كوني جدة خارقة

نشر في 24-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 24-04-2013 | 00:01
No Image Caption
أين هنّ جدات الماضي؟ لا قاسم مشتركاً بين صورة الجدة الرمزية التي سادت في الماضي وصورة جدات اليوم. غيّر التطور الذي شهدته العائلة والمجتمع المعاصر دور الجدين بشكلٍ كامل، لا سيما الجدة. لسنا هنا بصدد الحديث عن الصورة فحسب إنما عن تغيير حقيقي.
أن تصبحي جدة، أمر طبيعي لكنه صعب في الوقت عينه، على غرار مراحل الحياة الأخرى، إلا أنه رائع لأنه يدلّ على سير حياة الأولاد بشكلٍ سوي، فأصبحوا بدورهم أباء أو أمهات يبنون خلية أسرية خاصة بهم.  

أن تصبحي جدة يعني أن الوقت يمرّ وأن الشيخوخة اقتربت بأوجاعها وآلامها كافةً. حتى إن كنت جدة شابة، إلا أن كلمة «جدة» لا تمنع حقيقة تعاقب الأجيال والصدمةٍ النفسية القاسية التي تحملها، لذا يسخر بعض النساء من تسمية «مامي» أو «جدتي» أو «تيتة» وغير ذلك من تسميات.

أن تصبحي جدة يعني أن تتعلمي إلغاء ذاتك في مواقف معينة. تفضل أمهات شابات تحمّل مسؤولية كلّ شيء بأنفسهن، في حين تعتمد أخريات على الجدة. تتدخل الجدات دائماً في حياة الحفيد عند بلوغه بضعة أشهر، أي حين تتوقف الأم عن إرضاعه وتعود إلى عملها.

اهتمام بالأحفاد

 

على مرّ العصور أدت الجدة دوراً مساعداً للزوجين على تنظيم المنزل الجديد وتوفير النقود، وذلك حين ترعى الأحفاد في العطل والنزهات وغير ذلك من ظروف طارئة.  

اكتسب دور الجدة أهمية بعد انتشار عائلات يرعاها ولي واحد (تتحمل فيها الأم مسؤولية كلّ شيء)، يتعلّق الأمر إذاً باستمرار دور تقليدي تفرضه حاجة دائمة زاد نمط الحياة المعاصر من حدتها. فخلافاً للمسافات الجغرافية البسيطة التي كانت تفصل، في ما مضى، بين منزل العائلة ومنزل الجدين، باتت المسافات اليوم بعيدة ويصعب الوصول بانتظام إليهما كالماضي.  

الأم والجدة: مركزان مختلفان

يعترف العالم، والجدات في المقام الأول، بالاختلاف بين مركز الأم وموقفها ومركز الجدة وموقفها. ثمة أمهات يظهرن أقل حدّة في ما يتعلق بالعناية بأولادهن، في حين يتملّك أمهات أخريات شغف بأولادهن.

باتت المسؤوليات اليوم أقل ضغطاً لأنها متقطعة. يحدد الأهل الخطوط الكبرى في ما يتعلق بالتربية، يعاقبون ويفرضون احترامهم. في المقابل، تجمع علاقة أقل حدّة بين الجدين والأحفاد، فيظهران أكثر رقة وليونة ولا يلقيان عليهم اللوم أياً كان نوعه وسببه، من دون أن يمنع ذلك معاقبتهم، من وقتٍ إلى آخر، استناداً إلى قيم ومبادئ يحددها الوالدان.  

في أغلب الأحيان، تسعد الجدة بوجود حفيدها إلى جانبها، فيعتاد الطفل عليها ويعرفها من بين الناس ويتقبّلها كجزءٍ من العائلة. من هنا ليس غريباً أن تلاحظي تعلّق ابنك بجديه بفضل ما يحصل عليه من دلال ومواساة، فحين تهتم برعاية الطفل تستمتع الجدة بوقتٍ مميز قد لا يتسنى للأهل تخصيصه للطفل بسبب انشغالاتهم.

من ناحية أخرى، قد تشكل رعاية الحفيد عبئاً على جدات يجدن في الأمر ضغطاً. خلال العطل، قد يتعرض طفل ترافقه الجدة إلى شاطئ البحر لإصابة معينة فتسود حالة من القلق ناجمة، ليس عن الهلع فحسب، بل عن لوم الأهل لها. لذلك لا بدّ من الاهتمام بالتفاصيل كافةً، لا سيما حين يكون الطفل فوضوياً صعب المراس. غير ذلك، يتردد بعض الجدات في التعبير عن مخاوفهن.

للمرة الأولى

 

تتغير الأزمان والجدات أيضاً، وقد تكون الجدة اليوم في الخمسين، إلا أن العمر لا يشكّل أي تطور بحدّ ذاته، إنما يكمن الفرق في أن الجدات اليوم هن عاملات خاضعات لدوام عمل محدد ولمسؤوليات وموجبات، وعند تقاعدهن ينظمن حياتهن حول مجموعةٍ من النشاطات:

• جدة ولكن امرأة في الوقت عينه: يرتبط لفظ الجدة عادة بلفظ الجد. تسافر الجدات اليوم كثيراً ويشاركن في رحلات جماعية ويمارسن الرياضة ويقصدن النادي. باختصار، إنهن مفعمات بالحياة. إلا أن ذلك لا يعني أن الجدة التقليدية اختفت تماماً، لكن لم تعد تجسد صورة المرأة المسنة.

