تقاليد وأساطير... الأعشاب التي تشفي

نشر في 14-04-2013 | 00:02
آخر تحديث 14-04-2013 | 00:02
No Image Caption
أخذ طبّ الأعشاب اليوم مكانه في كبرى كليات الطب الأجنبية على مثال الطب التقليدي وهو يؤازر هذا الأخير لبلوغ المريض الشفاء. ومؤلفة كتاب «الأعشاب التي تشفي» صوفي لاكوست تكتب منذ سنوات طويلة عن الأعشاب الطبية والعلاجات ببساطة ودقة وتتحقق من معلوماتها كافة على ضوء الاكتشافات الحديثة (منشورات دار الفراشة- بيروت).
صدر للاختصاصية صوفي لاكوست أكثر من ثمانية عناوين عن «دار الفراشة» تتعلق بالعناية الطبيعية بالوجه وأسرار العلاج بزيت الزيتون والعسل والشاي الأخضر، ناهيك عن وصفات الجمال السحرية. أما كتابها الأخير «الأعشاب التي تشفي» فهو دليل عملي أوردت فيه مواصفات كل نبتة كما يأتي:

• وصف دقيق ومبسط للتعرف إليها بسهولة.

• مكوّناتها وعناصرها الأساسية الفاعلة.

• دراسات أكاديمية تؤكد مدى فاعليتها.

• تقاليد شعبية مفيدة متعلقة بها مع الأساطير المتداولة عنها.

• دواعي استعمالها وموانعه.

• طريقة استخدامها بمختلف الطرق.

• وصفات صحية وأخرى خاصة لإعداد الأطعمة منها والمشروبات.

• طرائق زراعتها وقطافها وتجفيفها.

ونجد أن جميع النباتات الواردة في الكتاب يعرفها معظم البلدان، وقد تكون نباتات جافة لتحضير شراب ساخن أو كبسولة، أو خلاصات سائلة أو أقراص. وما يهمّنا إبرازه في هذا المقال هو الجانب الأسطوري لبعض هذه النباتات والموضع الذي اتخذته في تقاليد الشعوب.

آذريون الحدائق

في حقبة النهضة الأوروبية، كان الرجال في إنكلترا يقدّمون سلالاً من الآذريون للصبايا اللواتي يريدون اجتذابهن. ويأتي هذا التقليد على الأرجح من أسطورة إغريقية قديمة: كانت الشابة كالتا تنتظر كل صباح خيوط الفجر الأولى؛ لأنها كانت مغرمة بأبولو، إله الشمس. لكنّ شغفها حرقها فماتت وتحوّلت إلى زهرة شمسية أي إلى زهرة آذريون. وتأتينا أسطورة أخرى حول الآذريون من اليونان القديمة: كانت أرتيميس تغار من النساء اللواتي يُغرمن بأخيها أبولو، فحوّلت أربع حوريّات جريئات أكثر من اللازم إلى أزهار آذريون. وفي فولكلور المناطق الريفية الفرنسية، تُنسب إلى الآذريون قدرات سحرية: يحول إكليل من الآذريون دون دخول الشرّ إلى المنازل؛ ويجلب حمل الزهرة آذريون الطالع الحسن ويحمي من العين؛ وعندما ترقص صبيّة عارية القدمين على الآذريون، تكتسب القدرة على التحدّث مع العصافير.

الأخيلية ذات الألف ورقة

تُعرف ميزات الأخيلية القاطعة للنزف واللائمة للجروح منذ القِدَم. وتقول الأسطورة إن أخيل استخدمها لمعالجة محاربيه الجرحى عملاً بنصيحة كيرون القَنْطورس، شفيع المعالجين والشافين. وأينما تنبت الأخيلية ذات الألف ورقة، تشتهر بطرد الخجل أو الحزن: يكفي حمل باقة صغيرة من هذه الزهرة في الثياب. في القرن الثاني عشر، كانت هلدغارد، وهي أوّل المعالجين بالأعشاب في أوروبا، توصي باستخدام الأخيلية ذات الألف ورقة للرّغاف (نزف الأنف)، الجروح المفتوحة، اضطربات الطمث وأيضًا الصَّرع. وقد استخدمها الأطبّاء كافة على نطاق واسع حتّى ظهور الأدوية الكيميائية.

