أوباما يسعى إلى تحقيق أحلامه في تريليونات الرعاية الصحية!

نشر في 22-06-2013
آخر تحديث 22-06-2013 | 00:01
يغيب جوهر الضمان الصحي الرئيسي إذا ما انصب تركيزنا على ما يدفعه الناس وهم في سن الشباب، بينما ينعمون بالصحة والثراء، فليس هناك من هوية ثابتة دائمة في أنظمة التأمين الصحي؛ فالشاب يصبح كهلاً، والأصحاء يصابون بالمرض، ويتحول الأغنياء إلى فقراء.
 بلومبرغ •   اعتمد باراك أوباما خلال حملة الانتخابات الرئاسية في 2008 على نيل الإطراء والاستحسان بصورة قياسية عبر تقديمه وعداً يقول إن خطته المتعلقة بالرعاية الصحية في الولايات المتحدة ستفضي إلى خفض "أقساط التأمين بما يصل إلى 2500 دولار بالنسبة إلى العائلة النموذجية في السنة"، وقد تعالت آنذاك صيحات التهليل والحبور، أو السخرية إذا كنت أحد خبراء السياسة الصحية.

وذلك لأن تعهده بالنسبة إليهم كان يتسم بالسخف، حيث لم يشتمل على إطار زمني يرتبط بذلك الوعد، ولم تكن هناك ثمة خطة محددة لتحقيقه، وكان مجرد تغيير لم يصدّقه أحد تماماً. وربما كان في وسع باراك أوباما أيضاً تقديم وعد بتوفير "جرو" لكل مواطن أميركي.

غير أن الرقم المعلن عنه لم يأتِ من الهواء، بل جاء عبر دراسة فعلية أجراها فريق من الباحثين في جامعة هارفارد ومستشارو أوباما ديفيد كتلر وديفيد بلومنثال وجيفري ليبمان، وقد أضاف الثلاثة وفورات ناجمة عن إصلاحات أنظمة الرعاية الصحية، ثم عمدوا إلى تقسيم ذلك الرقم على العدد الإجمالي للسكان في الولايات المتحدة.

كانت تلك تقديرات أولية وتقريبية إلى حد كبير، حسبما صرح كتلر لصحيفة "نيويورك تايمز" قائلاً إن الوفورات التي حددها فريق الباحثين لا يمكن أن نعزوها بصورة ملائمة إلى الدفعات الأدنى من أقساط التأمين الصحي فحسب، إذ إنها ستنجم أيضاً عن تدني معدلات الضرائب، وارتفاع الأجور، وعوامل أخرى عديدة إضافة إلى كل ذلك.

وكان مرشح الرئاسة باراك أوباما، بحسب كتلر، يحاول "العثور على طريقة من أجل التحدث إلى الناس بشكل يسهل عليهم فهمه"، غير أن ذلك لا يبرر إبلاغهم بشيء غير حقيقي ويفتقر للدقة.

وحتى من دون الأخذ في الاعتبار الأسلوب الذي اتبعه أوباما بالإفراط في التبسيط، فإن الهدف المتمثل برقم الـ2500 دولار كان ينطوي على تفاؤل مبالغ فيه.

وهنا تنكشف الحقيقة الصادمة: لقد تحققت الوفورات بشكل فعلي... وقد أشار كتلر في رد له عبر البريد الإلكتروني إلى أنه في شهر يناير من سنة 2009 توقعت مراكز الرعاية الصحية Medicare (ميديكير) المخصصة لعلاج كبار السن والمعاقين، وخدمات المساعدة الطبية Medicaid (ميديكيد) المخصصة لعلاج العائلات الفقيرة والأفراد المعوزين، أن يعادل حجم النفقات الإجمالية للخدمات الصحية الوطنية نحو 19.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول سنة 2016. وكانت تنبؤات مراكز الرعاية الصحية وخدمات المساعدة الطبية المذكورة في سنة 2012 قد خفضت تقديرات سنة 2016 إلى 18.3 في المئة.

وقال كتلر "إن نسبة 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي تعني مبلغاً قدره 2470 دولاراً بالنسبة إلى العائلة المكونة من 4 أفراد في ضوء توقعات الناتج المحلي الإجمالي في تلك السنة، أي ما يقرب من مستوى 2500 دولار".

وفورات تراكمية

وهذا الخفض لم يكن مثلما وعد أوباما ناتجا عن أقساط التأمين، بل هو ثمرة للوفورات التراكمية التي تجمعت عبر الوسائل المختلفة لإنفاق الرعاية الصحية، وذلك هو الإجراء المهم حقاً في الأجل الطويل.

وها هي غلطة أوباما، التي تمثلت باختصار مجمل نفقات نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة في مجرد "الأقساط"، تتكرر مجدداً في الوقت الرهن حسبما يشير بعض منتقديه، ولكن بشكل أسوأ. فعندما يسهبون في الحديث عن الأقساط فإنهم لا يتحدثون عن أقساط المواطن الأميركي العادي كما كان أوباما يفعل. إنهم يتحدثون عن المعاملات الصحية الجديدة الخاضعة لنظام قانون الرعاية المحتمل، وفي بعض الأحيان كانوا يتحدثون بضيق أفق عن قدر أكبر حتى من الأقساط بالنسبة إلى الشباب والرجال الأصحاء في تلك المبادلات. وكان ذلك ما تمحور حوله في الآونة الأخيرة الجدل المتعلق بما يدعى "صدمة المعدلات".

