انحدار القوى العظمى... من روما القديمة إلى أميركا الحديثة

نشر في 18-06-2013
آخر تحديث 18-06-2013 | 00:01
No Image Caption
خصص المؤلفان جلين هوبارد وتيم كين أكثر من نصف كتابهما «التوازن: اقتصاد القوى العظمى من روما القديمة إلى أميركا الحديثة»، للحديث عن انحدار القوى العظمى الأخرى.
غالباً ما يقال إن كل جيل يعيد كتابة التاريخ حسب رغبته. وربما ينطبق الشيء نفسه على الكتب التي تتحدث حول تراجع الولايات المتحدة. ويعطينا كتاب «التوازن: اقتصاد القوى العظمى من روما القديمة إلى أميركا الحديثة»* مزيجاً طموحاً، ويجادل بأن الولايات المتحدة ستنحدر ما لم تغير مسارها، وهو يعتمد كثيرا على تاريخ العالم ليفسر السقطات التي يمكن تجنبها.

المؤلفان، جلين هوبارد وتيم كين، مؤرخان هاويان متحمسان. لذلك القضاة الرومان والانكشاريون والخصيان منتشرون في صفحات الكتاب الذي خُصِّص أكثر من نصفه للحديث عن انحدار القوى العظمى الأخرى. والمؤلفان كذلك من علماء الاقتصاد المتمكنين؛ كان هوبارد رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس جورج بوش، وهو الآن عميد كلية الأعمال بجامعة كولومبيا، أما كين فهو كبير الاقتصاديين لدى معهد هدسون. والنتيجة هي كتاب ممتع وتاريخ غني بالبيانات عن سقوط القوى العظمى من خلال أعين اثنين من المحافظين في فترة اعتلال المالية العامة في الولايات المتحدة في 2013.

وحين أقول إن هذا الكتاب لم يكن من الممكن أن يُكتب في 2003، أو أن يُكتب من قبل أحد أتباع كينز، فلا أقصد الانتقاد. لكن يجدر بالقارئ أن يأخذ هذا في الحسبان. يتألف لب حجتهما من أن اللوم يقع على السياسة في جميع حالات الانحدار – القوى العظمى تفقد المقدرة، أو الإرادة، على اتخاذ القرارات الصعبة اللازمة للحفاظ على حيويتها الاقتصادية.

ويجادل المؤلفان بأن الولايات المتحدة تواجه اليوم التحدي المتمثل في تنامي «فقاعة الاستحقاقات»، التي تظل دون ضبط أو سيطرة بسبب مأزق واشنطن. والاستقطاب هو عدو أميركا الأول. يقول المؤلفان: «عجز الميزانية المنفلت من عقاله ليس مشكلة رياضية. بل مشكلة إجراءات. إنه مشكلة سياسية».

ديمقراطية الغوغاء

وعلى خلاف التصور الشائع في أذهان الناس، لا تنهار القوى العظمى لأن البرابرة على الأبواب، وإنما تتحلل من الداخل، كما يقول المؤلفان. ويمكن تتبع انحدار روما من تراجع قيمة الدينار الفضي، الذي كانت قيمته تتراجع على شكل موازٍ مع صعود ديمقراطية الغوغاء القائمة على «الخبز والسيرك».

وتعرضت الإمبراطورية الرومانية للضمور قبل فترة طويلة من تدميرها على أيدي القبائل الألمانية القوطية. وبالمثل، يمكن قياس انحدار أميركا المحتمل من خلال إخفاقها في تخفيض الدين القومي. ولا يؤمن المؤلفان أبداً بصورة جدية بفكرة أن صعود الصين يشكل تهديداً لهيمنة أميركا، ويقولان إن «التهديد الرئيسي لأميركا هو أميركا نفسها».

ربما يكون هذا صحيحاً إلى حد كبير على المدى القصير، فليس هناك شك في أن واشنطن حين تكون أصلح حالاً فإن ذلك من شأنه تخفيف حالات كثيرة من الصداع، بما في ذلك الدين القومي الأميركي. لكن بالنسبة لكتاب يكرس قسماً كبيراً للتاريخ غير الأميركي، هذه وجهة نظر ضيقة إلى حد غريب.

والدرس الرئيسي من التاريخ هو أنه ليس هناك شيء يدوم إلى الأبد، لكن كتاب «التوازن» يقوم على فكرة تقول إذا تناولت الولايات المتحدة الدواء الصحيح فإن خدمات التاريخ لن تعود لازمة. ولاشك في أنه لا توجد قوة كبرى أخرى تعادل مواطن قوة أميركا الابتكارية، ولا انفتاحها على الهجرة.

 لكن حتى لو اتبعت أميركا علاجات هوبارد وكين فإن مستقبلها سيتأثر بالكيفية التي سيتصرف بها العالم. لن تتجمد الأمم الأخرى ببساطة لمجرد أن الولايات المتحدة تعيد تشغيل نفسها. كذلك كان من الممكن أن ينتفع الكتاب من نظرة أعمق على طبيعة الصين اليوم، بدلا من تقديم جولة عاصفة للأسر الحاكمة الصينية على مدى ألف عام.

