لو لم يكن ناصرياً... لطمح أن يكون!

نشر في 08-08-2013
آخر تحديث 08-08-2013 | 00:01
 أ. د. محمد جابر الأنصاري قرر الكتّاب العرب للفريق أول السيسي "مستقبلاً" يشبه مستقبل عبدالناصر، فقد ظهرت كتابات عديدة تقارن بين الاثنين، وتحاول أن "تثبت" أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي أمامه طريق واحد هو طريق عبدالناصر!

ولن أجادل في "ناصرية" السيسي، من الناحية النظرية فقد شهدت صوراً قديمة للفريق، وهو طفل صغير، يؤدي التحية لعبدالناصر ويستعد لتقديم باقة من الزهور إليه.

ويتعدى الشبه بين الرجلين مستوى الصور إلى تشابهات أعمق، فمصر بحاجة إلى يد قوية تمسك بشؤونها بعد الذي شهدته، وتنظيم "الضباط الأحرار وإمساك الفريق أول السيسي بضباط الجيش هذا الإمساك الدقيق الوثيق يذكّر بعبدالناصر وسلطته. وترحيب العرب بالفريق يشبه الترحيب الذي ناله عبدالناصر. والاصطدام بـ"الإخوان" ومحاولة سيطرتهم على مصر لولا مقاومته، ثم إن إسرائيل تستحق هزيمة كالتي ألحقتها بعبدالناصر، ويبقى ذلك "التحدي الأخير" أمام الفريق!

ولكن قبل أن يصل إلى هذا "التحدي الأخير" لابد أن يمر بتأميم قناة السويس، وبصفقة الأسلحة التشيكية، و"مؤتمر باندونج" ، والوحدة مع سورية، ثم مواجهة "الانفصال"، إذا أردنا أن نقيم توازناً دقيقاً بينه وبين عبدالناصر!

ولكن عليه قبل ذلك أن يحرر علاقته بأميركا، إذْ لم نجد حاكماً عربياً جديداً مس هذه العلاقة بسوء حتى الآن! وهو لن يتمكن من "الثأر" من إسرائيل إلا إذا تحرر من أميركا!

لقد تغيّر العالم... وتغيرت معه أميركا وإسرائيل، ومصر والعرب! ولا بد أن يدرس المستجدات بعناية!

وظهرت في "الشرق الأوسط" قوى جديدة على رأسها إيران الكهنوتية التي أراد "الرئيس السابق" أن يقيم معها علاقة جديدة!

ومع هذه المستجدات نشأت بمصر طبقة متوسطة جديدة، وكذلك شهد العرب طبقات جديدة... أهم صفاتها أنها تريد أن تسمع "عقلاً" لا بلاغة فقط!

ومن مستجدات العالم أنه لم يعد يقبل الفتك بالمعارضين وهذا ما يراعيه الفريق أول السيسي مراعاةً شديدة!

لقد تغير العالم فعلاً، فقد تركت القوى الكبرى عبدالناصر يفتك   بمعارضيه من "الإخوان" والشيوعيين والليبراليين، ولن يستطيع أحد من حكامنا الجدد، أن يفعل ذلك!

وفي الأخبار الأخيرة بشأن الوضع في مصر، مدد نائب وزير الخارجية الأميركية إقامته لأن ثمة دلائل على أن "الإخوان" يريدون حلاً سلمياً.

وصرح الفريق أول السيسي، بأنه يطلب حلاً سلمياً كذلك، بعد أن قابل عدداً من المنظمات الإسلامية، وفي مقابلة مع "واشنطن بوست"، السبت الماضي، أكد الفريق أنه لا يطلب الرئاسة ولا يحمل طموحاً لها. بينما عبدالناصر قاتل قتالاً شرساً من أجل أن يترشح، وقد تُرك ليفتك برجال ثورته أنفسهم، وأولهم محمد نجيب، والبغدادي... إلخ.

وهذا ما لا يستطيعه الفريق أول السيسي، وإذا أراد الاقتراب من الحكم، فينبغي ألا يفكر فيه؛ لأن عيون الدول الكبرى مفتوحة، وهي تحصي الأنفاس.

والوضع السياسي والعسكري في مصر شديد السيولة، وليس من الحكمة توقع شكل محدد لذلك الوضع، يمكن وضع السيسي بداخله ومقارنته بعبدالناصر الذي مرت على وفاته عقود عدة، واتضح من يريد تحديه، ومن يريد السير على طريقه!

إن "تدبيج" المقالات بشأن الشبه بين عبدالناصر والفريق أول السيسي ممكن من الناحية النظرية.

غير أن ذلك غير ممكن من الناحية العملية، ويخطئ من يتصور أنه قادر على ذلك!

إن الفريق أول السيسي "ناصري" كما هو كل مصري يريد المكانة المتميزة لمصر في وطنها العربي وفي دائرتها الإفريقية والإسلامية، فهذه الدوائر الثلاث لايمكن إلغاؤها أو القفز عليها، وأول من كتب عنها عبدالناصر في "فلسفة الثورة" عندما كانت مصر تبحث عن طريقها.

وآخر أخبار مصر أن الجيش يفكر في التصالح مع "الإخوان"، وقد مدد وزير الخارجية الأميركية إقامته تحقيقاً لهذا الغرض.

كما أن وزيري الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد، والقطري خالد بن محمد العطية مددا إقامتهما بمصر انتظاراً للحدث ذاته.

وثمة دلائل من شخصيات في الحكومة المصرية من منظمات إسلامية على أن الفريق أول السيسي أبدى قناعته بالحل السياسي،

غير أن هذا الحل يتأرجح في مهب الريح، وقد يتحقق، وقد لا يتحقق!

وظهور المقالات في المقارنة بين القائدين مسألة فيها نظر! والأفضل هو "الاقتصاد" في تلك المقالات حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

* أكاديمي ومفكر من البحرين

back to top