حوار الطرشان: رياح التغيير (2)

نشر في 19-01-2013
آخر تحديث 19-01-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان إن الرياح الصفراء التي هبّت على الوطن العربي ليست غريبة عليه، كما أنها ليست بجديدة، فقط هي رياح استطاعت أن تنزع ثوبها القديم المهترئ لتلبس ثوباً جديداً مزخرفاً تكثر الألوان فيه.

لأنها تريد بثوبها الجديد والزخرفة الزاهية التي وضعتها عليه أن ترسم صورة ذهنية في عقول الجماهير العائمة الهائجة وغير المنظمة، مستقلة في وضع رسمته للحرمان والبؤس اللذين خلفهما السابقون، كما أنها بثوبها الجديد تدّعي وبكثير من الزيف أنها تملك المفتاح الذي يفتح الأبواب، كباب العدل والمساواة والحريات بمفهومها الشامل.

وحقيقة الأمر وواقعه أن أصحاب الثوب الجديد لا يملكون ذاك المفتاح، لأنهم لم يعثروا عليه بالأصل، وبالتالي هم فاشلون مثلهم مثل من سبقهم بالفشل، الذي ترسخ- أي الفشل- حتى أضحى ثقافة معشعشة في فكر المواطن العربي ووجدانه والذي فقد كل أمل في الإصلاح.

والفشل الذي يعانونه وسيظلون أُمثّله بالنار المحاطة بملايين الأشجار، فكلما خفتَ لهيبها مدَّها مشعلوها بجذع شجرة من تلك الأشجار الكثيرة الواقفة، فلديهم أشجار العصبية، وأشجار الطائفية، وأشجار الفئوية، وأشجار الزقوم التي لم يأتِ عليها الدور بعد.

وبفضل تلك الأشجار اللعينة استطاع السابق القديم الذي ورثه اللاحق المتجدد أن يشلّ قدرة المواطن العربي على التفكير، وبهذا الشلل الوهمي، انتُزعت ملكة التفكير منه وتُرِكت له العاطفة الهوجاء ترمي بهِ من غير تدبر ناحية اليسار تارة، وناحية اليمين تارة أخرى.

فعلى مدى سنينٍ طوال والمواطن العربي مستغَل استغلالاً بشعاً من قِبل الأنظمة المتعاقبة، فيساق إلى ساحات الصراع بدعوى العصبية القومية أو القبلية، وإذا ما تلاشى خطاب العصبية وأصبح غير ذي جدوى، استبدلته الأنظمة بخطاب الطائفية، لتسوق المواطن من جديد إلى حرب جديدة تقوم على أحداث جرت منذ قرون ولّت.

وهي بهذا الصنيع تحاول أن تضمن بقاءها وتحافظ على ديمومة استمرارها؛ لأنها لا تملك رؤية مستقبلية، ولا حلولا آنية.

* إن الثوب القديم لم يستَحِل إلى ذلك إلا بعد أن كثرت أخطاؤه، وتعددت جناياته، واستعر ظلمه كما تستعر النار في الهشيم، فحاول أصحابه أن يجملوه، إلا أن التجميل زاده قبحاً على قبح، فالترقيع الذي وضعوه لم يعد يستطيع أن يستر عورتهم، فتم استبداله- من قبل الصانع- بثوب جديد فضفاض هذه المرة، علّه يستر العيوب التي انكشفت من جراء اهتراء الثوب القديم.

والمضحك المبكي أن الثوب القديم الذي تم استبداله بآخر جديد، هو نتاج «خياط واحد» يجثم بطول قامته خلف البحار، وينظر بكثيرٍ من الحرص على أزيائه التي ينتجها من حينٍ إلى آخر، فإن كانت تلك الأزياء تحقق مصلحته وتجلب له المنافع، أبقاها وحافظ عليها، حتى إذا ما اهترأت استبدلها بغيرها، هكذا دواليك... وللحديث بقية. والسلام.

back to top