حوار الطرشان: المنبوذ

نشر في 06-04-2013
آخر تحديث 06-04-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان أشعلت سيجارتي بعد أن تمددت على سريري، استعداداً لقراءة كتابي العتيق المتجدد الذي يقبع على المنضدة بجانبي، مددت يدي وتناولته بلهفة كأنني أتناوله للمرة الأولى، فهذا الكتاب لا يفارقني

-من حكايات جدتي- لأنني أجد فيه المتعة والسلوى، كما أنه يبقيني حبيس الماضي الذي لا أود الخروج منه، ليس حباً فيه، ولكن بغضاً للحاضر، وخوفاً من المستقبل الذي تكاد تنعدم الرؤية من دونه، كما أنه -أي الكتاب- يجعلني أحلق بأجنحة من الخيال مستعارة تنتشلني من واقعي المتسمر به جسدي، لتطير بي في فضاء المثالية التي لا تتقدم بها الشعوب، ولا تتحرر بها الأمم، لأنها خيال يؤدي بنا إلى خيال.

فالخيال منجاة لأولئك القاصرين عن مجاراة الواقع والتعامل مع ظروفه الصعبة، التي تحتاج إلى عزم لا ينهزم وجهد لا يكل.

وبينما أنا أقلب صفحات كتابي الغني بمحتواه، سابحاً في الوقت ذاته بفضاء قصة أقرأها -ليلى والذئب- وإذا بمارد ضخم الجثة يقف عند حافة السرير المتمدد عليه جسدي، مارد يستطيع أن يطول برأسه نجوم السماء، ويغوص بأرجله في باطن الأرض.

ارتجف كل جزء من جسمي، وتصبب العرق من جميع أنحائه، من هول ما رأيت، ومع الارتجافة التي كان مصدرها الخوف، سقط الكتاب العزيز على قلبي أرضاً من جراء ذلك المنظر المرعب.

إلا أنني قمت بشحذ همتي وجمع شجاعتي المبعثرة لأطمئن بها النفس الجبانة، عندما رأيت ذلك الجبار منكسراً حزيناً جاثياً على ركبتيه كأنه يستجديني لفك أغلاله التي لا أراها، بل هو يستجديني ويلح عليّ بالاستجداء.

والاستجداء كما أعلم صفة لصيقة بقليل الحيلة، منكسر الشخصية، والمتردد في اتخاذ قراره، لأن الأقوياء لا يمكن أن يستجدوا حتى لو كلفهم ذلك الأمر حياتهم.

ولما تيقنت من ذلك تجاهلته مع العلم أن فرائصي مازالت ترتجف من شدة الخوف، ولكن الانكسار الذي رأيته بادياً على محياه، والخنوع الواضح من منطوق لسانه جعلني أكثر شجاعة.

عندها أخذت بغطرسة نفساً عميقاً من سيجارتي التي مازالت ملتصقة بين أصابعي، ورجعت إلى سيرتي الأولى أكمل قراءة كتابي، وكأن المارد الجاثي أمامي لا وجود له.

ولما أخذ التعب مني مأخذه، هممت لإطفاء الأنوار استعداداً للنوم. فهمس المارد بصوت خافت... هل عرفتني؟ فقلت له بصوت مرتفع أنت مجرد متطفل مقتحم غايتك الإزعاج ليس إلا، فأرجو منك أن تفارقني هذه اللحظة، لأن النعاس بدأ بالهجوم وأنا عاجز عن مقاومته... فهل أنت ذاهب عني؟ فقال المارد حَدّق قليلاً وستعرفني من غير عناء، نعم ستعرفني من غير عناء، فقلت له بغضب شديد، من أنت؟ وماذا تريد؟ وللحديث بقية... والسلام.

back to top