صانع البهجة...سيد مكاوي (1)

نشر في 10-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 10-07-2013 | 00:02
نهر متدفق العطاء، عذب الأنغام، لكنه في الوقت نفسه كالبحر لا حدود له... متجدد عميق... ثائر، يُحسب له ألف حساب، فهو مطرب عرف حدود صوته وإمكاناته، فغنى ليشبع رغبة المطرب في داخله، وملحن اجتهد ليعلم نفسه بنفسه الموسيقى، فلم يلتحق بمعهد الموسيقى كغيره من أبناء جيله، لكن حفظه القرآن الكريم وإقامة الآذان جعلاه صوتاً بلا حدود واسع الإمكانات، وتعليمه الموسيقى بنفسه لنفسه، جعل منه أكبر من أن يلتحق بمعهد أو أكاديمية، وهو ما اكتشفه ممتحنوه، فأكدوا له أن حصيلته ومعلوماته وموهبته، أكبر من أن يكون له مكان بينهم، أنه الشيخ سيد مكاوي الذي حفر اسمه في تاريخ النغم العربي بحروف من ذهب.
{فنان حفر في الصخر ليصنع تاريخه} عبارة قد يستخدمها بعض النقاد للتدليل على مدى صعوبة مشوار فنان أو فنانة ما، غير أن هذه العبارة، تبدو وكأنها وضعت خصيصاً للتعبير عن حياة الشيخ سيد وكفاحه، الذي حفر في صخر الزمن بأظفاره، لينحت مكاناً فسيحاً رحباً لنفسه في دنيا النغم التي كانت تزدان بعمالقة الموسيقى العربية في مصر القرن العشرين، أمثال سيد درويش وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب ومحمد القصبجي ورياض السنباطي وبليغ حمدي.

استمد الشيخ مكاوي موسيقاه من نغم الحياة ليمتع الناس بموسيقى تعانق تفاصيل حياتهم اليومية، ليكتب اسمه بأحرف من نور في سجل الموسيقى العربية الخالد، بأنه؛ على رغم ما ابتلته به الأقدار من كف البصر، كرس حياته ليصنع البهجة للناس، فاستحق عن جدارة لقب {صانع البهجة}.

على رغم أنه فطم على المآسي والنكبات الإنسانية، التي اختفى بعضها بفعل الزمن، وبعضها الآخر ظل ملازماً له حتى رحيله، فإن الشيخ سيد حرص أن يحتكر لقب {صانع البهجة}، ليس لأجل نفسه، بل لأجل الناس، كل الناس، فقد أراد أن يكون جمهوره الناس ببساطة، لا فرق بين غني وفقير؛ متعلم وجاهل؛ رجل وامرأة، الكل سواء في حب الموسيقى، لذلك توجه إليهم جميعاً ببهجته التي لا يتقن سواها.

انطلق مكاوي يصول ويجول في المسرح الغنائي ليقدم على مدار سنين عمره ـ إلى جانب آلاف الأناشيد الدينية.. والأغاني من كل الألوان، بداية من الديني، مروراً بالوطني، والعاطفي والثوري والكوميدي ـ العديد من الأعمال المسرحية المهمة مثل {دائرة الطباشير القوقازية، الصفقة، مدرسة المشاغبين، سوق العصر، هاللو دوللي}، ولمسرح العرائس قدم: {الليلة الكبيرة، قيراط حرية، حمار شهاب الدين، الفيل النونو الغلباوي}، فضلاً عن أهم عمل في تاريخ مسرح العرائس العربي “الليلة الكبيرة”، بمشاركة رفيق دربه الشاعر صلاح جاهين.

كما قدم مكاوي للإذاعة المصرية الكثير من ألحان الصور الغنائية والتي تعتبر لونا من ألوان المسرح الغنائي أيضاً مثل {سهرة في الحسين} و{على دمياط} و{هنا القاهرة}، وغيرها إلى جانب مئات من الألحان الإذاعية.

محطات مهمة

في أعماله الإذاعية عدة محطات مهمة يجدر التوقف عندها، نظراً إلى أهميتها الشديدة، لدرجة أن بعض النقاد أشار إلى ضرورة أن تدرس هذه الأعمال في المعاهد الموسيقية المتخصصة، لاحتوائها على كثير من بدائع موسيقانا الشرقية التراثية.