أن تكوني جدة في الخامسة والستين في القرن الواحد والعشرين يختلف عما كان الأمر عليه في الماضي، فما شأنك حين تكونين في الخامسة والخمسين من العمر؟ يمرّ الوقت والجدة لا يشيب شعرها قبل سن الثمانين، على عكس الجدة في الماضي التي كسا الشيب شعرها حين بلغت الستين من العمر.

• روح الشباب: يستفيد الأحفاد اليوم من جدةٍ لا ترفض إعداد الحلوى المفضلة لديهم ولا تمانع في الخروج معهم في نزهة أو اللعب بالكرة. في الواقع، تجد جدات كثيرات في الحفيد تحدياً جديداً، فيحافظن على صحتهن ونشاطهن ليثرن إعجاب الطفل ويبنين أفضل علاقة معه تخوله  الركض سريعاً إلى أحضانهن.

يتيح مركز الجدة للمرأة أن تحافظ على شبابها أو على الأقل على ما تبقى منه، وتستفيد من ولادة الحفيد لتجدد زخمها وشبابها حين يتعين عليها الاهتمام جزئياً بطفلٍ وتحمل مسؤوليته. غير ذلك، باتت الجدات اليوم يعطين أهمية لحياتهن ويحرصن على تحديد أولوياتهن، فحين يقررن الاهتمام بحفيد يقمن بالمهمة على أكمل وجه، إلا أنهن لا يترددن في الرفض حين ينشغلن بأمور أخرى.

ثمة أمهات لم تُتح لهن فرصة الانفتاح التام كأمهات فيستفدن من ولادة الأحفاد ليعوضن ما فاتهن. في العائلة، تتمتع الجدات بحقّ الاختلاف والتميز عن أفراد الأسرة، ووفقاً للظروف تظهر جدات عاطفة أمومة جياشة في حين تبدو جدات أخريات نساءً عمليات نشيطات. يتوقف الأمر هنا على العمر والخبرة.

   

الجيل الثالث

 

يشكل الجدان جزءاً من فئة المسنين غير المحددة، فبين الشابة التي لا تجد برهةً من الزمن لنفسها والمرأة التي تجاوزت الثمانين من عمرها وتعاني الألزهايمر عالمٌ كامل!

يحتاج مفهوم الجدة اليوم إلى التجديد، وهذا ما تدأبت على فعله جهات إعلامية في مجتمعنا المعاصر، إذ تلقي الضوء على نساء يؤدين دور الجدة المحبة الحيوية والنشيطة. تحافظ الجدة اليوم على صورتها كامرأة كاملة من دون أن تحصر نفسها ضمن جدران الجدة التي تعدّ الحلوى، وقد تكون لها أم حيةً تُرزق وصديقات تخرج معهن في نزهات... كلّها أمور تغيّر صورة الجدة التقليدية التي اعتادت عليها الأسرة، كذلك المجتمع الذي يفضل الحفاظ على الصورة التقليدية المطمئنة لشخص يضمن انتقال القيم العائلية ويكون حاضراً بحبّ وحنان تاركاً أمر الدراسة والفروض المدرسية للأهل.

 

تعاون أنثوي

 

يعتمد مبدأ التعاون الأسري في المقام الأول على التعاون الأنثوي... قد لا يكون هذا الاعتماد دائماً إلا أنه ضروري. الجدات اليوم لديهن انشغلاتهن لذلك لا بدّ من أن يحافظن على شبابهن ويرفضن الاستسلام ويواظبن على الحركة ولا يهملن مساعدة الأولاد حين يحتاجون إليهن، ويبدعن أشغالا يدوية وينظمن  المصروف.

تكثر إذاً مهام الجدة الخارقة، وهي المستفيد الأكبر من ذلك لأنه يتعين عليها تحمل مسؤولية. تبدو مستقلة ومعتمدة على ذاتها من جهة ويعتبرها أفراد الأسرة رمزاً كبيراً من جهة ثانية. الأمر صعب! لا بدّ من الاعتراف به، والتوصل إلى صيغة تمكّنها من العبور من دورٍ إلى آخر بسرعةٍ.

لا شكّ في أنك، كامرأة، تسعدين وترتاحين حين تشعرين بقيمتك وأهميتك. قد تستصعبين الأمر أحياناً حين تعتمد أهميتك هذه على حاجة الآخرين إليك فحسب.

الجدات اليوم

• ساهم طول العمر اليوم في تداخل الأجيال في العائلة الواحدة، ولم تعد الجدة، كما درج في السابق، أرملة أو وحيدة، بل تحظى بحياة زوجية غنية باستثناء النساء في عمرٍ متقدم.

• علاوةً على ذلك، تغيّرت الظروف المادية. في الماضي افتقرت الجدات إلى إمكانات مادية لأنهن لم يخضن ميدان العمل. أما اليوم فيحظى الجدان العاملان أو المتقاعدان بظروف مادية مريحة، ورغم ازدياد احتياجات الحياة ومستلزماتها، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يقدما مساعدة مادية لأولادهما.  

• تترك حالات الطلاق أثراً بالغاً وضغطاً إضافياً على الجدات اليوم بالمقارنة مع الماضي حتى وإن لم يكثر الحديث عن الأمر، فهن مرغمات على الاهتمام بالحفيد للتخفيف عن الأم المثقلة. في حالات مماثلة، لا يبدو تعبير التعاون الأسري من دون جدوى ولا تبدو العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة متباعدة. يظهر هذا التطور جلياً في مجتمعنا الذي يمنح الجدين حيزاً واسعاً للاستمتاع بحياتهما. حتى إنهما باتا هدف مجال التسويق ويشغلان مكانةً خاصة في عالم الاستهلاك.

back to top