نصائح رجل أشرف على الثمانين

نشر في 05-04-2013
آخر تحديث 05-04-2013 | 00:01
 بدر سلطان العيسى هي ليست دعوة للتمسك بالأخلاق الحميدة، وليست دعوة للتمسك بالعادات والتقاليد، ولا بالمعتقدات التي جاءت بها الأديان السماوية، حتى الأديان الأرضية، إنما هي دعوة من رجل قارب الوصول إلى الثمانين من عمره. هي نصيحة من رجل لم يعد في استطاعته أن يفعل كل ما حرم نفسه منه بطوعه وإرادته منذ كان صبياً، ثم عندما كان شاباً ثم عندما كان رجلا وزوجا ثم أباً لأربعة أبناء هم أجمل ما سوف يخرج به من هذه الدنيا.

إنها تجربة سنوات طويلة من التمسك بما تم التعرف عليه بين البشر على اختلاف مذاهبهم وأجناسهم، التمسك بالأخلاق الحميدة والعيش بالصدق، وتحت سلسلة طويلة من القيود واللاءات التي تحيل حياة الإنسان إلى حياة خالية من المفاجآت، خالية من الفرح الغامر أو الحزن العميق، حياة باهتة ليس لها لون، حياة تحددها قائمة طويلة من الممنوعات: لا تكذب حتى إن كان كذباً أبيض أو كذباً بريئاً، لا تسرق حتى إن كان ما تريد سرقته رغيف خبز أو نقوداً قليلة تشتري بها ما يشتريه أقرانك وأصحابك، علبة من السجائر.

 وتستمر اللاءات التي أدخلت حياتك في صرامة وتراتبية: لا تنظر إلى هذه الفتاة نظرة قد تتطور إلى ما هو أكثر من نظرة، لا أدري لماذا، فقد تكون تلك الفتاة زوجة لك في المستقبل، أو زوجة لأحد أقربائك، أو قد تكون صديقة أو زميلة لك في العمل في قادم الأيام.

 كل شيء في عالم الغيب، وعندما تكبر لا تشرب الخمر فهو محرم جاء تحريمه من القرآن الكريم، هذا كلام لم تقرأه إنما سمعته من أحد أئمة خطباء الجمعة، فالخمر سوف يدخلك النار كأن حرارة شمس الصيف التي تكوي الوجوه لا تكفي، فحرارة نار جهنم أضعاف أضعاف ما تعانيه من حرارة الجو إن لم تكن ألف ضعف حرارة شمس أغسطس في الكويت؛ لم يأت حتى اللحظة من قام بقياس حرارة جهنم، إنما قال العلماء إن الحرارة في مركز الشمس تصل إلى عشرين مليون درجة مئوية، إنها حرارة مرعبة تشوي الوجوه على بعد ملايين الكيلومترات من الأرض.

 وتستمر اللاءات، لا تفوّت ولا تتهاون بأي ركن من أركان الإسلام، الصلوات الخمس في أوقاتها وصلاة الفجر إن استطعت أداءها في المسجد، ونصيحتي ألا تذهب إلى المسجد عند سماعك الأذان الأول؛ لأن لي تجربة أبعدتني عن أداء صلاة الصبح في المسجد، فقد يغلب عليك النوم، وتتمدد على السجادة وتغطّ في نوم عميق، ولن تصحو إلا بعد أن يوقظك الإمام، وبعد انتهاء الصلاة لأنه سوف يرأف بك في حكمة منه تنصحك بالحضور عندما يتعدى عمرك العاشرة.

 لقد دفعني غروري وإصراري وعنادي الطلب إلى والدتي بإيقاظي عندما تسمع أذان الفجر- الأذان الأول- لقد وافقت رحمها الله مترددة بعد أن عجزت عن إقناعي بأني ما زلت صغيراً للذهاب إلى صلاة الفجر في المسجد، وفي ذلك الوقت حيث لا كهرباء ولا إنارة في الشوارع.

قالت والدتي "أخشى عليك من تحمل هذه المشقة وأنت في هذا العمر، وأخشى عليك من ردة الفعل من تحملك مشقة الذهاب إلى المسجد"، وكان وجهها يفيض حناناً ورقّة، وهي تقول: "إن طريق العبادة طويل، وأنت ما زلت في بداية الطريق، تمهّل ولا تندفع، فقد يؤدي ذلك إلى ردة فعل، وقد يمنعك من الالتزام بالفروض الأخرى".

وتستمر اللاءات، إياك أن تؤمن بهذه المقولة، قل الصدق ولو على نفسك، ولا تصدق بأن الصدق هو أقصر طريق إلى الجنة، فالحياة بدون كذب ورتوش هي حياة باهتة ومملة، فالملائكة مكانهم في السماء أما أنت فبشر لا تضيع فرصة جميلة وسعيدة، ولا تبتعد عن ليلة فيها طرب وغناء وحياة ورقص لا تستغلها، فأنت لا تدري ماذا يخبئ لك القدر، أنت لا تعلم الغيب فقد يكون اليوم لك، وقد يخيب ظنك في المقبل من الأيام والليالي، الساعة الآن الثالثة بعد منتصف الليل أيقظني من النوم حلم يقول: دع عنك النوم فأيامك قصيرة، مهما امتدت فنهايتك نهاية ملايين البشر، قلت نصيحتك جاءت متأخرة سبعين سنة.

أنا لا أريد لك هذا النوع من الحياة التي تحددها سلسلة طويلة من اللاءات، سوف تكون حياتك بدون طعم، لماذا تحرق أعصابك ونفسك أسىً على معاناة المقهورين والمستعبدين، أنت لن تستطيع وحدك أن تغير من حياتهم، اتركهم لمصيرهم الذي حدده لهم خالقهم، عليك بمصيرك والاهتمام بنفسك فما يحدث للآخرين أمر مكتوب ومحدد لهم منذ اليوم الأول لولادتهم، هم فقراء ومساكين ولكن من نصّبك للدفاع عنهم وتبني مشاكلهم؟ تقول هذا ما يمليه عليك ضميرك، صدقني وأنا أقول لك عن تجربة إنه ليس كل مرة يكون ضميرك صحيحاً فيما يمليه عليك، هل نصّبك ضميرك في الدفاع عنهم؟ أو هل طلب منك أحد ذلك؟ ولماذا إضاعة حياتك للدفاع عنهم، فالذي خلقهم هو الذي كتب عليهم تلك الحياة؟

اسمع يا بني عليك الاهتمام بنفسك، ولكن ليس لحد الأنانية، خذ أمور الحياة بسلبية متناهية، فلست أنت من يستطيع تغيير مجرى الأمور ولا تمنع نفسك عن رغبة أو ملذات أملاً في حياة وعمر طويل.

إن رغبتك في حياة طويلة وعمر طويل قد لا تسرك، فسوف ترى بعينيك أن بشاشتك ابتدأت تفنى ثم لا يبقى من حياتك إلا المر من الأمور، لا تعول على بقائك بعمر طويل ولن تجد بعد هذا العمر الطويل إلا أحد اثنين: إما شامتاً بك، أو آخر يقول لله در هذا الرجل، وفي النهاية سوف تقول ما قاله المتنبي قبل ألف عام:

كفى بك داء أن ترى الموت شافياً

                                              وحسب الأماني أن يكنَّ أمانيا

back to top