مهنة الآنسة واتانابي ومستقبل اقتصاد اليابان!

نشر في 06-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 06-06-2013 | 00:01
 يوريكو كويكي تتسم الآنسة واتانابي التي تبلغ من العمر أربعين عاما بأنها مترددة... أما والدتها السيدة واتانابي، فهي معروفة بقدرتها على تحريك أسواق العالم بتعاملاتها المالية التي تشغل بها أوقات الراحة المتقطعة التي تتخلل قيامها بأعباء أعمالها المنزلية.

"السيدة واتانابي" هو اسم عام يمثل ربات البيوت اليابانيات اللائي يعملن كمضاربات ولديهن تأثير كبير في سوق الصرف الأجنبي وغيره من الأسواق، وذلك من خلال التداولات التي يقمن بها، فبعد التخرج من الجامعة قامت السيدة واتانابي بالاستقالة من وظيفتها عندما تزوجت السيد واتانابي (الذي كان يعمل في المكتب نفسه) وأصبحت ربة بيت، حيث قامت بتربية ابنة واحدة. لقد فعلت ذلك لأنه في أيام السيدة واتانابي كان الزواج هو مكان العمل النهائي. لقد اختلفت الأمور بالنسبة إلى ابنتها، فالآنسة واتانابي التي تخصصت في الاقتصاد وتخرجت في جامعة مشهورة تم تعيينها في شركة تداول معروفة، لكن بالرغم من أنها كانت أكاديمياً أفضل من نظرائها من الرجال عند التعيين، فإنها لم تستطع أن تنافس للحصول على ترقية،  كما أنها لم تستطع حتى أن تحصل على بطاقة تعريف عمل رسمية (أهم من جواز السفر في اليابان) ولم يكن لديها أي خيار سوى أن تعد بطاقة لها عن طريق الحاسوب الخاص بها.

لقد كانت مصممة على صقل مهاراتها عن طريق السير على خطى والدتها، فبعد العمل كانت تدرس في مدرسة ليلية من أجل أن تصبح محاسبة دولية، ولم تكن تحب أن تخرج للشرب مع زملائها من أجل التعبير عن تذمرها من رئيسهم في العمل، فالتواصل من خلال الشرب لا يحسن من مهارات الشخص كما لا يساعده على أن يترقى في العمل.

إن قصة الآنسة واتانابي تساعد في توضيح مدى التفاوت الملحوظ، فبينما الإنتاجية في المصانع اليابانية هي الأعلى في العالم بسبب الإنسان الآلي وغيره من أشكال التشغيل الآلي، فإن الإنتاجية بين الموظفين أصحاب الياقات البيضاء في اليابان هي الأقل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (أويسيد).

في عام 1999 جرى تعديل قانون "فرص التوظيف المتساوية" من أجل توفير فرص عمل متساوية للرجال والنساء وذلك عن طريق منع الممارسات العمالية التمييزية، لكن التشريع كان له تأثير ضيئل على جو العمل بالنسبة إلى النساء. إن النساء الأخريات اللواتي انضممن للشركة في نفس الوقت الذي انضمت فيه الآنسة واتانابي للشركة تزوجن من زملاء بالعمل، واستقلن من العمل من أجل تخصيص وقتهن للعناية بأطفالهن. إن الفرق الوحيد من زمن والدتها هو أن جيل اليوم من النساء استقلن من العمل ومن ثم تزوجن ثم أنجبن الأطفال في مرحلة لاحقة. إن النساء يشكلن أكثر من ثمانين في المئة من أولئك الذين يستفيدون من إجازة الرعاية بالأطفال في اليابان، ولكن في الواقع فإن اكثر من 60% من النساء اليابانيات لا يعدن إلى العمل بعد أن إنجابهن الاطفال.

دون أن تدري وجدت الآنسة واتانابي نفسها قد أصبحت في الثلاثينيات من العمر، وفي الوقت نفسه استخدمت السيدة واتانابي الأموال التي جنتها من التداول المالي من أجل تمويل دراسة ابنتها خارج اليابان. فالشركات تدفع للرجال لتمويل دراستهم في الخارج لكنها لن تستثمر في الموظفات، وبناء عليه لم يكن لدى الآنسة واتانابي أي خيار سوى أن تحصل على إجازة طويلة الأجل بدون راتب (والتي عادة لا تمنحها الشركة للنساء) من أجل الدراسة للحصول على ماجستير في إدارة الاعمال من أميركا. ورغم أنها عادت بتقدير امتياز، فقد أصبح موقعها في الشركة أسوأ لأنه لم يكن لديها رئيس في العمل يستطيع توظيف مهاراتها والاستفادة منها.