المحطتان الأولى والثانية كان شريكاً فيهما وصاغهماً شعراً رفيق الدرب والفن صلاح جاهين، وهما: الأوبريت الغنائي {الليلة الكبيرة} كعمل إذاعي تحول في ما بعد إلى عمل مسرحي ثم تلفزيوني، ثم {الرباعيات} التي قدمت من خلال إذاعة {صوت العرب} في نهاية الستينيات من إخراج أنور عبد العزيز، وكانت تقدم في حلقات يومية وحققت شهرة واسعة ما جعل المطرب علي الحجار يستأذن مكاوي في إعادة تقديمها، وتمت إعادة تسجيلها بصوته.

المحطة الثالثة، وهي من أهم المحطات في حياته، عندما قدم حلقات {من نور الخيال وصنع الأجيال} ليكون له السبق والريادة في تلحين الدواوين الشعرية الكاملة، فبعدما لحن ديوان {رباعيات} صلاح جاهين، لحن للشاعر فؤاد حداد {من نور الخيال وصنع الأجيال}، الذي يصف فيه القاهرة العظيمة، خلال ألف عام، وما مر بها من أحداث عبر هذا التاريخ حيث تم تقديمه من خلال إذاعة {البرنامج العام} خلال شهر رمضان عام 1968 من إخراج فتح الله الصفتي، وغناها مكاوي مجسداً دور الشاعر الراوي.

قدم الشيخ سيد من خلال برنامج {من نور الخيال وصنع الأجيال} إحدى أشهر الأغاني الوطنية العربية؛ {الأرض بتتكلم عربي} كأول أغنية وطنية تغني بشكل الأغاني العاطفية، فاعتبرها النقاد عملاً ملحمياً مليئاً بالتراكيب اللحنية الشيقة والمعقدة والمركبة، واعتبروه مرجعاً مهماً لكل الملحنين الجدد للاستفادة منه في كيفية التسلسل اللحني وحسن النقلات الغنائية، وأوصوا بضرورة أن يكون مرجعاً موسيقياً مهماً في مكتبة المعاهد والكليات الموسيقية.

المحطة الرابعة في مشوار مكاوي كانت أيضاً من خلال الإذاعة، حيث كان له السبق في تقديم التتر الغنائي للمسلسلات الإذاعية، لينتقل به في ما بعد إلى التلفزيون والسينما، ويجعله علامة مميزة لأعمال الدرامية العربية، فعندما كانت الدراما والتمثيليات الإذاعية تتمتع بإقبال جماهيري كبير وتحظى بنسبة استماع كثيفة، نجح مكاوي في إقناع المسؤولين بالإذاعة بضرورة تطوير شكل المسلسلات الإذاعية بعمل مقدمات غنائية لها، فكان له الفضل والسبق في وضع هذه القاعدة وقدم من خلالها عشرات المقدمات الغنائية لمسلسلات شهيرة مثل {شنطة حمزة، رضا بوند، عمارة شطارة، حكايات حارتنا} وغيرها الكثير، حتى بلغ به الأمر أن يضع أسماء صانعي العمل في التتر بشكل غنائي مثلما فعل في {حكايات حارتنا}، مراعياً في تلحين هذه المقدمات أن يكون الغناء بشكل كوميدي يتمتع بخفة ظل، كما هي شخصيته في الواقع.

قدم سيد مكاوي خلال رحلته الموسيقية عدة آلاف من الألحان، أدهش بها الموسيقيين والنقاد والمهتمين، لدرجة أنهم لم يعرفوا متى وأين وضعها؟ لكن السؤال الأهم هو: كيف وضعها بهذه القدرة الهائلة على الاختلاف دون أدنى تشابه بين ألحانه؟!

القدرة الأهم أنه لم يلحن للمطربين والمطربات فقط، بل أنه لحن لرجل الشارع العادي، فقد استقى ألحانه من الشارع، وألبسها ثوبها الفني وأعادها إليه، فجعل الجميع، ليس فقط يستمعون لألحانه، بل جعلهم يتغنون بها ويشاركون في غنائها، فقد عرف أهمية أن يغني الجميع، أن يغني الناس، حيث آمن بضرورة الغناء الجماعي أكثر من الغناء الفردي، حتى لو كان ذلك على حساب شهرته ونجوميته، ليضع أساس تقديم الأغاني الجماعية بالإذاعة.

