هل نحن وحدنا في الكون؟
لنفترض أننا استيقظنا ذات صباح وعلمنا أن العلماء نجحوا في التواصل مع حضارة في كوكب آخر. ماذا سيكون تأثير ذلك فينا؟ من ناحية، نظل مقيدين بواقعنا على الأرض: جنس يناضل في سبيل الحصول على الموارد في كوكب تتفاقم معاناته تدريجاً. من ناحية أخرى، ندرك أننا لسنا بالضرورة ذروة الخلق، أن لنا أتراباً وأنسباء بين النجوم، وأننا لسنا حقّاً وحدنا. كريس إيمبي طرحت السؤال التالي في Big Questions.
{هل نحن وحدنا في الكون؟} أحد أكبر وأعمق الأسئلة التي يستطيع العلم تناولها. فلا شك في أن اكتشاف أمثلة بعيدة للحياة سيؤثر في صورتنا عن أنفسنا ونواصل انتقالنا التدريجي من مركز خطة الخلق، هذا الانتقال الذي بدأ مع ثورة كوبرنيكوس.يبدو علماء الفلك واثقين من أنهم سيكتشفون يوماً حياة خارج كوكب الأرض. وألاحظ أن الحماسة تزداد بين زملائي لأننا نعتقد أننا قد نتمكن من تحقيق ذلك خلال العقد القادم. ولكن ما سبب هذا التفاؤل؟
يبدو الكون صالحاً للسكن، فالعناصر الحيوية الجينية الأساسية (الكربون، النيتروجين، الأوكسجين، الكبريت، والفسفور) تٌنتج دوماً في النجوم، ومن ثم تُضخ في الفضاء ما بينها، حيث تصبح جزءاً من الجيل التالي من النجوم والكواكب. لا شك في أن العناصر الثقيلة تُعتبر أقل انتشاراً بآلاف المرات من المكوّنَين الأساسيين للكون، الهيدروجين والهليوم. ولكن عندما يتكوّن نجم، تتركز العناصر الثقيلة وتبرد عند أطراف السديم. وتشير النماذج إلى أن الكيمياء الحيوية ربما بدأت خلال المليار سنة التي تلت الانفجار العظيم. يعني ذلك أن الانتقاء الطبيعي، أو ما يشبهه، انطلق قبل فترة تفوق عمر الأرض بثلاثة أضعاف. ومع تقدّم الكون في السن وإنتاج مزيد من الكربون، يصبح أكثر ملاءمة للحياة.من الأسباب الأخرى، التي تجعل العلماء متفائلين في شأن احتمال وجود حياة في كوكب آخر، واقع أن الخلايا البسيطة تكوّنت من مكوّنات جزيئية بدائية خلال العشرة في المئة الأولى من تاريخ هذا الكوكب. تجتاح الحياة الأرض كما لو أنها حمى، فقد تغلغلت الميكروبات في كل زاوية بيئية ممكنة، علماً أن كثيراً منها يتطلب التأقلم مع الحرارة، الجفاف، السمية، الضغط، ودرجة الحموضة. إذاً، لا تحتاج الحياة بالضرورة إلى نجم، حتى إنها قد لا تحتاج إلى كوكب.درب التبانةخلال السنوات الماضية، دفع العدد الكبير من الكواكب خارج نظامنا الشمسي علماء الفلك إلى البحث في كثير من العوالم القابلة للسكن في مجرة درب التبانة. فبدأ مقراب كيبلر بالعثور على كواكب شبيهة بالأرض في المناطق القابلة للسكن التابعة لنجومها. نتوقع وجود مئات ملايين العوالم القابلة للسكن في المجرة وعشرة أضعاف ذلك من {المواقع} القابلة للسكن، أو أقمار كواكب عملاقة بعيدة عن نجومها، حيث تنتج الحرارة المدية أو الجيولوجية الطاقة المحلية. ولا شك في أن ذلك يستند إلى تعريف متحفظ للأماكن القابلة السكن، تعريف يستند إلى توافر الماء السائل.يشير مبدأ العادية (principal of mediocrity) أن العدد الكامل للعوالم القابلة للسكن بين المئة مليار مجرة في الكون، الذي يمكننا مراقبته، يبلغ 10 مليارات المليارات. ومن المستحيل أن تكون كل هذه عقيمة، ولكن علينا أن نتقبل منطقيّاً احتمال أن الحياة نادرة جدّاً.