وللحديث بشكل أكثر وضوحاً بشأن نظام معاملات أوباما عن الرعاية الصحية وماهيتها والجهات التي تخدمها، تمثل تلك المعاملات سوقاً للأفراد الذين يحصلون على خدمات التأمين الصحي بمفردهم. وهكذا فهي ليست موجهة إلى الأشخاص الذين يحصلون على الخدمات التأمينية الصحية من أرباب العمل أو الحكومة. وبحسب مكتب الميزانية في الكونغرس الأميركي فإن أقلية صغيرة فقط من السكان يتوقع أن تكون في ذلك السوق، حيث يتوقع أن يشارك حوالي 2.5 في المئة فقط من الأميركيين في معاملات التأمين الصحي الفردية في سنة 2014، مع توقعات بارتفاع المعدل إلى 8.3 في المئة بحلول عام 2023. والأبعد من ذلك أن العوامل التي تحدد قيمة الأقساط في معاملات التأمين الفردية ليست ذات صلة بنظيراتها التي تحرك بقية مجالات الإنفاق في الرعاية الصحية في أنحاء البلاد.

على صعيد معاملات التأمين الصحي الفردية، يتقرر سعر الأقساط على الأجل القصير من خلال عاملين رئيسيين هما: عدد المستفيدين المرتقبين (بمعنى أن المزيد من المرضى سيرفعون قيمة الأقساط، والمزيد من الأصحاء سيخفضونها)، والمخصصات المقدرة بنحو 950 مليار دولار كمعونات فدرالية خلال العقد المقبل. وكي نكون أكثر وضوحاً في هذا الصدد فإن تلك المساعدات تبدو ضخمة للغاية. وتشير الجهود الأكثر شمولاً لقولبة النتائج المتعلقة بذلك كله- بما في ذلك الجهد الملحوظ الذي بذلته ليندا بلومبيرغ من "المعهد الحضري"- إلى أن معظم المشاركين في المعاملات التأمينية الصحية سيدفعون مبالغ أقل لقاء خدمات تأمين صحي أفضل.

نقطة جوهرية

هذا لا يعني القول ان بعض الشبان الذين يكسبون الكثير في المساعدات لن يشهدوا ارتفاعاً في معدلاتهم، ولكن علينا أن نتذكر أن الشبان الصغار يعدون ضمن الفئة العمرية الأكثر فقراً وأيضاً من المرجح لهم أن يحرموا من فرص الحصول على تأمين صحي، لكنهم سيستفيدون بقدر أكبر من نظام المعونات. وفي حقيقة الأمر تتوقع ليندا بلومبيرغ أن أكثر من 90 في المئة من فئة الشباب البالغين المشاركين في المعاملات التأمينية سيتأهلون لنيل المعونات.

ويغيب جوهر الضمان الصحي الرئيسي إذا ما انصب تركيزنا على ما يدفعه الناس وهم في سن الشباب بينما ينعمون بالصحة والثراء. فليس هناك من هوية ثابتة دائمة في أنظمة التأمين الصحي؛ فالشاب يصبح كهلاً، والأصحاء يصابون بالمرض، ويتحول الأغنياء إلى فقراء. لذلك فإن تركيز النقاد على ما تدفعه المجموعة الأكثر حظاً في لحظة ما من الزمن، فإنهم بذلك يتجاهلون سبب حاجة الناس إلى الضمان الصحي في المقام الأول... وهذا أشبه باستبعاد الحاجة إلى دائرة إطفاء نظراً لأن منزلك لم يتعرض بعد إلى حريق.

غير أن معونات المعاملات التأمينية الصحية لن تفضي إلى خفض الأقساط بالنسبة إلى أغلبية الأميركيين الذين يحصلون على التأمين عبر أرباب العمل أو برامج الرعاية الصحية (ميديكير) أو المساعدة الطبية (ميديكيد). وبالنسبة إلى أولئك فإن خفض التكلفة يقتضي هبوطاً في أسعار الرعاية الصحية بقدر أوسع في شتى جوانب النظام.

إخفاق الكونغرس

لن يتطلب خفض التكلفة حدوث تغير في كيفية تقديمنا للتأمين فحسب، بل في كيفية تقديمنا للرعاية الصحية الشاملة أيضاً. وتحفل خطة أوباما للرعاية بالكثير من السياسات الرامية إلى تسريع تلك التغييرات، بما في ذلك التحول إلى نظام الدفع استناداً إلى نوعية الخدمات الصحية وجودتها وليس حسب رسوم الخدمات، بالإضافة إلى خلق منافسة في أسواق التأمين.

يعد نجاح معاملات التأمين الصحي من الجوانب المهمة بالنسبة إلى الأقلية الصغيرة التي ستعمد في الواقع إلى الاشتراك في خدمات التأمين بنفسها، غير أن مصير نظام الرعاية الصحية الشامل هو المهم بالنسبة إلى معظم الأميركيين.

تتمثل الأخبار الجيدة بأن نظام الرعاية الصحية يمضي بصورة عامة حسب مسارات التكلفة التي حددها كتلر وزملاؤه بصورة ناجحة.

كان يتعين أن تفضي تلك الحقيقة وحدها إلى إعادة رسم سياسة الرعاية الصحية بصورة كاملة، وأن تطلق موجة جهود جبارة في الكونغرس للبناء انطلاقاً من هذه اللحظة. وكان يجب علينا العمل على إجراء المزيد من الإصلاحات في نظام الرعاية الصحية رغم جدالنا الدائر بشأن التوسع في الضمان الصحي بموجب مشروع أوباما للرعاية الصحية. غير أن الكونغرس عمد بدلاً من ذلك إلى تضييع تلك اللحظة المهمة وتعاطى مع قضية التكاليف الصحية بطريقة أسوأ مما قام به أوباما في سنة 2008.

Ezra Klein

back to top