فكان مكاوي أول من لحن أغاني المجاميع وكان معروفاً أن كل ملحن يسعى لتقديم لحنه لأحد الأصوات الشهيرة الموجودة تحقيقاً للشهرة والذيوع، ولكن سيد مكاوي كسر تلك القواعد، عندما وجد أن نصوص تلك الأغاني لا تحتاج لأصوات فردية فضحى بالشهرة في مقتبل عمره في سبيل تقديم اللون الغنائي الذي يراه مناسباً، فقدم للشاعر محمود حسن إسماعيل أغنية جماعية هي {آمين آمين.. يارب الناس}، كذلك أغنية {وزة بركات}، وللشاعر فؤاد قاعود أغنية {عمال ولادنا والجدود عمال}والأغنية الشهيرة {زرع الشراقي}.

في محطته الخامسة، وصل مكاوي إلى قمته الفنية من خلال العمل الشعبي الرائع {المسحراتي}، الذي جاء بعد نكسة 1967، فاعتبره عدد كبير من النقاد عملاً وطنياً مستتراً في {جلباب شعبي} على اعتبار أن وظيفة {المسحراتي} إيقاظ الناس، قدمه سيد مكاوي وفؤاد حداد لحث الشعب على الاستيقاظ، والبدء من جديد والاستعداد لما هو مقبل عليه.

أما المحطة السادسة والتي لاتقل أهمية عن بقية المحطات السابقة، بل هي أكثرها شهرة عندما التقى مع كوكب الشرق أم كلثوم، ثلاث مرات، لا كما يظن عشاق فنهما معاً، أنها مرة واحدة.

ابن عابدين.. والسيدة

ظل الشيخ سيد مكاوي حتى رحيله يتباهى بمولده ونشأته وحياته في حي {عابدين} الملاصق لحي {السيدة زينب}رضي الله عنها، وما يحيط بهما من مناطق شعبية أصيلة مثل منطقة {الناصرية} التي ولد بها وعاش صباها فيها، ليس انحيازاً ككل الناس عندما ينحازون دائماً لمسقط رأسهم، الشارع والحي والمنطقة والمدينة، بل لأنه كان يعتقد اعتقاداً يصل إلى حد اليقين، أنه هو نفسه جزء أصيل من هذا الحي ويشبهه؛ يشبه ناسه، يشبه شوارعه وحواريه، يشبه مبانيه العتيقة المتباينة، بين ثراء فاحش، وبين فقر مدقع، يشبه أفراحه وأحزانه، وتركيبته الاجتماعية المتناقضة، حيث يتجاور فيه الوزير والخفير، فعلى بعد خطوات من بيت مكاوي، ذلك البيت الفقير المتهالك، يقع قصر {عابدين}، قصر الحكم الملكي في مصر والسودان.

ظل مكاوي منذ مولده في الثامن من مايو عام 1927 ـ وليس كما هو مدون بالخطأ في الدفاتر الرسمية سنة 1926، يبحث عن نفسه، وعندما وجدها راح يبحث عن نصفه الفكري، لتستمر رحلة البحث عن ذاته وعن نصفه الفكري ما يقرب من ثلاثين عاماً إلا سنوات قليلة، وعندما وجده والتصق به استمرت رحلتهما معا ما يزيد على ثلاثين عاما بسنوات قليلة، وهو الزمن الذي استغرقته الرحلة مع نصفه الفكري، الفنان الاستثناء صلاح جاهين، فاستمتع كل منهما بصحبة الآخر، دخل فيها كل منهما إلى عقل وقلب الآخر، حتى أصبحا بتعبير سيد مكاوي {شاي باللبن} وبتعبير صلاح جاهين {عسل وطحينة}، استمر هذا المزيج حتى فصله الله بقضائه، برحيل المبدع صلاح جاهين عن دنيانا في الحادي والعشرين من أبريل في العام 1986.

عندما خلف الرئيس أنور السادات الزعيم جمال عبد الناصر في حكم مصر، ظن أنّ صلاح جاهين سيناصره ويهتف باسمه مثلما أحب وأخلص للزعيم ناصر، غير أنه فوجئ بأنه لا توجد كيمياء بينهما، وعلى رغم انكسار جاهين، كما سيد مكاوي وأغلب المثقفين والمفكرين المصريين، وإحساسه بالهزيمة، وإعلانه الندم على بعض ما كتبه، فإنه سرعان ما عاد واسترد ثقته بنفسه مؤكداً:

= لست نادماً على ما كتبته من أغانٍ للثورة.. لقد أخطأت بما قلته عنها أخيراً، لكن لحسن الحظ لم يصدق الناس ما قلت.