في الكواكب القريبة منا، تتوافر أدلة قوية على أن المريخ كان قابلاً للسكن وأنه ضمّ أجساماً مائية راكدة قبل بضعة مليارات من السنين. حتى اليوم، ثمة احتمال أن يحتوي في خزانات تحت الأرض على ماء يندفع إلى السطح من حين إلى آخر. لذلك من المحتمل أن تحتوي هذه المواقع على الحياة. على نحو مماثل، يضم القمر أوروبا وعدد من الأقمار الأخرى خارج نظامنا الشمسي مياهاً جوفية، في حين أن القمر تيتان قد يحمل نموذجاً مختلفاً من الكيمياء الحيوية يرتكز على الإيتان والميتان.لا شك في أن الخطوة التالية (إثبات أن الحياة لا تقتصر على القابلية للسكن) ستكون أكثر صعوبة. لا تستطيع البعثات الراهنة والمخطط لها إلى كوكب المريخ إلا استكشاف السطح. أما بعثات العثور على الحياة خارج نظامنا الشمسي، فتكلّف مليارات الدولارات ولا تزال تحتاج إلى عقود من التطوير والتخطيط. يعمل علماء الفلك راهناً على تحسين تقنيات رصد المؤشرات الحيوية: أثار الحياة الكيماوية في جو خارج نظامنا الشمسي. ويتطلب ذلك عزل الضوء الضعيف الذي يعكسه كوكب خارج نظامنا الشمسي وفصله عن أضواء نجومه، التي تكون أقوى بمليارات المرات وموزعة على شكل طيف. ويُعتبر الأوكسجين المؤشر النموذجي لأن الميكروبات أنتجته على الأرض. ومع غياب الحياة، يزول الأوكسجين في غضون أقل من عشرة مليارات سنة. وقد يتمكن العلماء من إجراء هذه التجربة خلال العقد المقبل.ماذا إن نجحوا؟ لا شك في أن الاكتشاف سيتصدر عناوين الأخبار ويحدث ضجة كبرى في الأوساط العلمية لبعض الوقت، وسيدفعنا إلى الاستنتاج أن الحوادث التي وقعت على كوكبنا لم تحصل صدفة ولا تُعتبر فريدة من نوعها. إلا أن اكتشافنا أننا نعيم في كون يحتوي على حياة ميكروبية لن يبعد عنا على الأرجح شعورنا بالوحدة.كائنات ذكيةعندما نتأمل في احتمال وجود كائنات ذكية فعلية خارج كوكبنا، ندخل عالماً تكثر فيه تخمينات غير موثّقة وتفكير أخلاقي يعتبر الإنسان المركز والمحور. يصف فرانك درايك، الذي يُعتبر أب المعادلة التي تقدّر عدد الكائنات الذكية في الكون، بتواضع هذا الوضع بوعاء الجهل. فلا نملك أدنى فكرة عن المرات التي تنشأ فيها الحياة في بيئة قابلة للسكن، التي تطور فيها الحياة أمراً نعتبره ذكيّاً، أو التي تستغل فيها كائنات ذكية التكنولوجيا، أو عن مدى حياة الكائنات التي تتمتع بهذه القدرات المتقدّمة. من المحتمل أن تكون الأدوات التي نستخدمها للتواصل مع الكائنات الفضائية المفترضة (مثل المقاريب الراديوية وأشعة الليزر القوية) مجرد تقنيات موقتة لا تستطيع الكائنات الذكية التي تشاطرنا كوكبنا ولا تملك أيدٍ مثلنا (كالحيتان القاتلة والرأسيات الأرجل) استخدامها. نتطلع إلى الكون، إلا أننا في الواقع ننظر إلى مرآة.لم يستسلم الباحثون الشجعان، الذين يفتشون عن ذكاء خارج كوكب الأرض (يقرون أن البحث عن ذكاء خارج كوكب الأرض ما هو إلا بحث عن التكنولوجيا خارج كوكبنا)، رغم مرور ستة عقود على {الصمت العظيم}. ويشيرون إلى أنهم في غضون عقد تقريباً سيتمكنون من رصد أجهزة مماثلة لما نستخدمه في إطلاق البث الراديوي ونبضات الليزر تعمل على كواكب مجاورة للمئة مليون نجم الأقرب إلينا. إذا استمر الصمت، حسبما يقرون، فهذا يعني أننا عمليّاً بمفردنا وأن الانتقال من حياة ميكروبية إلى حياة ذكية تعتمد على التكنولوجيا أمر نادر جدّاً. ولكن هل هذا صحيح؟