الصراع الشيشاني القديم يتخذ طابعاً عالمياً
اعتبر تولستوي الثوار الشيشان المقاتلين نحو منتصف القرن التاسع عشر أشواكاً قاسية تقاوم القمع... لكن هذا الصراع انتشر بعيداً اليوم.
صحيح أننا ما زلنا نجهل دافع الشابَين الشيشانيين جوهر وتيمورلانك تسارناييف، المشبه في تنفيذهما تفجير ماراثون بوسطن، لكننا نعرف جيداً أن الشيشان اليوم ما زالت مصدر أعمال عنف كثيرة، تماماً كما كانت خلال قرون من سفك الدم.صدّرت هذه الجمهورية الروسية الصغيرة، الواقعة في جبال القوقاز، للعالم بعض أقسى المحاربين والإرهابيين الذين لا يرحمون. لا شك أن مناطق أخرى حول العالم تنشر العنف خارج حدودها، مثل باكستان، إلا أن قليلا منها يملك تاريخاً طويلاً من الحرب والمقاومة والإرهاب بقدر الشيشان.يمثل تاريخ الشيشان رأسمالية فشلت فشلاً ذريعاً، فخلال القرنَين الثالث عشر والرابع عشر، كان الشيشانيون من الشعوب القليلة التي تصدت للغزاة المغول، إلا أنهم تكبدوا خسائر كبيرة. كذلك حاول الأتراك والفرس والروس السيطرة على الشيشان، لكنها أصبحت في النهاية جزءاً من الإمبراطورية الروسية عام 1859.لا ينتمي الشيشانيون إلى روسيا إثنيا أو حضاريا؛ لذلك يقاتلون منذ أجيال للتحرر من قبضة الحكم الروسي، كذلك ساهمت محاولات روسيا لقمع الانفصاليين الشيشان في الأعمال الأدبية العالمية، مثل رواية ليو تولستوي المميزة "الحاج مراد"، الذي وصفها الناقد هارولد بلوم بقوله إنها "معياري الشخصي لأكثر القصص الأدبية إبداعاً، إنها في رأيي أفضل رواية في العالم".خدم تولستوي في فوج قوقازي كانت مهمته مقاتلة الشيشانيين نحو منتصف القرن التاسع عشرة، ما يذكر بمرارة بمدة هذا الصريع الطويلة؛ لذلك اعتبر تولستوي نبات الشوك القاسي الرمز الأنسب للشيشان وثوارها "الشجعان جداً". يذكر جندي روسي في خاتمة الرواية، وهو يتأمل الشوك: "يا لصلابته! غزا الإنسان كل شيء ودمر ملايين النباتات، إلا أن هذه ترفض الاستسلام".خلال الحرب العالمية الثانية، اتهم ستالين الشيشانيين بالتعاون مع النازيين، وقد يكون هذا الاتهام محقاً لأن الشيشانيين مستعدون للتحالف مع كل مَن يمكنه مساعدتهم على التخلص من الحكم الروسي، فهجّر ستالين كامل الشعب الشيشاني إلى سيبيريا وكازاخستان، ومات عشرات الآلاف منهم قبل أن يسمح بعودتهم عقب الحرب. لم يؤد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى توقف هذا الصراع الطويل، بل إلى ازدياد حدته بشكل مدمر، وتبدو روسيا اليوم الخاضعة لحكم الرئيس فلاديمير بوتين، صاحب العزيمة الفولاذية، مصممة على سحق حركة التمرد من دون منح الشيشانيين أي شكل من الحكم الذاتي، فكم بالأحرى الاستقلال.دفع هذا بعض الشيشانيين إلى سلوك درب الإرهاب، فأُلقيت على عاتقهم مسؤولية جرائم تجعل تفجير ماراثون بوسطن يبدو مجرد لعبة أطفال، وقد ارتُكب معظم هذه الجرائم خارج الشيشان، ومن بين الاعتداءات التي نُسبت إلى هؤلاء الثوار أو أعلنوا مسؤوليتهم عنها تفجير مركز تسوق في موسكو عام 1999 ذهب ضحيته 64 شخصاً، حصار مسرح في موسكو أيضاً عام 2002 أدى إلى مقتل 120 شخصاً، هجوم على مدرسة في بلدة بيسلان عام 2004 ذُبح خلاله 380 شخصاً، معظمهم من الأولاد، واعتداء على قطار أنفاق في موسكو قبل نحو ثلاث سنوات نفذته امرأتان وذهب ضحيته 39 قتيلاً.في المقابل، خاضت روسيا هذا الصراع بوحشية أيضا، فقتلت القوات الروسية عشرات آلاف الشيشانيين منذ تسعينيات القرن الماضي. كذلك قوضت العاصمة الشيشانية غروزني خلال هذا الصراع بين عامَي 1994 و1995. واغتيل القائد الانفصالي، شامل باسييف، المخطط المزعوم لمجزرة مدرسة بيسلان، عام 2004 على يد قوى الأمن الروسية على الأرجح، وفي تلك السنة عينها، عين الرئيس بوتين حليفاً محلياً، رمضان قديروف، ليحكم الشيشان نيابة عن الروس.يشير مراقبون خارجيون كثير، ومنهم وزارة الخارجية الأميركية، أن قديروف بات إحدى أعنف شخصيات العالم، فهو مسؤول عن التعذيب المتفشي في سجون سرية، فضلا عن الكثير من جرائم القتل، تذكر وزارة الخارجية، متحدثة عن جريمة قتل الصحافية المناضلة آنا بوليتكوفسكايا عام 2006 إنه "كان متورطاً فيها شخصياً".قرر الشيشانيون منذ زمن ألا يحصروا نضالهم في الشيشان، فقد قاتل بعضهم ضد الجيوش التي تدعمها ولايات المتحدة في أفغانستان والعراق. في المقابل، ضمت صفوف الثوار الشيشانيين مقاتلين أجانب، كذلك أفادت وزارة الخارجية الأميركية أن بعض تمويل الثوار يأتي من مصادر ترتبط بتنظيم "القاعدة".هذا صراع إثني وسياسي، إلا أن له غطاءً دينياً، فالشيشانيون مسلمون، ويعتبر بعضهم أن الغرب يشن حملة عالمية ضد الإسلام، لذلك قرروا أن ردهم يجب أن يكون عالمياً أيضاً، وهكذا أدت حرب جورج بوش العالمية على الإرهاب إلى حملة إرهاب عالمية.