في الصين، لا تشكّل الأخيلية ذات الألف ورقة نبتة فحسب ولكنّها أيضًا أداة تُستخدم في فن العَرافة: من خلال تحريك ساق النبتة بطريقة منظّمة ومتكرّرة، يصل وسيط الوحي إلى تركيز مثالي، إلى فراغ داخلي يسمح له بالإحاطة بالمسألة على نحو أفضل.

أما في أرياف أوروبا، فكانت الأخيلية ذات الألف ورقة واحدة من الأعشاب الـ32 التي استخدمها السحرة المشعوذون في الطقوس السحرية أو طقوس طرد الشياطين.

وفي سردينيا، كانت شتلة من الأخيلية تُعلَّق رأسًا على عقب على سرير الزوجين لتوفير السعادة والإخلاص لهما.

الأرقطيون

كان الأطبّاء الإغريق يطلقون على الأرقطيون تسمية «صديق الجنس البشري». وكان الممثّلون الرومان يضعون أوراق الأرقطيون تحت أقنعتهم، لحدّ تأثير جلد القناع المهيِّج على بشرتهم التي تنضح عرقًا. ويأتي لقبه «عشبة القمل» أو «عشبة القوباء» من أنّه يستخدَم لمعالجي الأمراض الجلدية الناتجة من الطفيليات. وكانت القدّيسة هيلدغادر ومعظم أطبّاء القرون الوسطى ينصحون بالأرقطيون للتخلّص من حصى الكلى ومشاكل التنفّس. وأصبحت شهرته كترياق يشفي جميع الأمراض على الإطلاق عندما شفي الملك الفرنسي هنري الثالث من السفلس بفضل جذر الأرقطيون. ولا تقتصر شهرة هذا النبات على أوروبا. ففي الصين، يصفه الأطباء لأمراض التركيز («يانغ»): دم مثقل بالدهون، سكّري، ارتفاع ضغط الدم... وقد أدى الأرقطيون دورًا أساسيًّا في الوصفات الشعبية المستندة إلى الخرافات: في منطقة بريتانيا، كان الناس يعتقدون أن وضع قطرات من عصارة الجذر في الماء المصلّى عليه يمنحك حماية مضاعفة! في أميركا الشمالية كان الناس يصنعون عقودًا من دوائر من جذر الأرقطيون لحماية الأطفال... خصوصًا الفتيات.

الأسبيرولة العطرية

زهرة جميلة كهذه، متواضعة وعادية، قد ولّدت بالطبع الكثير من الخرافات والتقاليد النابعة من التطيّر! فعندما كان يريد الناس في الأرياف أن يقولوا لإحدى الصبابا إنها جميلة ولكن يصعب التحدّث إليها أو الاقتراب منها، وإنّها ينبغي أن تنتبه أكثر للشاب (الشبان) الخجول المغرم بها، كانوا يضعون على حافة نافذتها باقة من الأسبرولة. وفي ألمانيا، كان الجنود والرياضيون يربطون حول معصمهم أو عقبهم قبل المعركة أو المباراة جذمور (ساق أرضية شبيهة بالجذر) نبتة أسبيرولة. ورمزية هذا التقليد واضحة، فهذا الجذمور يعطي ملوِّنًا أحمر قانيًا (بلون الدم) يصبغ البشرة. وفي بعض الأرياف، كان الناس يعلّقون الأزهار المجفَّفة، رأسًا على عقب، فوق بهو البيت، اعتقادًا منهم أن ذلك سيجتذب المال والثراء إلى منزلهم.