حضارات متقدمةلا يعني غياب الأدلة أن ما نبحث عنه غير موجود. فثمة أسباب كثيرة تبرر وجود حضارات متقدمة نجهل أي أمر عنها. يحتاج التواصل إلى وسيلة ودافع. وكي نتمكن من فهم الآخر يجب أن تجمعنا به لغة واحدة وثقافة واحدة، وهذا بالتأكيد أمر صعب للغاية. فنحن نعجز عن مخاطبة الحيوانات التي تشاركنا في 99% من حمضنا النووي. بالنظر إلى ذلك، ما يكون احتمال أن نتمكن من التواصل مع كائنات فضائية لا نعرف شكلها أو طريقة عملها وتفكيرها؟ لا يزال الإنسان بدائيّاً يترنح على الحافة بين نار نجمنا الملتهب والبرد المطلق في الكون الفسيح، وبالكاد تجرأنا على الخروج من كوكبنا. لذلك قد ترانا الكائنات الفضائية بالطريقة عينها التي ننظر بها نحن إلى البكتيريا.نحن عالقون في قفص الحياة على الأرض وظروف الإنسان، لكننا قد نحقق إنجازات كبيرة بالخروج من قفصنا. يقترح بعض الباحثين أن نتجاوز الإستراتيجيات القائمة على التواصل و}الاتصال} وأن نبحث عن الكائنات الفضائية من خلال أعمالها الفنية. يعتقد فريمان ديسون أن حضارات الكائنات الفضائية المتقدمة قد تتمكن من استغلال طاقة نجمها بالكامل ببناء كرة حوله، ما يجعله يشعّ بطريقة مميزة بطول موجات ما تحت الحمراء. أو قد تصبح الكائنات هذه {ما بعد البيولوجية} (post-biological)، ما يعني أن علينا البحث عن بنى هندسية كونية في المسافات بين النجوم أو حتى المجرات. نتيجة لذلك، قد تفشل الطرق التقليدية للبحث عن ذكاء خارج كوكب الأرض فشلاً ذريعاً لأنها تفتقر إلى الإبداع والخروج عن المألوف. وقد بدأ علماء الفلك التحقق من هذه الاقتراحات بالتعمق في الدراسات الكبيرة التي تُجرى حاليّاً.على أمل أن يتوصل العلماء إلى أجوبة قريباً، لا نبدو محصنين تجاه قرن من الثقافة الشعبية، بدءاً مع بارسيفال لويل وهربرت جورج ويلز. فقد جعلنا الخيال العلمي مستعدين لتقبّل حشود من الكائنات الفضائية، التي تجوب المجرة، تستعمر العوالم، وتخضع شعوبها. إلا أنها تملك أيضاً موسيقى وفنّاً وحس فكاهة أيضاً. إنهم غرباء، لكن الأكثر غرابة أنها تشبهنا.فيما نستمتع بصور الخيال العلمي الغريبة عن هذه الكائنات، ندرك الرسائل الأخلاقية التي تتضمنها. قد تكون الكائنات الفضائية حليفاً، كما قد تكون عدوّاً. قد تساعدنا، كما قد تدمرنا. تمثل هذه صوراً مجازية عن الخلاص والعقاب. في أفلام في ET وClose Encounters of the Third Kind لستيفن سبيلبرغ، تبدو الإشارات الدينية واضحة. لكن خرافات كائنات الفضاء هذه فارغة، مع أن مشاهدتها ممتعة.لسؤالنا الكبير جواب: يُعتبر العلم السبيل الأفضل لاتباعه، وعلينا التحلي بالصبر، ما يقودنا إلى سؤال آخر: هل يمكننا تحمل تبعات الجواب؟أسئلة للمناقشة• إذا تبين أن الحياة خارج كوكبنا نادرة، فماذا يكشف هذا الواقع عن تاريخ كوكبنا ومكاننا في الكون؟• هل يُعتبر اكتشاف حياة ميكروبية أقل أهمية ومغزى من اكتشاف حياة ذكية؟• هل من الممكن التحدث عن طبيعة أشكال الحياة المتقدمة خارج الأرض من دون الوقوع في شرك الأفكار التي تعتبر الإنسان المحور؟• هل {للصمت العظيم} معنى؟ وكم من سبب يبرر عدم عثورنا على أدلة على وجود حضارات ذكية مع أنها موجودة فعلاً؟• كم يمكن أن تكون الحياة غريبة خارج الأرض؟ وهل يُعقل أن نعجز عن تميّزها؟ وفي هذا الصدد، كم تبدو ثورة {ما بعد البيولوجيا} محتملة؟ وهل من الممكن أن تأخذ الحياة شكلاً ميكانيكيّاً أو إلكترونيّاً؟• إن كانت أشكال متقدمة من الذكاء والحضارة موجودة خارج كوكبنا، فهل نحن مستعدون للتعرف إليها؟ وما سيكون تأثير ذلك في الحضارة البشرية؟