درب السلام في الشرق الأوسط يبدأ مع تحالف عسكري إقليمي

نشر في 14-06-2013
آخر تحديث 14-06-2013 | 00:01
بدت الولايات المتحدة، التي يمنحها مالها وقوتها العسكرية نفوذاً واسعاً في المنطقة، مترددةً في السماح لتركيا، أو قطر، أو المملكة العربية السعودية بمدّ المعارضة بالمزيد من السلاح.
 ذي ناشيونال من المفرح رؤية قوتين عسكريتين كبيريين في العالم العربي تقاتلان جنباً إلى جنب عدواً مشتركاً، ولكن من المشين أن يكون هذا العدو الثوار والمدنيين السوريين الذين يهربون من أمام فوهات بنادق الجيش السوري. يواجه الشرق الأوسط راهناً تحديات كبرى، تحديات قد تتحول إلى صراعات تدوم سنوات، وتبقى الحرب في سورية هي المحرّك الأهم وراء هذه التحديات، فقد أعادت هذه الحرب إلى الواجهة مشكلة الحدود التي رُسمت بدون فهمِ طبيعة المنطقة بشكل معمّق عقب انهيار السلطنة العثمانية، كذلك أظهرت هذه الحرب صراعاً أوسع على القيادة في المنطقة.

صحيح أن هذه الحرب تحمل الكثير من التداعيات الإقليمية الخطيرة، إلا أن الشرق الأوسط عاجز عن حلها بمفرده، مع أن الحرب الأهلية السورية تحوّلت إلى أسوأ صراع ينشب في المنطقة منذ أيام العراق الحالكة، ومع أن هذه الحرب، بخلاف العراق، بدأت تمتد إلى الدول العربية المجاورة، ومع أننا أدركنا منذ الأيام الأولى للانتفاضة أن الثوار السوريين عاجزون عن هزم نظام الأسد وحدهم، ومع أن معظم الحكومات العربية استخلصت منذ زمن أن حكومة الأسد فقدت شرعيتها السياسية، خصوصاً بعد أن منحت جامعة الدول العربية مقعدها للمعارضة السورية.

أضف إلى ذلك واقع أن ثلاث دول إقليمية على الأقل (مصر، وتركيا، والمملكة العربية السعودية) تتمتع بجيوش قادرة على الإطاحة ببشار الأسد بالقوة.

لمَ، إذن، تبقى هذه المنطقة جامدة إلى هذا الحدّ؟ لمَ لم يتمكن العالم العربي بعد من تحمّل العبء العسكري للإطاحة بالأسد، بدلاً من الاكتفاء بحض الدول الغربية على ذلك؟

يعود هذا في جزء منه، على ما يتضح، إلى القوة: فقد بدت الولايات المتحدة، التي يمنحها مالها وقوتها العسكرية نفوذاً واسعاً في المنطقة، مترددةً في السماح لتركيا، أو قطر، أو المملكة العربية السعودية بمدّ المعارضة بالمزيد من السلاح.

لكن جزءاً كبيراً من هذا الإخفاق يرتبط بغياب التعاون العسكري بين دول المنطقة المختلفة، فلا يتمتع الشرق الأوسط بتحالف أمني جماعي متين، مع أن أممه تتشاطر الكثير من الروابط الثقافية والسياسية.

وبدون تحالف مماثل، تسعى دول إقليمية كثيرة، عندما تواجه مخاطر مثل سورية، إلى إطار تنظيمي خارجي يشمل عادةً الولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي. ولكن إن أراد الشرق الأوسط حلّ مشاكله الخاصة بنفسه، يحتاج إلى المزيد من التعاون العسكري.

لا يُعتبر مجلس الدفاع المشترك العاجز التابع لجامعة الدول العربية كافيًا لمواجهة مشاكل المرحلة الراهنة. فقد أخفقت هذه الجامعة في معالجة الكثير من الحوادث الأخطر خلال السنوات الأخيرة أو التدخل فيها بفاعلية، ومنها غزو العراق الكويت، والعنف في دارفور، وأخيراً الحرب الأهلية في سورية.

تكمن مشكلة التحالف الأمني الجماعي في جامعة الدول العربية على وجه الخصوص في أنها لا تملك ما يعادل الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة. يتيح هذا الفصل لمجلس الأمن في الأمم المتحدة استخدام القوة العسكرية ضد أي انتهاك للسلام في الدول الأعضاء.

وفي ظل غياب مادة مماثلة، لا تستطيع جامعة الدول العربية التدخل في شؤون أي من دولها الأعضاء.

صحيح أن دولاً عربية، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، أشركت قواتها في الهجوم الذي قاده حلف شمال الأطلسي وأدى أخيراً إلى الإطاحة بنظام معمر القذافي في ليبيا، إلا أنها قامت بذلك بصفتها عضواً في الأمم المتحدة وبموجب قرار صادر عن هذه الهيئة، لا بصفتها عضواً في جامعة الدول العربية.

في السنوات التي تلت اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ولكن قبل الانتفاضات العربية، اقترحت جامعة الدول العربية مجلس أمن وسلام يملك صلاحيات أوسع، ويعمل تحت قيادة الجامعة. ولكن منذ عام 2011، توقف كل تقدّم في هذا المجال مع مواجهة الجمهوريات العربية تحديات جديدة، وفي مطلق الأحوال، كانت صلاحيات المجلس المقترح ستبقى محصورة ضمن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية.

لكن ما يحتاج إليه الشرق الأوسط حقاً اتفاق أمني جماعي جديد شامل، أو بالأحرى "حلف شمال أطلسي" عربي، حلف يجمع تركيا ودولاً أخرى. إذن، يحتاج العالم العربي إلى تحالف أمني جماعي يستند إلى الجغرافيا لا الهوية الإثنية أو الثقافية.

لن يمنع تحالف مماثل الأعضاء من عقد اتفاقات أمنية جماعية أخرى، فلن يؤثر هذا التحالف في عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي أو قوات درع الجزيرة التابعة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي. ولكن عندما يبرز خطر يهدد السلام والأمن في الدول الإقليمية، تتوافر لها آلية تتيح لها معالجتها.

نودي بهذه الفكرة من قبل، ففي حقبة ما بعد الحرب، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري السعيد أن من الضروري أن تشمل المعاهدة الأمنية الجماعية الخاصة بجامعة الدول العربية كل الدول التي ترغب في الالتزام بالدفاع عن الدول العربية. وأمل السعيد أن تنضم إلى هذه المعاهدة تركيا، وباكستان، وإيران، فضلاً عن الولايات المتحدة وبريطانيا.

لم يكن السعيد من أشدّ مؤيدي العروبة، إلا أنه من أشدّ المؤيدين للقومية العراقية، إذا جاز التعبير، وبدا مفتوناً بالاستعمار البريطاني التاريخي للعراق، لكن طرحه المنطقي كان سليماً، ونتيجة لذلك، تحالف العراق بعد ذلك مع هذه الدول في حلف بغداد، الذي دام من عام 1955 حتى اندلاع الثورة في إيران، علماً أنه لم يضمّ أي دولة عربية أخرى.

أدرك السعيد أن الأمن في أحد أجزاء هذه المنطقة يعتمد على ما يحدث في سائر أجزائها، ومع تحوّل الصراع في سورية إلى صراع إقليمي، من الضروري تذكّر هذا الواقع. وإن كان الشرق الأوسط يأمل تحقيق السلام الإقليمي، فعليه أن يستعد للسير إلى الحرب بغية الدفاع عن أعضائه.

* فيصل اليافعي | Faisal Al Yafai

back to top