إبرة الراعي

تُعتبر أنواع إبرة الراعي المختلفة، في جميع أنحاء العالم، كنباتات حامية. ومن المعتقدات الشعبية أن نباتات إبرة الراعي، المزروعة في الأصص أو في الأرض حول البيت، تُبعد الحيّات، المتطفّلين، الأمراض... يفرك المعالجون المكسيكيون التقليديون (curanderos) جسم مرضاهم بحفنات من سوق الأزهار الحمراء مخلوطة ببراعم من شجرة الفلفل. في إيطاليا، تفرك ربّات البيوت الأقفال والمسكات الحديدية على النوافذ والأبواب بأوراق إبرة الراعي، فيضمن بذلك أن يحمي زيت إبرة الراعي العطري الحديد من الصدأ والصرير.

البهشية

تقول الأسطورة إن مريم ويوسف والطفل يسوع في فرارهم إلى مصر اختبأوا عند اقتراب جنود هيرودس. وفي اندفاع عجائبي، مدّت البهشية أغصانها لتخبِّئهم وراء أوراقها الكثيفة الشائكة. وعرفانًا بجميلها، باركتها مريم وتمنّت أن تظلّ دائمًا خضراء، كرمز للخلود. ويُقال إن الأشواك التي تزيّن الأوراق تمثّل آلام المسيح. والثمار الحمراء التي تشبه قطرات الدم، تذكّر المؤمنين بإكليل الشوك.

وفي بلدان أوروبا الشمالية، تقول الأساطير إن الجنّ الصغار المختبئين في أغصان البهشية يحمون السكّان من مقالب العفاريت المنزلية. وتُصنع من هذه الأغصان أكاليل تُعلَّق في مدخل البيت، في السنة الجديدة.

الزيزفون

ينتمي الزيزفون إلى مجموعة الأشجار المقدّسة عند الأغريق وعند شعوب شمال أوروبا.

ففي أثناء سفره في شكل بشري، طلب زوس من سكّان إحدى القرى إيواءه لليلة فرفض الجميع استقباله باستثناء زوجين يعيشان في الفقر. ومن دون أن يتعرّفا إليه تشاركا معه في طعامها القليل وتركا له سريرهما. في صباح اليوم التالي، كشف زوس عن هويّته واصطحبهما إلى تلّة، فيما غمرت مياه الفيضان محيط التلّة. وفي مكان منزل مضيفيه الصغير، ارتفع معبد. ووعدهما زوس بتحقيق إحدى أمنياتهما. وكلّ ما طلبه الزوج والزوجة أن يصبحا كاهنَيّ ذلك المعبد الجديد وألاّ يموتا الواحد دون الآخر. فأجاب زوس بصوته الراعد «لكما ما أردتما». وعندما أصبحا عجوزين، عجوزين جدًّا، حوّل زوس المرأة إلى شجرة زيزفون والرجل إلى شجرة بلّوط، الواحدة قرب الأخرى.

الصفصاف الأبيض

كان الصفصاف يُعتبر شجرة إلهة الطبيعة والخصب، ديميتير. لكنّ للصفصاف أيضًا قدرات سلبية: كانت القدّيسة هلديغارد بنغن، وهي أوّل معالِجة أوروبية بالنبات تستحقّ هذا الاسم، تجد أن الصفصاف يثير السوداوية والمرارة... لا بد من أن هذا يرجع أيضًا إلى رمزيّته، إذ إن السلتيين الذين كانوا يبنون الأكمات الضريحية على ضفاف المستنقعات، كانوا يعتبرون الصفصاف شجرة الموت. في المناطق الريفية، تصمد التقاليد في وجه التغيّرات والزمن: كما في الخرافات والعَرافة، كثيرًا ما يكون مفهوم الموت مرادفًا للانقطاع. ففي منطقة نانت الفرنسية، عندما تُفسخ الخطبة، يُقدَّم للخطيبين السابقين، من باب السخرية، غصن صفصاف. ووفقًا للخرافات القديمة، عليك بالحذر عندما تتنزّه في مكان مزروع بالصفصاف، وتجنّب زيارته مع شخص تحبّه: قد ترى أولئك الأقزام الشرّيرين الذين يعشقون المقالب المؤذية. والمتعة الكبرى لديهم هي في افتعال الخلافات والمشاجرات.

back to top