وفي أحد الأيام تلقت الآنسة واتانابي اتصالاً هاتفياً من شركة توظيف، فلقد تم طلبها للعمل في دائرة المحاسبة في شركة استيراد وتصدير يابانية، وقررت الآنسة واتانابي أن تنتقل إلى الوظيفة الجديدة بتشجيع من والدتها. لقد كان جو العمل مختلفاً تماماً وكانت مهاراتها باللغة الإنكليزية وشهادة الماجستير في إدارة الأعمال التي حصلت عليها لا تقدر بثمن، وكان عملها مثيراً للاهتمام، ولعبت دوراً مهماً... وبالرغم من ذلك كانت تفكر أحياناً في الزواج والأطفال عندما تخطط للمستقبل.

لقد تغيرت حكومة اليابان العام الماضي حيث عاد الحزب الليبرالي الديمقراطي للحكم، وفي السابق لم يكن الحزب الليبرالي الديمقراطي يهتم بقضايا المرأة على الإطلاق، حيث كان يركز على احتياجات قطاع الأعمال والتعامل مع تزايد أعداد كبار السن في المجتمع، والآن فوجئت الآنسة واتانابي أن الحزب قد جعل قضايا المرأة على قمة أولويات استراتيجيته طويلة المدى. وزيادة على ذلك، فإن شركات التداول المدرجة يجب أن تقوم الآن بتعيين مسؤولة واحدة على أقل تقدير، ولقد سمعت الآنسة واتانابي أن الشركات في النرويج وفرنسا يمكن أن تتعرض للشطب من التداول في سوق المال لو كانت نسبة المسؤولات من النساء أقل من 40%، حيث قالت مازحة لأصدقائها إنه لو تم تطبيق هذا القانون في اليابان لاختفت "كايدانرين" (اتحاد الشركات الياباني)، ولكن بالرغم من ذلك فإن قيام كل شركة عامة بتعيين مسؤولة واحدة على الأقل يعني أن دورها قد يأتي يوما ما.

لكن الآنسة واتانابي قد بلغت الأربعين من العمر وتفكر حالياً في الزواج، فهل يمكن أن تحصل على إجازة أمومة لو تم تعيينها كمسؤولة؟ إن حكومة رئيس الوزراء شينزو آبي تقول انها ستؤسس مراكز رعاية أطفال نهارية ولكن هل هذا الكلام صحيح؟ إن الآنسة واتانابي مترددة... فهل تتولى منصباً مهماً في هذه المرحلة أم هل تسعى وراء السعادة كامرأة؟ من جانبها، تقدم السيدة واتانابي إلى ابنتها التشجيع اللازم الذي تحتاجه، فالسيدة واتانابي لديها موهبة تتعرف من خلالها كيف ستجري الأمور  في المستقبل، ونصيحتها اغتنام الفرصة في العمل، وأيضاً السعي للحصول على السعادة عن طريق الزواج والأطفال.

طبقاً لتقديرات كاثي ماتسوي، وهي كبيرة استراتيجيي الأسهم في فرع اليابان في شركة "غولدمان ساكس"، فإن الناتج المحلي الإجمالي لليابان يمكن أن يرتفع بمقدار 15% ويتم إيجاد فرص عمل لنحو 8.2 ملايين في وظائف جديدة لو حصلت النساء اليابانيات على المساواة في فرص العمل. لقد قال شينزو آبي إن "اقتصادات المرأة" هي أهم دعائم "مبادئ اقتصاد آبي"، أي استراتيجة النمو التي تتبناها حكومته. لا يزال أمام السيدة واتانابي وابنتها الكثير على المحك في هذا المسار.

* وزيرة دفاع يابانية سابقة ومستشارة سابقة للأمن القومي الياباني كما عملت سابقا كرئيسة للحزب الياباني الديمقراطي وهي تعمل حاليا عضوة في البرلمان الياباني.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top