حكم إمبراطوري

وهذا يأتي بنا إلى المشكلتين الرئيسيتين في الكتاب. الأولى هي التاريخ الذي مع أنه روي بصورة جذابة، إلا أنه أعيدت صياغته بصورة واضحة فوق الحد ليناسب الحاضر. واختيارات المؤلفَين بحد ذاتها تدل على حكاية معينة. هناك معقولية في الحديث عن روما والحكم الإمبراطوري في الصين والملكية في إسبانيا الاستعمارية والإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية العثمانية، فقد كانت كل واحدة منها قوة عظمى في زمانها، لكن إدراج اليابان والاتحاد الأوروبي وكاليفورنيا اختيار شاذ. وحين يدرج المؤلفان كيانين مختلين وظيفياً من الناحية السياسية والضرائب العالية نسبياً فإنهما يكشفان عن أوراقهما.

ماذا لو اختارا مثلاً ألمانيا، وهي قوة صاعدة لديها ديمقراطية سليمة وظيفياً بصورة معقولة ومعدلات ضريبية عالية؟ بالمقولة نفسها، إذا كانت كاليفورنيا، أعلى الولايات التي تحقق دخلاً ضريبياً في الولايات المتحدة، تشير إلى طريق الانحدار، ألا ينبغي والحالة هذه أن تشير تكساس، التي تبلغ فيها نسبة ضرائب الولاية صفراً، إلى الطريق المؤدي إلى الارتفاع؟ كان قراراً حكيماً من المؤلفَين ألا يتطرقا لذلك.

وبصورة كبيرة جدا يلعب الماضي دور الخادم المطيع للحاضر. وفي ما يلي النتيجة التي توصل إليها المؤلفان في ختام فصلها عن الإمبراطورية الإسبانية: «النبأ السار هو أن كثيراً من الأوروبيين، بل وكثير من الإسبان حتى، يدركون ما حدث، وهم يطالبون الآن بنهاية لحلول «الأموال السهلة» التي كان أبطالها الملك شارلز الخامس وفيليب الثاني قبل بضعة قرون»... هل تصدق أنهما كتبا ذلك بالفعل؟

والمشكلة الثانية تكمن في تشخيص الكتاب لاعتلال الولايات المتحدة. والمؤلفان محقان في أن يعتبرا المأزق مشكلة كبرى، لكن وجهة نظرهما حول السبب في المأزق غريبة. وللإنصاف أقول إنهما أطلقا النذير حول مشكلة المصالح الخاصة –أي الإجراء الجماعي– في واشنطن، التي تحدث عنها للمرة الأولى الاقتصادي مانكور أولسون.

لكن هذا أمر ثانوي من حيث المتهم الرئيسي في وجهة نظرهما، وهو إصلاح تمويل الحملات الانتخابية. وحسب ترتيبهما الزمني، بدأ انحدار الولايات المتحدة في 1975 –السنة التي وضعت فيه أول ضوابط على الإنفاق على الحملات الانتخابية في أعقاب فضيحة ووترجيت.

حكم مثير

ويقول المؤلفان: «هناك ميل طبيعي للضمور لدى الدول، تماماً مثلما أن المعدات الرأسمالية تستهلَك على مدى الزمن». وفي 2010 تمكنت المحكمة العليا لفترة وجيزة من إيقاف هذا الضمور، من خلال حكمها المثير للجدل في قضية سيتزنز يونايتد، الذي أعاد من وجهة نظر المؤلفين «بعضا من هذه الحريات» التي فقدت منذ 1975. لكن «قوى اللفياثان تضغط منذ الآن لإعادة السيطرة المركزية».

هذا هو الوضع إذن. لا عليك من صعود الصين، وجمود الدخول لدى الطبقة الوسطى الأميركية، أو التراجع في قوائم الإنجاز التعليمي على المستوى الدولي. أكبر تهديد أمام سلطة الولايات المتحدة يأتي من المحاولات المتواضعة (وغير المجدية) لكبح مقدار الأموال التي يستطيع الأغنياء إنفاقها للتأثير في الحملات الانتخابية. من الصعب معرفة أفضل رد على هذا النوع من المنطق الا أن نقول إنه فعلاً أمر مؤسف.

ومعظم الكتاب مفيد من زوايا معينة. إن تحليلهما لسقوط روما قوي ومقنع. واستعراضهما لتراجع بريطانيا، الذي يضعان تاريخه في الثمانينيات من القرن الثامن عشر، يتسم بالأصالة. يقول المؤلفان: «نعتقد أنه كان من الممكن أن تكون الإمبراطورية البريطانية قوة عظمى اليوم، لو أنها كانت أكثر توسعاً في كونها بريطانية من كونها استعمارية».

وأنا أختلف معهما في ذلك، لكن باعتباري بريطانياً كانت قراءة هذا التحليل ممتعة، أما الفصول التي تتحدث عن الولايات المتحدة فليست ممتعة ولا مقنعة. فأميركا تواجه بالتأكيد تحديات عميقة، وربما تؤدي أو لا تؤدي إلى انحدارها، لكن تنظيم الإنفاق الانتخابي ليس واحداً من هذه التحديات. ولا أستطيع أن أفهم أبداً كيف خطر على بال أي شخص أن موضوع الإنفاق هو أحد هذه التحديات.

* إدوارد لوس | Edward Luce

back to top