دعونا نفكر بمنطق الإخوان بعض الوقت

نشر في 13-07-2013
آخر تحديث 13-07-2013 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر كي نعرف منطلقات الآخر في تبرير مواقفه، يجب أن نضع أنفسنا ضمن نطاق المبادئ التي يؤمن بها ونقيم موقفه استناداً إلى المبادئ العامة في قربه أو بعده عنها. فما يحدث في مصر حالياً وتداعيات الحدث السياسي فيه ستتعدى تأثيراته حدود مصر إن لم تكن هناك نية حقيقية في وأد هذه الأزمة قبل استفحالها أكثر، لذلك دعونا نضع أنفسنا ضمن نطاق النظرة "الإخوانية" للأزمة ونقيمها على هذا الأساس، وليس على ما نؤمن به نحن ممن لا ينتمون إلى هذا التيار.

إن وجهة النظر "الإخوانية" تلخص المشهد على النحو الآتي... ثورة شعبية ضد نظام حسني مبارك شاركت فيها كل الأطياف السياسية في الشارع المصري، أسفرت عن سقوط هذا النظام وإجراء انتخابات فاز فيها "الإخوان" بأغلبية أصوات المصريين، وتشكلت حكومة سيطر عليها التيار الإخواني، ثم تحالفت قوى علمانية داخلية مع قوى خارجية لإجهاض التحول الإسلامي في هذا البلد، مما أدى إلى فشل هذه الحكومة في تقديم ما وعدت به المصريين خلال عام من الحكم، فانتفض المصريون عليها واستمرت اعتصاماتهم لأشهر، إلى أن وصلت ذروتها في الشهر الماضي، فاستغلت المؤسسة العسكرية هذه الظروف وقامت بانقلاب على الشرعية الانتخابية، وأزاحت الرئيس محمد مرسي عن الحكم... هذه هي الرؤية "لإخوانية" لمجريات ما حدث باختصار.

ومن الطبيعي، فإن سقوط حكومة "الإخوان" خلق انطباعين عند هذا التيار؛ الأول، هو الشعور بالإحباط من جراء فقدان الحكم بعد نضال دام قرابة القرن قدم فيه "الإخوان" الكثير من الضحايا، في محاولة لترسيخ أفكارهم (السياسية/الدعوية) في المجتمع المصري وبقية المجتمعات الإسلامية ومحاولة تغير هذه المجتمعات بما يتواءم مع أفكارهم للوصول إلى الهدف المنشود، وهو بناء الدولة الإسلامية القوية حسب مبادئهم.

والانطباع الثاني هو استشعار التخوف من أن إزاحة حكومة "الإخوان سيعقبه فتحاً للسجون والمعتقلات لأنصاره، وحظراً للنشاطات السياسية والإعلامية وحتى الدعوية للتيار، خصوصا بعد اعتقال الكثير من الوجوه السياسية والإعلامية، وغلق الفضائيات التابعة لهم عقب إزاحة محمد مرسي.

وهكذا فإنه، وحسب وجهة النظر الإخوانية، فإن هذه الحيثيات تبرر التظاهرات التي انطلقت في مناطق متعددة من مصر، وشابها الكثير من العنف الذي وصل في بعض الأحيان إلى ما يشبه حالة من الهستيريا السياسية، ووصف ما حدث بأنه انقلاب من العلمانيين على حكم الإسلام.

وفي ما يلي سنحاول تناول موقف "الإخوان" حسب المنطلقات الشرعية لهم، لتبيان إمكان اتخاذ مواقف أخرى غير ما شهدناه منهم في الأيام السابقة، خصوصاً بعد أن تأزم المشهد بشكل كبير عقب حادثة مقر الحرس الجمهوري في القاهرة.

1- دعوى التيار "الإخواني" أن احتجاجاتهم هي دفاع عن شرعية حكومة محمد مرسي المنتخبة فيها الكثير من الضبابية واللامصداقية، بسبب عدم إيمان الإسلام السياسي أساساً بمشروعية الانتخابات، ومبدأ تداول السلطات إلا بين الأحزاب الإسلامية، وإيمانهم بضرورة حكم الشرع الإسلامي على ما سواه، الذي يؤمن بإبقاء السلطة ضمن حدود الفكر الديني السياسي (حسب ما يؤمنون به). وإذا كانت القاعدة الفقهية تقول إن "ما بُني على باطل فهو باطل"، فكيف يمكن القتال على مبدأ هو مرفوض أساساً عندهم، وشرعنة الجهاد في سبيله دينياً إلى الحد الذي تراق فيها دماء المسلمين من الطرفين، خصوصاً أن الحديث النبوي يقول: "لهدم الكعبة حجراً حجرا أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم".