مؤكد أن النكسة قد تكون قد أحدثت شرخا في قلب صلاح جاهين، لكن الانكسار القاتل بالنسبة إليه كان في كامب ديفيد 1978.

كان صلاح جاهين منشد الثورة، التقى حلمه بالمدينة الفاضلة التي تمناها وسيد مكاوي معاً، مع أحلام النهضة لدى الزعيم جمال عبد الناصر، فاندفع بصدق ليغني للثورة ويبشر بأحلامها، لكنّ النكسة جاءت لتحول الحلم إلى كابوس، وكان رحيل عبد الناصر الأقسى عليه، شعر بأن مثله الأعلى قد رحل، وأن آخر أمل في تحقيق حلم المدينة الفاضلة قضى عليه الموت.

بعد 1967 ورحيل ناصر لم يتوقف جاهين عن الكتابة، ولم ينسحب من الحياة ولا من الحلم، حتى عندما تعرض للهجوم في السبعينيات، غير أن انسحابه الحقيقي من الحياة بدأ مع {كامب ديفيد} 1978، وهذا الانكسار عبّر عن نفسه في قصيدته الشهيرة {على اسم مصر}، فقد توقع منه البعض أن ينخرط، وهو شاعر الثورة، في حركة المعارضة الشعبية والطلابية لنظام الرئيس أنور السادات قبل حرب العبور في أكتوبر، أو حتى بعد ما أطلق عليه معاهدة السلام كما فعل أحمد فؤاد نجم بأشعاره الجارفة التي لحنها وغناها الشيخ إمام والتي دخلا السجن بسببها.

 لكن جاهين لم يفعل ولم يكن له أن يسير في درب غير دربه فعالمه الشعري ليس عالم احتجاج ومعارضة ضد النظام، فقد كان منسجما مع النظام الناصري الذي انتصر لأحلام الفقراء وآمال المثقفين معا، غير أن جاهين المنحاز للفرح والبهجة في الحياة لم يجد في نفسه طبيعة الصدام والمعارضة والهجوم على الآخرين، بما في ذلك من العنف العاطفي والخشونة الوجدانية الضرورية للتحمل والصمود، فهو شاعر الحلم الثوري، وليس شاعر الغضب، لذلك كانت أناشيده الثورية دائما بجانب الأعراس المحفوفة بالأجراس والمزامير والرقصات الشعبية.

في ليلة 16 أبريل 1986، ليلة الغارة الجوية الأميركية على ليبيا، التي سقط فيها عدد كبير من المدنيين، طلب صلاح من الأطباء رفع الخراطيم والأجهزة المحيطة به، بعد أن شعر بأن كل الأحداث المحيطة به تدفعه إلى مصير يعرف أنه ذاهب إليه، خصوصاً بعد أن تطاول عليه بعض تلامذته، وقال بعضهم إنه انتهى مع عصر عبد الناصر؛ والبعض الآخر قال: {لقد انتهى صلاح جاهين الشاعر بعد 1967}، متجاهلين الأعمال العظيمة الرائعة التي قدمها بعد 1967، وحتى قبيل رحيله، ليدخل بعدها صلاح في غيبوبة.

كارثة الانشطار

علم سيد مكاوي بدخول توأم الرحلة في غيبوبة، فكأنما أراد أن يقتسم معه أيضاً الغيبوبة، فدخل هو أيضا في غيبوبة وهو يمشي على قدميه، كأنما الأقدار راحت تهيئه لحالة الانفصال المنتظر، فظل خمسة أيام لايعرف إذا كان ما يحدث حوله حقيقة، أم أنه يعيش في كابوس يدعو الله أن يخرجه منه؟!

في صباح يوم الحادي والعشرين من أبريل عام 1986، ظل جالساً بمفرده في شرفة منزله بمنطقة {العجوزة} في محافظة الجيزة، في الشارع الذي أطلق عليه اسم {سيد مكاوي} في ما بعد، جلس شارد الذهن رافضاً أن يتناول طعاماً أو شراباً، يفكر في ما يمكن أن تقذفه به الأقدار، كأنما ينتظر كارثة تهبط عليه.

