رؤية غربية لـ «الإخوانية العالمية» (2- 2)

نشر في 14-09-2013 | 00:01
آخر تحديث 14-09-2013 | 00:01
 د. عماد الدين الجبوري هناك العديد من المنظمات "الإخوانية" الناشطة في الولايات المتحدة الأميركية من بينها: "جمعية الطلبة المسلمين"، و"الجمعية الإسلامية في شمال أميركا"، و"المؤسسة الدولية للفكر الإسلامي"، و"مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية"، و"جمعية الأميركي المسلم"، و"مجلس الفقه في أميركا الشمالية"... وغيرها.

ويذهب الكاتب والصحافي الكندي، المقيم في بكين بالصين، إيان جونسون في كتابه الآخر: "جامع في ميونخ: النازيون والمخابرات المركزية الأميركية وصعود "الإخوان المسلمين" في الغرب" 2011، حيث يسرد فيه تنسيقاً جديداً لمجموعة من الوثائق والمقابلات، إذ يربط بين الحقبة الماضية ومآلاتها في الحقبة الحالية. ففي السابق كان القادة الإسلاميون منتشرين حول العالم، ومنهم أعضاء "الإخوان المسلمين". وبما أن رجال المخابرات المركزية الأميركية متلهفون لقتال الشيوعية بسلاح جديد هو الإسلام، إلا أن هذا السلاح عبر المتطرفين الإسلاميين في حرب أفغانستان قد انقلب ضد أميركا خصوصاً والغرب عموماً. وحسب تصوره: "كان خطأً مازلنا ندفع ثمنه مع الإسلاميين حتى اليوم".

ويعتقد جونسون أن المشكلة لا تنحصر في وقت الدعم الأميركي للإسلاميين ضد القوات الشيوعية بأفغانستان، بل تعود إلى أيام "الحرب الباردة". عندما بدأ توظيف فكرة أن المسلمين في الاتحاد السوفياتي، كان لهم دور في دحر الألمان في الحرب العالمية الثانية، كأداة في ماكينة الدعاية ضد الاتحاد السوفياتي.

استنتاج

 إذا كانت جذور الجناح السياسي لـ"الإخوان" في العالم الغربي تعود إلى العقد الخامس من القرن العشرين، حيث يعتبر سعيد رمضان (1926- 1995) من أوائل المؤسسين لـ"الجمعية الإسلامية" في ألمانيا، وكذلك "رابطة العالم الإسلامي"، والعمل الإسلامي بأوروبا بشكل عام، فإن ثقل "الإخوان" دولياً يتحدد في ضوء مدى تعاونهم الخاص أو السري مع بعض الدوائر الغربية، كما أنه يعتمد أيضاً على سرية هياكلهم التنظيمية المتشعبة في واجهات إسلامية عديدة. ورغم أن هذه السرية التنظيمية قد صقلتها ظلمة عقود الزمن المتوالية، وعقدة التآمر والمنفى، لكنها بقيت تربك القيادة "الإخوانية" عند مواجهتهم لضياء الواقع.  

بمعنى آخر، فإن تطور الحراك "الإخواني" الذي أصبح له تيار عالمي، فإن ما يدعون إليه من الحفاظ على الوجود الإسلامي في العالم الغربي من ناحية، والتعريف بالإسلام المعتدل والسمح من ناحية أخرى، يأتي وفقاً لرؤيتهم وتنظيرهم دون سواهم.

وبما أن الإسلام أكبر من أن يُحصر في حركة أو حزب أو جماعة، لذا فإن شعار "الإسلام هو الحل" الذي يرفعه "الإخوان"، لا يجوز أن يتوقف على عقيدتهم وحدهم، بل لا يجوز أن ننظر إلى الحياة والمجتمع والعالم من زاوية دينية بحتة، ألم يقل رسول الله محمد، صلى الله عليه وسلم، "أنتم أعلمُ بشؤونِ دنياكم"... والدنيا ميزتها التنوع في كل شيء من البشر إلى الحجر، ومن الأديان إلى الأوطان.

وإذا كنا نتفق مع بعض النقاط التي طرحها ميرلي وساندي وجونسون، بأن العولمة "الإخوانية" تتجه إلى بناء منظومة كبرى تملي بها آراءها وتصوراتها على الآخرين، وربما تصل إلى درجة تفرض ما تريده على أرض الواقع، فإننا لا نميل إلى تأييد كل ما يذهبون إليه.

إذ إن ستانلي كان في المخابرات الهولندية، كما أن تقارير ميرلي التحليلية والتحقيقية تأخذ بجديها وكالة المخابرات الأميركية، وهو وجونسون كذلك كانا يعملان في صحيفة "وول ستريت"، وبالتالي يكفي أن نعرف بوصلة اتجاههما إلى أي مصب تنتهي.

