بعد كل هذه المعاناة... هل يعود السوريون إلى العيش معاً؟

نشر في 28-12-2012
آخر تحديث 28-12-2012 | 00:01
وصل الإبراهيمي إلى سورية قبل أيام... ولا شك في أن أي صفقة سياسية تُعقد وتساهم في إعادة تصنيف النظام لن تحقق أي هدف غير نشر الفوضى والتفكك. ومع استمرار هذه الأزمة، تواصل القوى المتطرفة تعزيز نفوذها داخل المجتمع السوري.
 ذي ناشيونال كان أبوعماد ضابط مخابرات شرساً في بلدة البوكمال شرق سورية. وقد شملت مهامه الحرص على أن تأتي خطب رجال الدين منسجمةً مع الخط الذي تتبعه الحكومة. أما إذا عصوا، فكان يطلق رجاله ليوقفهم ويعذبهم، ومن ثم يُخضعهم للمراقبة طوال ما تبقى من حياتهم.

أخبر هذا الضابط شاباً أنهى لتوه دراساته في الشريعة وزاره ليبني الثقة بينهما ويتفادى الاعتقال: "نحارب الوهابية أينما وجدناها". يقول هذا الإمام الشاب، الذي يقود اليوم فصيلاً مناهضاً للنظام، إن هذا الضابط كان بالعجرفة القاسية المرضية ذاتها التي تميز النظام البعثي.

نحو منتصف شهر نوفمبر الماضي، قُتل أبوعماد وعشرون من فريقه في معركة مع الجيش السوري الحر. فأُلقيت جثته في الشارع، حيث بقيت لأيام لأن الجميع أبوا دفنه. قد تحمل مشاهد مماثلة خاتمة لمَن قتلت قوات النظام أقاربهم وأفراداً من عائلاتهم بأبشع الطرق. ويأمل كثيرون رؤية جثة بشار الأسد ملقاة في الشارع. ولكن هل يُعتبر الانتقام أفضل السبل إلى المضي قدماً؟

عاد الحديث مجدداً عن تسوية سياسية مع النظام بعد سلسلة من الإشارات أرسلها النظام وحلفاؤه تكشف أنهم قد يفكرون في تسوية ما. فقد أخبر نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الصحيفة اللبنانية "الأخبار" قبل بضعة أيام أنه لا المعارضة ولا النظام يمكن أن يحققا انتصاراً عسكرياً حاسماً، وأن الحاجة إلى تسوية تاريخية باتت ملحة. بعيد ذلك، طرحت إيران خطة تتألف من ست نقاط لحل الأزمة السورية. كذلك لمّحت روسيا إلى أنها ما عادت ملتزمة باستمرار الحاكم السوري المستبد كرأس للدولة.

تشكل هذه الإشارات محاولة يسعى من خلالها النظام إلى تحويل الانتباه عن الاعتراف الدولي الأسبوع الماضي بالائتلاف الوطني المعارض بصفته الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري. وقد تزامنت هذه الخطوة مع إرسال مجموعات من الجنود وصواريخ باتريوت إلى مناطق قريبة من الحدود السورية.

نجح النظام السوري في مناورته هذه إلى حد ما. فيبدو أن عدداً من التقارير الإعلامية والخطوات الدبلوماسية خلال الأيام الأخيرة قد تجاهل ما عاناه السوريون منذ المرة الأخيرة التي تحدث فيها النظام عن حوار وطني. يدرك النظام السوري أن القوى الغربية ستنظر بإيجابية إلى أي تسوية سياسية تهمش المتطرفين. لذلك يحاول استغلال هذه النقطة. ولكن على المعارضة وأصدقائها ألا يقعوا في هذا الشرك.

من الضروري أن يتواصل الدعم الخارجي للمعارضة، أو حتى يزداد. قد يميل المجتمع الدولي إلى الحد من دعمه هذا. ولكن لابد من الأخذ في الاعتبار الدعوات السابقة التي أطلقها النظام لاعتماد السبل الدبلوماسية، والتي تبين أنها مجرد حيل لتمرير الوقت. إذن، من الضروري مواصلة تقديم المساعدات للثوار، ما لم يقدم النظام تنازلات حقيقية. وقد آن الأوان ليدرك العالم أن تقدم الثوار وحده قادر على إرغام النظام على إعادة النظر في سياساته وسبل الخروج من هذه الأزمة.

وصل مبعوث الأمم المتحدة، الأخضر الإبراهيمي، إلى سورية قبل أيام. ولا شك أن أي صفقة سياسية تُعقد وتساهم في إعادة تصنيف النظام لن تحقق أي هدف غير نشر الفوضى والتفكك. ومع استمرار هذه الأزمة، تواصل القوى المتطرفة تعزيز نفوذها داخل المجتمع السوري.

لا شك في أن الحل الشامل الذي يرضي الشعب السوري لا مكان فيه للرئيس الحالي. يجب أن يرحل، فهذا أقل ما تريده عائلات الضحايا، الذين بلغ عددهم الخمسين ألفاً، فضلا عن مليون لاجئ تقريباً ومئات آلاف المساجين. أضف إلى ذلك تضحيات ملايين الناس وآلاف القرى والبلدات، التي تجعل تسوية سياسية ناقصة مستحيلة.

ولكن على المعارضة أيضاً أن تتقبل حلاً يشمل ممراً آمناً للرئيس والمحيطين به. قد يهزم الثوار النظام، إلا أن هذا الأخير قد يتمسك بالسلطة لفترة أطول ويقتل عدداً أكبر من السوريين، فهل يجب إحقاق العدالة حتى لو كلفت إراقة المزيد من الدماء؟ هذا سؤال صعب، خصوصاً لمن فقدوا أحباء لهم. ولكن على المعارضة أن تناقشه علانية.

ما هو موضع سورية كبلد في هذه المعادلة؟ إذا عُفي عن الحاكم والمحيطين به، فإن الشعب ينتقم من داعميه. ومَن سيُحاكم إذن؟ هل يقبل مئات آلاف اللاجئين، الذين تركوا منازلهم وخسر البعض منهم أحباء لهم، العودة بكل بساطة إلى بلادهم والعيش جنباً إلى جنب مع مَن دعموا النظام؟ يحدد الجواب عن هذين السؤالين ما إذا كانت سورية ستُنقَذ من نفسها.

صحيح أن ما لا يقل عن 10 آلاف سوري موالٍ للنظام قتلوا، من بينهم بعض أهم الشخصيات في نظام الأسد، بيد أن ذلك لا يعادل عدد ضحايا النظام والألم الذي سببه. ولكن يجب ألا ينسى الناس أن الألم لا يقتصر على طرف واحد.

تمثل البوكمال، بلدتي في شرق سورية، مثالاً مميزاً للمصالحة الشعبية. فقد سيطر الثوار على هذه البلدة بالكامل منذ السابع عشر من نوفمبر، لكن الناس الذين دعموا النظام يعيشون راهناً بسلام في مجتمعاتهم، بينما يعمل الثوار على التمهيد لحكم جديد. صحيح أن كثيرين لم يقبلوا دعم جيرانهم السابق للنظام، إلا أنهم يمتنعون عن مهاجمتهم أو الاعتداء عليهم.

سبق أن تحدث معاذ الخطيب، رئيس الائتلاف الوطني، وكتب بإسهاب عن المسامحة. وحري به اليوم التشديد على ذلك مجدداً، فيما تقترب المعارضة من إطاحة النظام. فالانتقام لا يبني أمة، بل يدفعها أكثر نحو الهاوية.

* حسن الحسن | Hassan Hassan 

back to top