2- أما إذا كان السبب من وراء احتجاجاتهم الحالية هو الإمساك بالحكم (وهذا هو السبب الحقيقي)، فإن هناك مبدأ إسلامياً يقول "الحكمة ضالة المؤمن فأينما وجدها فهو أحق بها"، وبقدر ما مارس "الإخوان" الحكمة في تجربتهم التي تقارب القرن في معارضة أنظمة الحكم في مصر، فإن ردود أفعالهم على الأزمة الحالية لا تتسم إطلاقا بأي حكمة.

3- الإخوان لم يفقدوا فرصة ذهبية لهم في حكم مصر فحسب بل فقدوا فرصة ذهبية أخرى بعد إقصائهم، لأن يظهروا بمظهر الطرف القابل للتعايش الديمقراطي مع الآخرين، وهكذا ترسخت الشكوك التي كانت تدور حولهم في إمكانية هذا الفكر الدخول في اللعبة السياسية والحياة الديمقراطية التي يكون فيها الانسحاب من السلطة والتحول إلى معارضة شيئاً بديهياً، خصوصاً في الظروف التي تمر بها مصر حالياً.

4- المشهد الحالي في مصر هو صراع على السلطة ممزوج برؤية كل طرف لأحقيته في استلامها... وهذا يحاكي تماماً حدثاً تاريخياً في الفكر الإسلامي (مع فارق التشبيه) والمتمثل في الصراع الذي نشب على الخلافة بعد وفاة الرسول بين علي من جهة وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين من جهة أخرى... ونستطيع إسقاط هذين الحدثين على بعضهما لتقييم المشهد الحالي، فالسنّة (ومن ضمنهم "الإخوان") يثمنون موقف الإمام علي لنزوله عند رأي أغلبية المسلمين في مبايعة الخلفاء الثلاثة، ووضع مصلحة الدولة فوق مصالحه وقناعاته الشخصية درءاً للفتنة، رغم امتلاكه للكثير من المشروعية في أحقيته بالخلافة وقدرته على إدارة شؤونها... وبذلك فالسنّة لا يؤاخذون الإمام علي، كرم الله وجهه، على موقفه ذاك ولا يرونه إفراطاً في تعاليم الدين الإسلامي. إذا فالتشبث بالحكم إن كان ينتج منه ضعف للدولة وتهديد لوحدتها فالواجب الديني يحتم التنازل عن هذا المطمح مهما كانت المستوجبات.

5- تخوفات جماعة "الإخوان المسلمين" من أن تسفر إزاحتهم عن الحكم إلى رمي عناصرها في المعتقلات والسجون وحظر نشاطهم السياسي، كما كان يحدث سابقاً طوال تجربتهم مع الحكومات السابقة هي من الأسباب التي أدت إلى هذا العنف في ردة الفعل، إلا أن الظروف السياسية الحالية في مصر وبلدان الربيع العربي الأخرى تبدد هذه المخاوف وتجعلها غير حقيقية، نظراً لعدم بقاء الظروف الملائمة لسيطرة أي حزب سياسي على الحياة السياسية في أي من هذه الدول.

6- تجربة "الإخوان" في المجيء إلى الحكم بعد الثورات العربية كانت تجربة محكومة عليها بالفشل مسبقاً، لأن الأرضية السياسية في دول الربيع العربي لن تكون ملائمة بعد الآن للأحزاب العقائدية وأيديولوجياتها سواء كانت هذه العقيدة دينية أو قومية أو حتى يسارية. فالثورات العربية هي ثورات اقتصادية في أساسها تهدف أولاً إلى العيش الكريم للشعب بعيداً عن أي شعار سياسي آخر، كما كان عليه الحال سابقاً في أواسط القرن الماضي.

يبدو أن لعبة جر الحبل بين الأطراف الموالية والمعارضة لـ"الإخوان" ستستمر دون الوصول إلى حلول مرضية، والطرفان مصران على المضي في ما اتخذاه من مواقف... وبين هذا وذاك فهناك حل واحد يظهر في الأفق لا ثان له؛ وهو منع كل الأطراف السياسية الإسلامية منها والعلمانية من المشاركة في أي انتخابات رئاسية قادمة وإبقاء منصب الرئاسة لشخصية غير حزبية، شأنه في ذلك شأن الجيش مع إعطائه صلاحيات واسعة يحددها الدستور ومنعه من الانحياز إلى أي طرف سياسي، ليقتصر عمل الأحزاب في العمل البرلماني كي لا يستفرد أي منها بالسلطة، ولتقدم هذه الأحزاب كل ما عندها في سبيل خدمة المواطن بدلاً من تقديمهم لأمراض سياسية تضعف كاهل هذا المواطن أكثر مما هو عليه.

*كردستان العراق – دهوك

back to top