جان دمو... إمبراطور الخداع والسرية

نشر في 05-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 05-02-2013 | 00:01
يستعد الشاعر العراقي حسين علي يونس لإصدار أعمال الشاعر العراقي الراحل جان دمو عن دار «نون» في دبي. هذا الشاعر الذي اشتهر بالصعلكة بقيت قصائده في دائرة التهميش وموزعة بين هذه المطبوعة وتلك.
أن تصدر قصائد جان دمو في كتاب، فهي خطوة تستحق الاحتفال رغم أن الشعر كله بات يغادر الكتب ويحتل صفحات الـ{فيسبوك»، وبالتالي يختلط الصالح بالطلح على صفحة واحدة. دمو الذي لا نجد له كتاباً مطبوعاً، توفي وحيداً في غرفة في استراليا، كأن موته كان الفصل الأخير من ديوانه الذي لم ينشره... كانت حياته شعراً في حد ذاتها، شعراً درامياً وتراجيدياً وسريالياً.

نحب أن نقرأ عن حياة دمو، لكن لا نستطيع أن نعيش مثله، فهو كان صعلوكاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. نام مشرداً على الأرصفة وفوق السطوح وكتب قصائد مقابل وجبة طعام، بل ثمة من كتب قصائد ونسبها له. وحين صدرت مجموعته الشعرية «أسمال» في «دار الأمد» ادعّى كثر أنهم جمعوها وشذّبوها، وربما أضافوا إليها لتصير كتاباً!  

لم يكتب دمو قصائد كثيرة، وكل ما نشره لا يعدو عن شظايا من عمل شعري كبير لم ينجزه، لكن حياته كانت شعراً تراجيدياً، كان هو تراجيديا قبل الأوان، وعلى هذا لم يكن غريباً أن يكتب عنه حسين علي يونس رواية تبين ملامح من شخصيته ويومياته.

حين توفي جان دمو، تحدثت عشرات المقالات عن قصائده، وفي المقابل لم يتوافر أي ديوان له في المكتبات. كأن النشر بالنسبة إليه كان أمراً هامشياً، فهو، بحسب أسعد الجبوري، نشر من خلال الصعلكة روحه على طول الأرصفة وعرض الحانات وارتفاع شوارع المدن وهياكل الأصدقاء». وبقليل من الكلمات، شيد جان دمو إمبراطورية شعرية تقوم على الخداع والسرية.

نشر دمو الكثير من الترجمات الشعرية والقصصية والنقدية في عدد من المجلات والجرائد العراقية، من بينها ترجمة لقصائد تيد هيوز نشرت في أحد أعداد «الأديب المعاصر»، ودراسة طويلة في مجلة «الأقلام» كتبها الرسام السوريالي البريطاني كونروي مادوكس عن سلفادور دالي ونشرت أخيراً عن دار «الجمل». يقول حسين علي يونس في إحدى مقالاته عن دمو: «الإنسان فيه أكثر حضوراً من الشاعر الذي يكتب من دون أن «يصفن» كما هي عادة الشعراء وكأن الكلمات مكدسة في فمه وتنزلق كلما أراد لها أن تكون مناورة شعرية. قيل إنه عاش مع مجموعة كركوك (سركون بولص، فاضل العزاوي، مؤيد الراوي، يوسف الحيدري، صلاح فائق، جليل القيسي) من دون أن يتورط معهم في صناعة الوعي المضاد، أو مشاركتهم في اكتشاف طرق أخرى للحرير أو الهند، هو اكتشف الطريق مختصراً إلى جسده، تمرد عليه بنوع من المازوخيا، منحه طقوساً هائلة من اللذات والسكرات والنسيان والقسوة، لا شأن له في صناعة أي علاقة عضوية مع الخارج/ الواقع الذي لم يألفه ولم يطمئن إليه. كل ما يعرفه عن الخارج/ الواقع هو مجموعة زوايا وشوارع ومقاه ووجوه، وحدها هذه الكائنات/ الأقنعة تعرف جان دمو، ترصد يومياته وتحولاته ونومه وصحوه ورحلاته ولكنها خذلته حينما تركته وحيداً يموت، ربما كان موته عجولاً بعدما فقد «رقابة» هذه الأقنعة الحميمة»...

عشرات الحكايات عن جان دمو الشعرية يمكن أن تؤسس لسيرة أسطورية حول حياته، رغم صعلكته وتشرده نجده ساحراً للآخرين، ربما لأنه حطم التابوات كلها في حياته.

من قصائده

الظل

أمعن في صدودك أيها الواقع

فذاك قد يكون أولى بتمزيق النجوم

النجوم! قدم تبحث عما يماثلها، قدم تورق مع الحلم. قدم تقطع

الفأس التي صنعت لقطع الجذوع ستظل فأساً دوماً.

آخر وافد إلى مملكة ذراعي كان يوم الثلثاء

بين المطر والحقيقة يسقط ظل الله

ها أنذا في سبيلي إلى ممارسة إنسانيتي

الغرفة مربعة، وكذلك القلب.

مع آخر سجائري، يتخذ القلق مكانه الأشد توحشاً.

السقوط

بالسر يتركز النوم،

في أشدّ المناطق نأياً، أقذف حاجة غامضة

ولكنني كنت على وفاق مع متطلبات الربيع

تعلمت أن أكون أنا.

وأن أترك للواقع أن يتكفل ما فسد.

المسافة تقصر، والحقيقة تتآكل.

الجمال غرفة يابسة،

مهجورة.

أتعجّل مقدم القجر. سقوطي يمتّع

جوهر الروح.

لم أتعلم أن أتغيّب طويلا.

نشرتا في «العاملون في النفط» (أغسطس 1964)

back to top