القاهرة احتفت بالتشكيلي العالمي عبد الغفار شديد

نشر في 06-01-2013
آخر تحديث 06-01-2013 | 00:02
No Image Caption
لوحاته خرجت من الأطر الكلاسيكية إلى فضاء الألوان والأفكار

احتفت القاهرة أخيراً بمسيرة عطاء التشكيلي والأثري العالمي الدكتور عبد الغفار شديد. افتتح المعرض الاستيعادي وزير الثقافة المصري محمد صابر عرب، ورئيس قطاع الفنون التشكيلية المصري صلاح المليجي، وامتلأت قاعة الباب بمتحف الفن الحديث في دار الأوبرا المصرية بحشد كبير من جمهور الفنان وتلاميذه.
ضم معرض التشكيلي عبد الغفار شديد الاستيعادي في القاهرة مجموعة من أهم  لوحات الفنان العالمي وأشهرها، التي جسدت تفرد أسلوبه الفني خلال مسيرة 60 عاماً، ورؤيته لقيمة الإبداع وخصوصية الهوية الثقافية، وجدلية فضاء اللوحات مع مفردات البيئة المصرية والعربية.

واتسمت لوحات شديد بلغة تشكيلية تخاطب الوجدان، وتثير الجدل حول ما وراء  الفضاء الملون من أفكار ومستويات الوعي المنفتح على طاقة الخيال، والعلاقة بين الحركة والسكون، وماهية الفن حين تتصل اللحظة الحاضرة بأزمنة وأمكنة بعيدة، وضاربة بجذورها في التاريخ المصري القديم.

وعبر 46 لوحة زيتية، يمزج الفنان بين مهارات مختلفة في التشكيل، وتتجاور فنون الغرافيك بأنواعه المختلفة من سلك سكرين والتيوغرافي والطباعة والزنك والخشب، كنماذج دالة على تنوع مسيرته الفنية التي بدأت في خمسينيات القرن الماضي.

تجاوب الحضور مع مقتنيات المعرض وأجوائها الأسطورية وصفاء ألوانها وتكويناتها المعبرة عن مفردات بيئته الأصيلة وهويتها دون أن تتصارع مع مقومات الحاضر وأدواته ومفاهيمه، ولا تستجيب لإغراءات التغريب وموجات الشكلانية والغموض الملتبس.

وأثار المعرض الاستيعادي نقاشات كثيرة بين النقاد والفنانين، وإمكان تواصل الجمهور مع أفكاره الرئيسة، واكتساب ذائقة فنية مغايرة، وطرح رؤى فلسفية عبر لوحات أسطورية.

وتميزت اللوحات بطاقة متجددة للتعبير المتفرد، والخروج من سياق الأطر الكلاسيكية إلى فضاء رحب يموج بالألوان والأفكار، ويدفع المتلقي إلى التأمل العميق للعناصر الكونية، وإثراء جدل الإنسان وحلمه الدائم بحياة أفضل.

واتفق النقاد أن لوحات شديد علامات فارقة في تاريخ الحركة التشكيلية المصرية، وامتلاكه موهبة وقدرات فنية رفيعة المستوى، وانتماء الأعمال المعروضة إلى مراحل مختلفة على طول مسيرة الفنان سواء كمبدع ومُعلم أو كسفير للفن العربي في ألمانيا حيث بدأت رحلته منذ عام 1966 كدارس ثم أستاذ للفن المصري القديم.

اغتراب

وتثير تجربة شديد تساؤلات عدة عن عالمه الميتافيزيقي، واغترابه عن وطنه لسنوات طويلة، ومخزون خبراته الجمالية، وتحرر لوحاته من أطر زمنية ومكانية، لتصنع فضائها الخاص، وتخاطب وجدان المتلقي من خلال أسطح ملونة، وتورطه في الولوج إلى فضاء أسطوري، وثنائيات الفرح والحزن والحياة والموت، ليكتشف أن تلك العوالم راسخة في ذاته بثوابتها الفكرية والحسية.  