عرفت زوجة سيد مكاوي، الفنانة التشكيلية السيدة زينات خليل، بالخبر الفاجعة:  لفظ صلاح جاهين أنفاسه الأخيرة.

وأعلنت وسائل الإعلام من الإذاعة والتلفزيون خبر الرحيل، بكت زينات طويلاً، فلم يكن صلاح جاهين مجرد توأم روح زوجها سيد مكاوي فحسب، بل كان الصديق المقرب لها، هو وزوجته السيدة منى قطان.

تلقت زينات الخبر الصعب في حياتها، لكن بقيت المهمة الأصعب، كيف ستبلغ زوجها سيد مكاوي بهذا الخبر، فكرت ألا تخبره موقتاً، على أن تبلغه الخبر تدريجاً في ما بعد ليستطيع أن يستقبله، غير أنها وجدت أنه لا يجوز ألا يشارك سيد مكاوي رفيق الدرب في جنازة توأمه ويشيعه إلى مثواه الأخير.

تماسكت وكتمت أنفاسها ودخلت الشرفة بصحبة ابنتهما الكبرى إيناس، دموعهما منهمرة دون توقف، وقفتا إلى حيث جلس سيد ولم يبرح مكانه منذ الصباح، كأنما جلس مستسلماً في انتظار الفاجعة... جلست بجواره، وضعت يداً فوق كتفه، والأخرى فوق يده ومسحت عليها بلطف:

= سيد... سيد... أنت سرحان.

* هه.. هه.. لا.. لا.

= شوف بقى أنا عارفة أنك إنسان قوي... ومرت عليك في حياتك مواقف صعبة أوي.. مرت عليك لحظات قاسية أوي... بس أنت كنت طول عمرك شجاع وعمرك ما استسلمت لأي انكسار مهما كان اللي بيحصلك... علشان كدا أنا عايزاك النهاردة تبقى زي ما عودتنا طول عمرك. شجاع صلب قوي. صبور.

* آه... ايوا... ايوا.

= سيد أنا عايزه أقولك..يارب ساعدني.عايزة أقولك إن... إن صلاح... صلاح تعيش أنت.

* هه... هه؟!

= سيد... أنت مؤمن بالله.. وعارف أن دا قضاء ربنا... ولا راد لقضائه... ولازم تلجأ لربنا وتدعي له بالرحمة... والصبر لك ولمراته وولاده... وللشعب المصري كله.

* هه... آه... آه.

= سيد. أنت سامعني. سيد... بقولك صلاح جاهين تعيش أنت.. البقية في حياتك.

* ماله صلاح. فيه حاجة... هو لسه برضه تعبان؟

= سيد... بقولك البقية في حياتك في صلاح... صلاح مات

* سيبوني لوحدي. في كام حاجة كدا كنت اتفقت مع صلاح عليها.. وعايز أفكر فيها علشان تكون جاهزة لما يقوم.

نظرت زينات إلى ابنتها إيناس، ودموعهما لم تنقطع، لا تصدقان ما تريانه، فعقل سيد مكاوي يرفض أن يصدق بأن توأم الروح قد غادره... فما أسهل المعادلات الكيماوية عندما يتم المزج بين عنصرين، لكن ما أصعب أن يتم الفصل بينهما.

خرجت زينات وإيناس وهما في حيرة من أمرهما، الرجل يرفض أن يصدق أن توأم العمر قد رحل وتركه، يرفض أن تكون هذه هي النهاية، وأنه لن يجلس أو يلمس يد صديق العمر وتوأم الروح والفكر صلاح جاهين، مرة أخرى.

ظل سيد مكاوي جالساً لا يبرح مكانه، ووجد عقله يأخذه بعيداً، ليس إلى محطة مزج العنصرين فحسب، هو وصلاح  ليصبحا عنصراً واحداً، بل ذهب به إلى حيث بدأ منفرداً، كيف كان العنصر الواحد قبل أن يمتزج، ذهب بعقله إلى حيث نبع البدايات، ذهب إلى منطقة {الناصرية} في حي عابدين الشهير.

اجتهد سيد مكاوي أن يتذكر أول نور أبصره في الدنيا، فقد ولد مبصراً لنور الحياة... غير أنه لم يكن يدري أنه على موعد مع القدر ليسلبه هذا النور.

البقية في الحلقة المقبلة

back to top