أوباما وانهيار وهم البطل الليبرالي

نشر في 06-07-2013
آخر تحديث 06-07-2013 | 00:01
هل نتفاجأ حقاً حين نعلم أن الحلفاء يتنصت بعضهم أحياناً على بعض؟ لطالما ناقش البريطانيون مسألة ما إذا كان يجب عليهم التجسس على الأميركيين، ولم يرفضوا هذه الفكرة إلا لأنهم يعلمون أن أمرهم سيُفتضح في مرحلة ما، ما قد يلحق ضرراً بالغاً بـ«العلاقات المميزة».
 الغارديان بدأت أوهام العالم بشأن باراك أوباما تنهار أخيراً، مع أن ذلك استغرق وقتاً طويلاً، ففي أوروبا التي شكّلت في الماضي معقلاً لمؤيدي أوباما في العالم، بدأ الناس يشعرون بمرارة الخيبة، ونتيجة لذلك، امتلأت صحف يوم الاثنين بالعبارات القاسية عن خداع الولايات المتحدة التي يقودها باراك أوباما.

راحت دير شبيغل، المجلة الألمانية التي ادعت أن وكالة الأمن القومي الأميركية كانت تتجسس على مكاتب الاتحاد الأوروبي، تصب جام غضبها على أوباما، ذاكرة: "تؤثر طموحات وكالة الأمن القومي التوتاليتارية... فينا جميعاً... ولا يمكن لدولة دستورية أن ترضى بذلك. لا أحد منا يقبل به". كذلك طالب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بوقف عملية التجسس المزعومة في الحال. أما الصحيفة الفرنسية "لو موند"، فذكرت أن على الاتحاد الأوروبي التفكير في منح إدوارد سنودن، عميل وكالة الأمن القومي الأميركية الذي سرّب المعلومات، اللجوء السياسي.

ولكن إذا أراد الليبراليون إعداد لائحة بالأعمال المخادعة التي ارتكبتها إدارة أوباما، تحتل مسألة آلات الفاكس المليئة بأجهزة تنصت في الاتحاد الأوروبي على الأرجح مرتبة متدنية في هذه اللائحة.

الأهم من ذلك عدم وفاء أوباما بوعده إقفال سجن غوانتنامو، أضف إلى ذلك توسيعه استخدام الطائرات بدون طيار لقتل الإرهابيين المشتبه فيهم في باكستان، واليمن، وغيرهما من الدول، وهكذا اتضح تدريجياً لمعجبي الرئيس أوباما الأجانب أن بطلهم الخيالي يستخدم وسائل كانت ستدان بعنف لو أنه كان رئيساً جمهورياً أبيض. وكما أخبرني الأكاديمي التركي حقان ألتيناي الأسبوع الماضي، "يتحدث أوباما مثل رئيس اتحاد الحريات المدنية الأميركي، إلا أنه يشبه في تصرفاته ديك تشيني".

لا تقتصر أسباب خيبة أمل كثيرين أمثال ألتيناي على سجل أوباما في المسائل الأمنية، فيشتكي الليبراليون في دول كثيرة، مثل تركيا ومصر وروسيا وإيران، من أن الرئيس الأميركي يبالغ في تردده في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في هذه الدول. أو كما ذكر ألتيناي، أسس أوباما حملته في مجال السياسة الخارجية على خطاب جيمي كارتر المؤيد لحقوق الإنسان، إلا أنه يحكم اليوم معتمداً أسلوب هنري كيسنجر.

لكن مَن يعتبرون أن العالم خُدع وأن أوباما مجرد محتال مخطئون، فقبل الغرق في موجة من الغضب وخيبات الأمل، على منتقدي الرئيس أوباما أن يتأمل بعض الحجج المضادة.

أولاً، تعود قرارات عدة اتخذها أوباما ويكرهها الليبراليون إلى قرارات أخرى يؤيدونها. على سبيل المثال، أثنى الأجانب على قرار إدارة أوباما إنهاء حربي العراق وأفغانستان، ولكن إن كنت ترفض مطاردة العدو على الأرض، فستحتاج إلى أساليب أخرى، وهكذا يكون توسيع أوباما المثير للجدل لبرنامج هجمات الطائرات بدون طيار مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتردده في إنزال الجنود على الأرض.

