاني 5 آلاف دينار، والثالث غير مقترض سيمنح ألف دينار. فمن حيث المبدأ تمنح الدولة في هذه الحالة شخصاً أكثر من الآخر فضلا عن انها تكافئ من اثقل كاهله بالاقتراض وتعاقب من كيّف حياته على وضعه المالي فلم يستدن، وهنا تقدم الدولة نموذجا لتشجيع النمط الاستهلاكي على حساب ثقافة الادخار.

التضخم والالتزامات

الأهم من هذا كله، ان اقتراح اسقاط فوائد القروض "الاستهلاكية" او "المقسطة" سينعكس سلبا على النظام الاقتصادي ويشيع فكرة عدم الالتزام بالسداد، فضلا عن رفع مستوى التضخم، وبالتالي غلاء الاسعار، لان الارقام الاخيرة تفيد بأن معدل التضخم في الكويت ارتفع بنسبة 4 في المئة عام 2012 مقارنة بعام 2010، حيث لعبت الزيادات المالية والمنح دورا اساسا في ارتفاع مستويات الاسعار، لاسيما في ما يتعلق بالمواد الغذائية ثم السكن فالخدمات الصحية والتعليمية... الأمر الذي يجعل التساؤل مشروعا: هل فكر مقدمو الاقتراح بالآثار السلبية التي يمكن ان تنعكس على التضخم حال اسقاط القروض وزيادة مستويات السيولة بين المواطنين؟

نسبة ضئيلة

وتقدر نسبة المتعثرين من المقترضين بنحو 1.8 في المئة، وهذه النسبة محدودة اذا ما قورنت بالمستويات العالمية للتعثر والتي تبلغ بالمتوسط 5 في المئة، اي انه لا توجد ازمة اصلا، وبالتالي فليس هناك مشكلة اصلا أو حاجة لفتح هذا الملف الا للتكسب الانتخابي السياسي.

ويطالب مشروع القانون بإلغاء فوائد القروض التي تقدر قيمتها بـ1.68 مليار دينار الى جانب صرف ألف دينار لكل كويتي لم يستفد من القانون بما يوازي 700 مليون دينار، اي إن الكلفة المالية للقانون على المال العام تبلغ 2.4 مليار دينار، وهو مبلغ ضخم جدا يمكن توجيهه إلى تطوير الخدمات العامة في الدولة لتكون مستدامة اكثر من ان يتم صرفه لتشجيع النمط الاستهلاكي للمواطن.

فوائد وعوائد

ويتحايل مشروع القانون على كلمة الفوائد ليضيف كلمة أخرى هي العوائد كي يشمل المقترضين من البنوك الإسلامية، مع أن هناك في الأصل مشكلة في التعامل مع هذا الملف بالذات، فالبنوك الاسلامية تقرض عملاءها على قاعدة البيع والشراء، وما يسمى بالمرابحة، ومن ثم فإن التعامل مع العوائد على انها فوائد قد يدفع البنوك الاسلامية للطعن بمدى انطباق القانون عليها، خصوصا ان الصفقات التي منح على اساسها التمويل تمت، والعميل يدفع حالياً الدين المقسط الناتج عن عملية تجارية بحتة، وليس عبر قرض (مال مقابل مال).

فمثلا لو ان شخصا اراد الحصول على تمويل اسلامي وذهب الى البنك لشراء صفقة اسمنت بقيمة 15 ألف دينار ثم يبيعها خلال ساعات بـ12 ألف دينار يكون قد خسر في هذه الصفقة 3 آلاف دينار (هي قيمة المرابحة للبنك الاسلامي)، وهذه لا يمكن قانونا معاملتها بمعاملة القرض في البنك التقليدي، لأنها صفقة بيع وشراء بين طرفين.

أزمة عالمية

إن الحديث عن اسقاط الفوائد يأتي في وقت لايزال العالم يعيش ازمة اقتصادية عالمية لم تسلم منها أوروبا، ولا بدرجة أقل الولايات المتحدة، لذلك فمن الاجدى في ظل اجواء عدم اليقين الاقتصادي ان تتصرف الدول، ومنها الكويت، وفق سياسات احترازية متحفظة، خصوصا ان الكويت تعتمد على مصدر أحادي للدخل هو النفط، ولا أحد يضمن استمراره في المستقبل، ولا يمكننا حتى ان نتحكم في اسعاره، خصوصا في ظل ازمات اقتصادية متجددة يمكن ان تهوي بأسعار مصدرنا الوحيد الى ما دون الـ50 دولاراً، في وقت تتصاعد فيه الكلفة على الميزانية كسعر تعادل مع البرميل عاما تلو الآخر.

لجان وتقارير

جميع الدراسات والتقارير الاقتصادية، وآخرها تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية يشير الى أن الاستمرار في النهج الحالي في الصرف على الزيادات والكوادر والمنح لا يمكن ان يستمر، وان الكويت في ضوء النهج الحالي لادارة الاموال ستدخل عام 2020 في اول عجز مالي في ميزانيتها بواقع 3.5 مليارات دينار في السنة الأولى، على أن يبلغ العجز التراكمي لعام 2030 نحو 174 مليار دينار، وعندها سنحتاج الى سعر 213 دولاراً للبرميل لتحقيق نقطة التعادل.

ومن ثم، فإن اهدار مبلغ يوازي 2.4 مليار دينار على اسقاط فوائد قروض بشكل عديم العائد على الدولة، وليس على استثمارات أو بنية تحتية، يعتبر تفكيرا غير حصيف نهائياً في المستقبل.

صندوق ومعالجات

صندوق المتعثرين، أصلاً، عالج الحالات المتعثرة عن سداد القروض ودخل قرابة 26 ألف مواطن ممن كانوا يحتاجون إلى بعض الدعم في هذا الشأن، وحصلوا على قروض من دون فائدة ميسّرة على فترات طويلة جدا من الدولة، وصلت إلى 420 مليون دينار، رغم ان نسبة المتعثرين، وقتها لم تكن تتجاوز 3.3 في المئة من اجمالي عدد المقترضين البالغ 300 ألف، أي أن عدد المتعثرين عن السداد كان يبلغ 10 آلاف مقترض، وبدخول 26 ألفاً يكون صندوق المتعثرين قد عالج اوضاع نحو 16 ألف شخص من الاشخاص المتوقع تعثرهم، وهذا بحد ذاته إنجاز يحسب للصندوق.

back to top