حوار الطرشان: الذئب يأكل من الغنم القاصية

نشر في 20-04-2013
آخر تحديث 20-04-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان القاصية، هي المنفردة عن القطيع والبعيدة عنه، يهجم عليها الذئب الذي يرقب انفرادها وخروجها من المجموع، يهجم عليها بشراسة ويبطش بها بطشاً شديداً، لكي تستسلم لبراثنه من دون مقاومة من ناحية، وليبعث الرعب في قلوب المجموع الذين ينظرون إليه نظرة الجبان من بعيد من ناحية أخرى.

ومن حيث إن الجبان لا يمكن أن يقف في وجه الشجاع ويقاومه، لذا تجد الذئب الذي استمرأ الهجوم يكرر عدوانه ثانية وثالثة ورابعة، والمجموع الآخذ بالتناقص مازال ينظر إليه نظرة الجبان.

والأغنام التي تملكها الخوف، لو أنها اجتمعت واتحدت ولو لمرة واحدة، فإنها لن تكتسب صفة الشجاع، ولكنها قطعاً ستحد من خسائرها الكبيرة التي تحدث في صفوفها، لأن الجماعة بالتأكيد تجعل المهاجم متردداً في هجومه، لأنه سيخطط ويراقب نقاط الضعف في المجموع، والتخطيط والمراقبة تأخذان وقتاً طويلاً، مما يمكّن القطيع من التكاثر الذي يحافظ على بقائه.

وإذا ما تركنا الذئب يفعل بغنمه ما يريد ونظرنا إلى واقعنا الأليم، المحمل بالمآسي، المترع بالكوارث، المغلف بالحزن، والملبد بغيوم الظلم والاستبداد، تبادر إلى الذهن بكل وضوح، تلك الصورة الشاخصة التي عجزت السنين أن تمحو آثارها، ألا وهي صورة "الخطيئة الأولى".

نعم، إن فلسطين هي الخطيئة الأولى التي ارتكبناها بصمتنا المطبق، ونحن نرى المغتصب يستولي على أمتار أرضها متراً تلو الآخر، حتى استطاع في نهاية الأمر أن يسيطر عليها ويصبح المالك لها بدلاً من أهلها ونحن ننظر إليها- وهي تئن تحت وطأته- نظرة الجبان من بعيد.

وبهذا الاغتصاب الذي جرى نهاراً، تشرد الشعب الفلسطيني في أصقاع الأرض، تاركاً كل شيء خلفه ماعدا ذكرياته التي أخذ الدهر بمحو صورتها من الذاكرة.

وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، كما تقول العرب، فإنني لن أنسى منظر تلك السيدة التي تجاوزت العقد السابع من عمرها، وهي تبكي أطلال منزلها، الذي صادرته القوات الإسرائيلية الغاصبة وهي طفلة، تتحدث ومع الحديث حرقة تتقطع لها نياط القلب، ونحيب على كروم العنب وأشجار الزيتون، نحيب على تلك الأماكن والزوايا التي كانت تلعب وإخوتها فيها.

إنها مأساة حقيقية تبذر الكراهية، وتنمي الحقد في نفوس أطفال فلسطين تجاه أولئك الذين ينظرون نظرة الجبان من بعيد.

نعم تنمي الحقد تجاه أولئك الذين لا حيلة لهم سوى التنديد والشجب والاستنكار، الذي يطلقونه من داخل كهوفهم خوفاً من أن يسترق السمع ذاك المفترس فيهجم عليهم كما هجم على فلسطين.

وفي كهوفهم- التي يعتقدون أنها ستحميهم- يضمدون جراحهم بالأشعار والمقالات السياسية، ويقصون على أطفالهم أحداث بطولاتهم الوهمية وغير المعقولة التي قاموا بها وهم يواجهون العدو، يقصونها من أجل كسب احترام الأطفال لهم من ناحية، ولرسم صورة ذهنية كاذبة داخل مخيلة الأطفال الذين يتلقون منهم الأكاذيب من جهة أخرى.

والمحير في الأمر أن أطفالهم الذين تلقوا الأكاذيب منهم وهم صغار، أعادوا اجترارها ليقوموا بسردها من جديد على أطفالهم، ليستمر الكذب الذي لم يجنوا من ورائه إلا مزيداً من الوهم.

محصلة القول: إن الدول التي لا تستطيع أن تقرر مصيرها، لا يمكن لها أن تحافظ على هويتها، وإذا ما أضاعت الهوية، فإنها ستستحيل إلى مسخ لا يُعرف ولا يُحترم... والسلام.

back to top