على نحو مماثل، تلقى أوباما الثناء لقراره إنهاء تعذيب الإرهابيين المشتبه فيهم، خصوصاً استخدام وسائل مثل "الإغراق بالماء" (waterboarding). لكن الحاجة إلى جمع المعلومات بشأن أي مخاطر إرهابية ظلت قائمة، ويُعتبر التوسع الكبير في المراقبة الإلكترونية نتيجة هذا القرار.

لا شك أن الأوروبيين محقون بقولهم إن وضع أجهزة تنصت في مكتب الاتحاد الأوروبي في واشنطن لا علاقة له بـ"الحرب على الإرهاب"، ولكن هل نتفاجأ حقاً حين نعلم أن الحلفاء يتنصت بعضهم أحياناً على بعض؟ لطالما ناقش البريطانيون مسألة ما إذا كان يجب عليهم التجسس على الأميركيين. ولم يرفضوا هذه الفكرة إلا لأنهم يعلمون أن أمرهم سيُفتضح في مرحلة ما، ما قد يلحق ضرراً بالغاً بـ"العلاقات المميزة". كذلك يُعتقد أن الفرنسيين قاموا ببعض عمليات التجسس التجاري ضد الولايات المتحدة. ويتجسس الإسرائيليون أيضاً على الولايات المتحدة، كما تُظهر إدانة عميلهم جوناثان بولارد.

تذكر الموجة الأوروبية الراهنة المناهضة لأوباما بحالة خيبة أمل مماثلة عاشها الليبراليون الأميركيون في السنوات الأخيرة، ففي أحد المقالات في صحيفة نيويورك تايمز، قارنت مورين دود أوباما بطريقة سلبية برئيس خيالي أدى مايكل دوغلاس دوره في أحد الأفلام.  فدفع ذلك الرئيس أوباما إلى الرد بقوة، حين نادى دوغلاس في خطاب ألقاه أخيراً وقال: "مايكل، ما سرّك؟ ألست ممثلاً قدّم وهماً ليبرالياً من نسج آرون سوركن؟".

لا يتحمّل أوباما مسؤولية تحوّله إلى وعاء صبّ فيه كل الليبراليين حول العالم أوهامهم، ولا شك أنه عمد، على غرار أي سياسي آخر، إلى رفع التوقعات خلال ترشحه، ولكن عندما انتشر "هوس أوباما" حقّاً عام 2008، تخطى حدود الواقع ودخل حيزاً لا يقبله المنطق. فماذا كان على المرشح أوباما أن يقول لنحو 200 ألف مواطن في برلين حضروا لتشجيعه آنذاك؟ أيُعقل أن يقول لهم: "عودوا إلى منازلكم، هذا سخيف"؟ وعندما مُنح الرئيس جائزة نوبل للسلام لأنه موجود فحسب، فما كان بإمكانه إلا أن يقبلها بكل لطف.

لربما كان على أوباما بذل جهد أكبر للحدّ من النمو السريع لتلك الدول السرية التي ورثها عندما تسلم زمام السلطة في الولايات المتحدة. فقد أدت تركيبة "الحرب على الإرهاب" وعالم "البيانات الكبرى" الجديد إلى المزيد من الإمكانات والضغوط، ربما اتخذ أوباما بعض القرارات الخاطئة، ولكن كان على الرئيس الأميركي أن يوازن بين عدد من الضغوط، بما فيها استمرار خطر الإرهاب والنفوذ الواسع الذي يتمتع به عالم الاستخبارات.

يعيش الرئيس أوباما في عالم واقعي مليء بالخيارات الصعبة، إلا أن منتقديه المتطرفين هم مَن يعيشون في عالم من الأوهام.

* جديون راشمان | Gideon Rachman

back to top