إن الرؤية الغربية للعولمة "الإخوانية" تنبع من خشية الغرب من استفحالها العقيدي والمالي والثقافي في مجابهة الحركات التبشيرية، والسطوة الصهيونية، وتغذية التطرف والعدائية للغير... لذلك كان منع الداعية وجدي غنيم من دخول سويسرا، ثم خروجه من أميركا، لأنه يساعد حركة "حماس" ويؤيد العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين. مع أن "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا" عضو في "جمعية ليانسون الكاثوليكية-الإسلامية" التي تأسست في 1995.

نعم إن المشاريع المستقبلية لا "الإخوانية العالمية" تقلق الرؤية الغربية، حيث يجري فيها إعداد الأعضاء الذين يترأسون المؤسسات والجمعيات المرتبطة بـ"الإخوان". وفي تطوير عمل المرأة في عضوية تلك المؤسسات وغيرها علاوة على الاهتمام بملف التعريف بالدين الإسلامي، والمشاركة السياسية داخل البلدان الأوروبية، فضلاً عن نبذ الإرهاب وإصدار قرارات ضده، كما في أحداث 9/ 11، فضلا عن الكلام عن الوضع المالي والاستثماري.

فما تتمتع به "الإخوانية العالمية" اليوم من قوة مالية تعود إلى ما بدأه يوسف ندا وسعيد رمضان وغالب همت في تأسيس مصرف "التقوى" عام 1988، ومن بين المساهمين في هذا المصرف يوسف القرضاوي مع خمسة من أفراد عائلته، ومقره في جزر البهاما كملاذ ضريبي آمن. ويعمل البنك بنظام الحوالات، ونظام الحسابات المقابلة؛ في الأولى يوفر الحماية للموكلين من الملاحقات القضائية... والثانية يمكنه من الوصول إلى بقية المصارف الأوربية والأميركية والسماح بتحريك كميات كبيرة من المال بعيداً عن خطر الاكتشاف.

وإذا كان ميرلي قد كتب في تقريره الموسوم: "تركيا... عالمية الإخوان المسلمين وأسطول غزة" 2011. أشار فيه إلى أن: "بفوز "حماس" في الانتخابات الفلسطينية عام 2006. وبتعزيز "حزب العدالة والتنمية" المسيطر على نظام الحُكم في تركيا بقيادة رئيس الوزراء طيب رجب أردوغان، أصبحت اسطنبول مركز النشاطات لعالمية الإخوان المسلمين. ومن ضمنها مسعى المشروع العالمي في تقويض الدعم الدولي إلى إسرائيل"، فإن ميرلي يعكس بذلك مخاوفه على مستقبل إسرائيل كياناً ودولةً. ولكن عندما نعلم أن مؤسسي مصرف "التقوى" الثلاثة: ندا ورمضان وهمت، قد انضم إليهم لاحقاً في سويسرا ثلاثة آخرون لعبوا دوراً كبيراً في نمو وبناء المصرف. وهم: أحمد إدريس نصر الله، وأحمد هوبر، وفرانسوا جينود. والأخير مصرفي يهودي متورط في عملية "الأوديسا" الضالعة في اختفاء الملايين من الدولارات في حسابات سويسرية. وكان أيضاً المدير المالي لأمين الحسيني، مفتى القدس سابقاً، فكيف نفهم خشية ميرلي من قادة "الإخوانية العالمية"؟     

وإذا كان تقرير ميرلي قبل سنتين، فإن هناك الكثير من المتغيرات التي حدثت مثل تصحيح مسار الثورة بمصر في 30-6-2013، وعزل الرئيس "الإخواني" محمد مرسي في الثالث من يوليو، واتجاه "الإخوان المسلمين" إلى اعتصامات بميداني "رابعة العدوية" و"النهضة" في القاهرة الكبرى، والتي انتهت بمواجهات دموية في 14-8-2013، وتسببت في ردود أفعال إخوانية بالتصادم مع قوات الجيش والشرطة، وهي المواجهات التي مازالت مستمرة في مناطق مصرية عدة وراح ضحيتها مئات القتلى وآلاف الجرحى حتى كتابة هذه السطور.

وهنا لا يسعنا إلا أن نعيد ما قاله جونسون في مقابلة له مع صحيفة "الوطن" المنشورة في 7-2-2013. حيث يشير إلى أن: "الإخوان جماعة عاشت تحت الأرض لفترة طويلة، ما جعلها تتبنى توجهات غير صحية، مثل السرية والإغراق في نظرية المؤامرة، ولست واثقاً إذا كانت جماعة بهذا الشكل هي الأفضل لحكم مصر. الإخوان مثل جماعات ثورية كثيرة كان لها دور تاريخي في مصر لكنها ليست مناسبة لإدارة شؤون البلاد، وربما تستحق منا التكريم والثناء عليها، ومطالبتها بأدب أن تحل نفسها بنفسها!".

back to top