ومن بين الأعمال المعروضة لوحات: «نخيل، الشاب والحمامة، اللاجئون، الضحية، علاقات، ليلة باردة»، والتي تعبر عن مخيلة فنان ينتمي إلى جذوره، ووثيق الصلة بالمنجز الحضاري لوطنه وأمته، ورمزية العلاقة بين فضاء اللوحة وتاريخ متراكم من الأساطير والمأثورات الشعبية، وخصوصية الحياة على ضفاف النيل.

وتجاوز شديد في لوحة «الأم» المفهوم القديم للرمز التمثيلي، ومال إلى فكرة الغرائز في العطاء بين الكائنات، والإيحاء بصيرورة الحياة وارتباط الابن بأمه من خلال كتلتين ملتصقتين، واحتدام اللون الأسود بقسوته وإيحائه بالحزن والصلابة، وفي العمق يكتمل المعنى الوجودي بغريزة الأمومة لدى الحيوان.

وفي لوحة «البنائين» يتشكل فضاء أسطوري، وتتدافع حركة الأجساد نحو مدارات الفعل الإنساني، واكتمال دورة البناء، وتماثل في إيقاعها رقصة المولوية، فالعمل لدى الفنان طقس صوفي، وقيمة إنسانية لكل الإنجازات الحضارية.  

كذلك جسدت لوحات شديد ملامح الوجوه المصرية وطقوس الحياة القديمة ومراسم العرس، ودلالة الطيور والرمال وثنائية الحزن والفرح في الفلكلور الشعبي، واتسع فضاء الألوان فيها لمسارات رمزية ضاربة بجذورها في تاريخ الأسلاف.

دلالات أسطورية

وتطالعنا لوحات شديد بتكويناتها الجمالية الصافية، ودلالاتها الأسطورية، وعفوية الرمز وإيحاءاته بالشموخ والصلابة وطاقة المقاومة الكامنة خلف غلالة الحزن الشفيف، ونزق الطفولة، وتماوج الألوان وفق نسق جمالي ومعرفي، ودرجة القلق والتوتر الإبداعي لدى الفنان في حنينه إلى جذوره.

وتجسد أعمال شديد مقولة إن الإغراق في المحلية طريق المبدع إلى العالمية، حيث يتشكل بعد اللوحات الزمني والمكاني في فضاء المحلية المباشرة، والبحث عن مفردات وثيقة الصلة بالبيئة المصرية، والمزاوجة بين لغة التشكيل وبعد اللوحة الفلسفي، والتأريخ بالفرشاة لتفاصيل حياة المصري القديم على ضفاف النيل.

 ويعد التصوير محور لوحات شديد الرئيس، ويتناغم مع انسيابية الألوان بدرجاتها المختلفة، وشاعرية اللوحات التي تنطلق من أجواء أسطورية، ورؤى نابعة من ذات الفنان، وأشواقه إلى وطنه البعيد، وتطويع أدواته لتشكيل فضاء يحمل صفاته وموروثه الفكري والوجداني.   

جاء المعرض الاستيعادي للفنان عبد الغفار شديد ضمن خطة النشاط الثقافي والفني لقطاع الفنون التشكيلية المصرية للاحتفاء برموز ورواد الفن التشكيلي المصرية ودورهم في النهوض بمسيرة الإبداع مصرياً وإقليمياً وعالمياً.

يذكر أن شديد شارك في الحركة التشكيلية المصرية منذ عام 1958، نظم خلالها أكثر من 30 معرضاً شخصياً وجماعياً بين مصر وأوروبا وأميركا، من بينها بيناليات عالمية ومعارض دولية، كذلك لديه مقالات وكتب وأبحاث كثيرة في تاريخ الفن، خصوصاً الفن المصري القديم.

back to top